عرفات حجازي
تترقب الاوساط السياسية بكثير من الاهتمام ما سيسفر عنه الاسبوع الفرنسي في لبنان الذي يختتم بزيارة وزير الخارجية كوشنير الى بيروت في الثامن والعشرين من الشهر الجاري للاجتماع بقادة الصف الاول والتباحث معهم في إمكان التأسيس لتسوية ما على قاعدة المناخات الإيجابية التي خلصت إليها خلوات سان كلو والدعم الإقليمي والدولي الذي واكب المسعى الفرنسي وكان حافزاً للفرنسيين على السير قدماً في مبادرتهم التي استطاعت إذابة الجليد السياسي بين الأفرقاء وحدّدت نقاط التفاهم والتقاطع في المفاهيم الأساسية. ومع أن الوسط السياسي في لبنان خرج من تقويمه وقراءاته لنتائج مؤتمر الحوار اللبناني بخلاصات متناقضة، سُجّل اندفاع فرنسي للمضي في الوساطة على خطين، خط الداخل اللبناني لتحديد الاولويات السياسية من خلال إرسال الموفد الفرنسي كوسران الى بيروت وبدئه بعملية استطلاعية تمهّد لتكريس نقل الحوار الى لبنان وسبر الاستعدادات لدى القادة السياسيين لتحقيق التعهدات التي توصل اليها المؤتمرون في سان كلو وخط الانفتاح على دمشق بعدما اكتشفت فرنسا أن الخطوط المفتوحة بين باريس وطهران والرياض سهّلت اخذ اللبنانيين الى الحوار، لكن نجاح الحوار يحتاج الى فتح هذه الخطوط نحو دمشق، فتقرر أن يزورها كوسران في اول اتصال رفيع المستوى بين الإدارة الفرنسية الساركوزية والقادة السوريين لتبادل وجهات النظربشأن الأفكار المقترحة لإخراج لبنان من أزماته السياسية والأمنية والدستورية التي باتت معلّقة الآن على خطوط التوتر العالي في المنطقة. من هنا فإن الجديد في حركة الدبلوماسية الفرنسية هو الوعد بإيجاد حل للأزمة اللبنانية فشل اللبنانيون أنفسهم من خلال حواراتهم المتعددة في حلها وأضافت الجامعة العربية إخفاقاً قومياً رغم عدد المحاولات التي قام بها أمينها العام عمرو موسى الذي لا يزال مصرّاً على بلوغ الحل العربي منتقداً تدويل القضايا العربية مع إدراكه أن الكثير من الأزمات العربية ليست صناعة محلية خالصة وأن وصفات الحل لها لن تكون كذلك، إذ من باب الواقعية السياسية أن تقارب فرنسا معالجة الملف اللبناني وتعمل على شبك الجهود المحلية والعربية والإقليمية في التنسيق بين فرنسا والجامعة العربية من جهة وبين فرنسا وطهران وواشنطن من جهة ثانية، وهذا ما يفسر مسارعة كوشنير الى وضع عمرو موسى في خلاصة ما انتهت اليه اجتماعات الاطراف اللبنانية وكذلك اتصاله بوزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط الذي سيستقبل لاحقاً المعبوث الفرنسي جان كلود كوسران ليطّلع منه على الرؤية الفرنسية وما حققته اللقاءات التي اجرتها الدبلوماسية الفرنسية حتى الآن مع الأطراف الداخلية والخارجية ذات التأثير على الداخل اللبناني. ولا تستبعد مصادر دبلوماسية عربية أن يقوم تنسيق بين البادرتين العربية والفرنسية لحسم القضية الاساسية التي تمثّل جوهر الانقسام السياسي وهي ايجاد حل للمعادلة التي تحكم المشهد اللبناني حالياً والمتمثلة في الخلاف الحاد على الاولويات بين المعارضة والموالاة، فالأولوية بالنسبة للأكثرية هي ربط تأليف حكومة الوحدة الوطنية بضمانات لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده وعودة المجلس النيابي الى ممارسة نشاطه، بمعنى التوافق على سلة شاملة للحل؛ فيما المعارضة تصرّ على تأليف حكومة وفاق وطني أولويةً تفتح باب الحلول للقضايا الاخرى العالقة، وبينها موضوع الرئاسة، رافضة ربطها بأي ضمانات أو التزامات مسبقة، معتبرة أن عملية الربط بين الحكومة والرئاسة لن تؤدي إلاّ الى إطاحة الاستحقاقين معاً.
غير أن المعطى الجديد الذي طرأ على خريطة المواقف وعلى المشهد السياسي، تمثّل في حسم مسألة نصاب الثلثين لانتخابات الرئاسة، وهو ما يعزز الاحتمالات والاتجاهات نحو التوافق في معركة اصبحت متكافئة بعدما وجّه التكتل الطرابلسي برئاسة الوزير محمد الصفدي ضربة قوية وغير محسوبة للفريق الاكثري من خلال جزمه أن نصاب الثلثين هو القاعدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأنه خارج هذا النصاب لن يحضر وكتلته جلسة الانتخاب. وجاء موقف البطريرك صفير ليعزز هذا التوجه بإعلانه صراحة ما كان يتجنّب قوله في وضوح عن النصاب الواجب توافره لانتخاب رئيس جديد، مؤكداً أن الدستور ينصّ على ضرورة توافر الثلثين لهذا الانتخاب، وأن مخالفة أي طرف لهذا المبدأ الدستوري ستفتح باب المخالفة الدستورية للطرف الآخر، وهذا ما يدفع البلد نحو المجهول. هذه التحولات المفاجئة في المواقف، رأت المعارضة أنها تصبّ في مصلحتها بعدما كان قادة الاكثرية يلوّحون بانتخاب رئيس للجمهورية بأكثرية النصف + 1 إذا أصرّ نواب المعارضة على مقاطعة جلسة الانتخاب تفادياً لحصول فراغ في الرئاسة.
كذلك رأت فيها فرنسا والجامعة العربية خطوة متقدمة يمكن البناء عليها في اطار تسوية للاستحقاق الرئاسي بعدما أسقط في يد الطرفين الإمساك بزمام المبادرة وبالتالي دفعهما قسراً الى التفاهم وإيجاد الحلول لجميع النقاط العالقة حفاظاً على وحدة المؤسسات وعلى الحد الأدنى الذي يوحّد اللبنانيين.