نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

هيئـــات تـــرعى أطفـــال البـــارد النـــازحين و«مـــاغ» تحـــذّر من مخاطـــر العـــودة المتسرعـــة
اقتربت معركة مخيم نهر البارد من نهايتها، ويتوجه الجيش اللبناني خلال الساعات القليلة المقبلة إلى الإطباق بصورة كاملة على ما بقي من مواقع مسلحي تنظيم فتح الإسلام، الذي بات على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة، حسب ما تدل المعطيات العسكرية على الأرض.
وقد استطاع الجيش اللبناني، بعد المعارك الضارية التي دارت ليل أول من أمس، وطوال يوم أمس، على إنهاء وجود مسلحي التنظيم في حي صفوري بالكامل، بعدما تمكن قبل ذلك بساعات على بسط سيطرته على تلة صفوري الاستراتيجية، لكونها أعلى نقطة داخل المخيم القديم، ليشرف منها بالتالي على جميع أحياء المخيم القديم التي باتت تحت مرمى نيرانه.
وبانتهاء المعارك من حي صفوري وما بقي من جيوب للمسلحين فيه وفي حي المغاربة، تكون الاشتباكات قد انتقلت إلى المقلب الآخر من المخيم القديم، أي إلى حي سعسع والشارع الرئيسي وسطه، حيث أفاد مصدر عسكري لـ«الأخبار» بأن قوة من الجيش اللبناني «انطلقت من المدخل الشمالي لحي سعسع، في مقابل انطلاق قوة مماثلة في الاتجاه المعاكس لها من المدخل الجنوبي له»، متوقعاً أن «تلتقي القوتان مع بعضهما في غضون 24 ساعة على الأرجح، ما يعني أن الحي سيطوق بالكامل تمهيداً لدخول الجيش إليه، والقضاء على ما بقي من مسلحي الحركة في المخيم».
وأوضح المصدر العسكري بالمقابل أن الجيش «تقدم باتجاه حي سعسع من جهة المحور الغربي عند البحر، وأنه توغل داخل الحي باتجاه وسطه، ونحو المدخل الشمالي من المخيم القديم وجنوب مركز ناجي العلي الطبي»، مشيراً إلى أن الأعلام اللبنانية «ارتفعت بكثرة في الساعات الماضية فوق المواقع التي سيطر عليها، وأنه يعمل بالتوازي مع ذلك على تنظيفها من الألغام والمتفجرات التي خلفها المسلحون وراءهم».
ولفت المصدر إلى أن مواجهات عنيفة دارت في الساعات الماضية مع مسلحين على أطراف حي سعسع، وأن الجيش تعامل معهم بالأسلحة المناسبة.
إضافة إلى ذلك، أحكم الجيش سيطرته على كامل الواجهة البحرية الجنوبية للمخيم القديم، استكمالاً لوضعه في طوق من وحدات الجيش التي تتقدم في هذه المنطقة على محورين: الأول من الجنوب في اتجاه الشمال عبر مصب نهر البارد صعوداً حتى الجسر الإسمنتي الذي تمت السيطرة عليه سابقاً، وتوغلت وحدات الجيش منه إلى الشارع الرئيسي للمخيم من الجهة الجنوبية بعد سيطرتها على مبنى الصاعقة ومحيطه في اتجاه المدافن القديمة. والمحور الثاني انطلاقاً من مدارس الأونروا من الشمال الغربي في اتجاه الجنوب للسيطرة على امتداد الشارع العام، عند الواجهة البحرية الجنوبية في اتجاه حي سعسع التحتاني، حيث باتت وحدات الجيش تبعد عن بعضها من كلا الاتجاهين أقل من 300 متر، في انتظار السيطرة على التحصينات العسكرية عند شاطئ البحر التي كانت تشغلها الجبهة الشعبية قبل إخلائها الموقع، إضافة إلى جورة الغنايمة وبورة حي زعتر التي يعتقد أن المسلحين يستخدمونها منصة لإطلاق الصواريخ في اتجاه القرى والبلدات.
على صعيد متصل، استطاع الجيش اللبناني سحب جثتين من جنوده كانا قد استشهدا في معارك أول من أمس، بعدما كان قد أعلن سقوط ثلاثة شهداء له في مواجهات أمس، فيما سقط للمسلحين ثلاثة قناصة خلال اشتباكات أمس.
من جهة أخرى، أوضح مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة في الشمال أبو عدنان أن مسؤول الجبهة في مخيم نهر البارد أبو نبيل قد «تم إجلاؤه من المخيم مساء أول من أمس، بالتنسيق مع الجيش اللبناني»، نافياً صحة المعلومات التي تحدثت عن اعتقاله أو استسلامه داخل مقر الحركة، ومشيراً إلى أن «عملية إخراجه تأخرت إلى هذا الوقت بسبب وضعه الصحي».
ونفى أبو عدنان بالمقابل المعلومات التي نقلت عن لسانه وأشارت إلى أن الرجل الثاني في تنظيم فتح الإسلام شهاب قدور «أبو هريرة» قد قتل، لافتاً إلى أن هذه المعلومات تداول بها نازحون خرجوا أخيراً من مخيم نهر البارد.
في موازاة الاهتمام المركّز والمنصبّ بشكل رئيسي في مخيّم البدّاوي، من أجل معالجة قضية النّازحين إليه من مخيّم نهر البارد، وبحث كيفية تأمين أمكنة ومساكن تؤويهم، بعدما وصل الاكتظاظ فيه إلى حدوده القصوى، ما اضطر البعض منهم إلى افتراش أسطح البنايات وكراجات السيارات، لم يغب عن بال جهات وجمعيات فلسطينية ولبنانية ودولية عدّة، وذات طابع إنساني واجتماعي، إيلاء جوانب أخرى على هامش معركة مخيّم نهر البارد، بعضاً من جهدها وعنايتها.
ففي هذا الجانب، باشرت «شبكة حماية الطفل»، منذ مطلع الشهر الجاري، بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا»، وطلاب شهادة الثانوية العامة في الثانويات الفلسطينية، وناشطين ومتطوعين فلسطينيين ولبنانيين وأجانب، في إقامة دورات ونشاطات عدّة للأطفال النازحين، تشمل المشاركة في ألعاب تربوية وترفيهية، وأنشطة دعم نفسي اجتماعي، وأشغال يدوية، ومسرح ولعب أدوار حول حقوق الطفل، ومهارات التواصل وحلّ النزاعات، والدمج ومواضيع أخرى، في مراكز الجمعيات والأندية في مخيّم البداوي، أو في أمكنة ومراكز تابعة لهيئتي الأونروا واليونيسف في المخيّم.
في موازاة ذلك، شرعت فرق عمل مؤسسة «ماغ» لنزع الألغام والأجسام المشبوهة وغير المتفجرة والخطرة، بتوزيع منشورات وملصقات توعية تدعو فيها أهالي مخيّم نهر البارد تحديداً، وترجو منهم حفاظاً على سلامتهم وسلامة أولادهم، في «التريث وعدم المخاطرة بدخول مخيّم نهر البارد فور الإعلان عن توقف المعارك العسكرية في المخيّم»، لافتة إلى أنّ فرق عملها «ستبدأ على الفور نشاطها في سبيل تأمين دخول آمن للجميع» إلى المخيّم.
ودعت «ماغ» أهالي مخيّم نهر البارد إلى «عدم المخاطرة والمجازفة في هذا الموضوع، لأنّ أولادكم وعائلاتكم بحاجة إليكم، مطالبة إياهم بالتعاون معها والتريث قليلاً لكي تتمكن من حمايتهم من الأخطار المحدقة بهم، إذا أصرّوا على دخولهم إلى المخيّم قبل إزالة العوائق الخطرة على حياتهم وحياة عائلاتهم من أمامهم».
وحذرت «ماغ» الأهالي في منشوراتها، حرصاً منها على سلامتهم وسلامة أبنائهم، «عدم الاقتراب أو لمس أيّ جسم مشبوه، أو سلاح غير منفجر، والتبليغ فوراً عن ذلك».
وأشار أحد مسؤولي المؤسسة لـ«الأخبار»، إلى أنّ هذه الخطوات التي تقوم بها «ماغ»، تهدف إلى «كبح جماح أهالي مخيّم نهر البارد تحديداً، الذين يصرّون على العودة فوراً إلى مخيّمهم فور الإعلان عن توقف الأعمال الحربية فيه»، موضحاً أنّ التظاهرات الأخيرة للنازحين من أجل استعجال العودة، دفعتنا إلى «المسارعة إلى تنبيههم من مخاطر هذا الأمر، وخصوصاً أنّ المخيّم مليء بالألغام والفخاخ والعبوات غير المنفجرة، التي يحتاج تفكيكها وإزالتها إلى بعض الوقت، لأنّ من شأن التسرّع في دخول المخيّم قبل تنظيفه منها، أن يسقط مزيد من الضحايا في صفوف المدنيين، وأن تقع إصابات نحرص بشكل واسع على تجنبها».
تجدر الإشارة إلى أنّ حملة «ماغ» هذه يشارك فيها كلّ من الأونروا، واللجان الشعبية في مخيّمات الشمال، ومؤسسة اليونيسف، وجمعية المساعدات الشعبية النروجية، والمكتب الوطني لنزع الألغام، واللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الألغام.

