طارق ترشيشي
مهما تعددت المبادرات والحوارات فإن اللبنانيين يريدون منها أن تجيب عن جملة أسئلة، ومنها: لبنان إلى أين بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود؟ هل هو ذاهب إلى انتخاب رئيسين للجمهورية كما تخوّف البطريرك الماروني نصر الله صفير، أول من أمس، في حال عدم التزام نصاب الثلثين لجلسة انتخابات الرئاسة؟ أم هو ذاهب إلى قيام حكومتين؟ أم هو يقف على أبواب فتنة أو حرب أهلية بسبب انعدام التوافق بين فريقي الموالاة والمعارضة على تأليف حكومة وحدة وطنية وعلى رئيس جمهورية جديد؟
كان متوقعاً أن ينتهي مؤتمر سان كلو إلى ما انتهى إليه من تكرار المواقف المتباعدة بين فريقي الموالاة والمعارضة، لأن الفترة الحالية هي فترة «وقت ضائع» يُراد تمريرها في مناخات حوارية، حتى لو كانت غير منتجة، تخفيفاً لوطأة التشنّج السياسي الذي يقرّ الطرفان بسلبياته على الوضع الداخلي، عسى أن يساعد ذلك على التلاقي لاحقاً على صيغة حل للأزمة بينهما.
وواقع الحال السائد يكشف أن التباعد ما زال كبيراً بين الطرفين لأن كليهما ينتظر ما ستنتهي إليه المفاوضات الإقليمية والدولية، العلنية منها والسرية، ولذا اللحظة السياسية هي لحظة انتظار مقرونة بتمرير المرحلة بأقل ضجيج، وعدم تكبّد أي خسارة في الرصيد السياسي. إلا أن هناك شعوراً عاماً مفاده أن البلاد لن تصل الى خيار الرئيسين أو الحكومتين، لأن «الخوف» الذي تعيشه الأكثرية من إمكان إقدام المعارضة على تأليف حكومة ثانية يمكن «المجتمع الدولي» (الاسم الحركي للهيمنة الأميركية على القرار الدولي) أن يعترف بها، يوازي تهيّب المعارضة اعتماد أي من هذين الخيارين، إلى تجنّبها الدخول في أي حرب داخلية. وهذان الخوف والتهيّب باتا يقيمان شيئاً من «توازن الرعب السياسي» يُعوّل عليه ليدفع الطرفين الى تمرير الاستحقاقات المقبلة أو إرجائها وفق صيغ مرنة عسى أن يتم التوافق عليها مستقبلاً.
وفي هذا السياق، يبدو أن الوضع آيل، في الأسابيع الفاصلة عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، إلى اتفاق بين الموالاة والمعارضة على تأليف حكومة وحدة وطنية على أساس 19+11، مع تعهّد المعارضة عدم استقالة وزرائها، في مقابل تعهّد الموالاة التزام نصاب الثلثين لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، على أن تكون مهمة هذه الحكومة التوافق على الاستحقاق الرئاسي وإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية. وفي حال تعذّر ذلك، وانتهاء ولاية الرئيس لحود من دون انتخاب رئيس جديد، تتولى حكومة الوحدة الوطنية السلطة بما يحول دون حصول أي فراغ دستوري، وتتحمل مسؤولية إدارة شؤون البلاد إلى حين الاتفاق على رئيس جديد، أو إلى حين انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي وانتخاب مجلس جديد عام 2009 على أساس قانون انتخابي جديد.
هذه الحكومة ستكون المخرج من المأزق الذي تعيشه البلاد حالياً، بدليل أنها كانت بين أبرز نقاط البحث في مؤتمر سان كلو، فيما يرى فيها البعض المعبر الطبيعي من الأزمة القائمة إلى آفاق الحلول، وأن مجرد حصول اتفاق على تأليفها، سيكون مؤشراً إلى نجاح المفاوضات الإقليمية، أو إلى دخول الأزمة مرحلة من الجمود في انتظار انتهاء هذه المفاوضات التي يمكن أن تطول، ما قد يفرض على أطرافها التزام التهدئة على الجبهات التي يتقاتلون على خطوطها في انتظار ولادة التسوية الموعودة.