تشييع شهداء الجيش

شيّعت بلدة السلطان يعقوب، أمس، الملازم أول الشهيد علي أحمد سميدي الذي سقط أثناء تأدية واجبه الوطني في المواجهات العسكرية في نهر البارد.
مثّل قائد الجيش العماد ميشال سليمان العميد عبد الرحمن يوسف، وشارك في التشييع مفتي زحلة والبقاع خليل الميس والنائب ناصر نصر الله، وحشد من أهالي البلدة والجوار.
وألقيت كلمات لرئيس بلدية السلطان يعقوب المهندس محمد صالح. ثم كانت كلمة للمختار أحمد الجاروش.
وألقى المفتي الميس كلمة قال فيها «يا جيشنا البطل أرادوك ضحية فقبلت التحدي ليسلم الوطن في البارد. أرادوا الفتنة، وبدم الشهداء أطفأت الفتنة».
وألقى كلمة قائد الجيش العميد عبد الرحمن يوسف. ثم عزفت موسيقى الجيش نشيد الموتى، وقدمت ثلة من حرس الشرف السلاح، ثم ووري الثرى في جبانة البلدة.
وفي بيت ملات ـــــ عكار، شُيّع العريف الشهيد داني شحاده حنا في كنيسة مار جرجس ـــــ الجديدة حيث احتضنه أهالي البلدة ورفاق السلاح بمواكب شعبية حاشدة، ثم أقيمت الصلاة على جثمانه. وألقى ممثل العماد قائد الجيش، خلال التشييع، كلمة نوّه فيها بشجاعة الشهداء وتضحياتهم الكبيرة في سبيل الجيش والوطن.