إعداد: علي شهاب
تستمدّ دراسة معهد «بروكينغز» حول حزب اللّه أهميّتها من كونها تعارض نظريات سياسية تشكل قواعد الرؤية الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، ومن أن التوصيات التي تخرج بها تصدر عن معهد يشكل منتدى رئيسياً للنقاشات بين صنّاع القرار في الإدارة الأميركية التي تدفع رواتب باحثيه الـ120


يفسّر المحافظون الجدد التموضع الاستراتيجي الإيراني وانحدار العراق نحو الحرب الأهلية، بل وحتى الشقاق الفلسطيني، على أنها إحدى نتائج الصراع السنّي ـــــ الشيعي في الشرق الأوسط.
غير أن الدراسة الصادرة في شهر شباط 2007 عن معهد بروكينغز تحت عنوان «توسيع الجهاد: شبكة حزب الله الإسلامية السنية» تنتقد «المفهوم الخاطئ» داخل واشنطن إزاء التطورات في المنطقة ولبنان، ذلك أن هاجس «الهلال الشيعي» صار متحكّماً بالمسؤولين الأميركيين الذين يستمعون إلى «قادة العرب السنّة في مصر والأردن والسعودية الذين لم يدعموا حزب الله» في حرب تموز 2006.
هؤلاء السياسيون في واشنطن «ينظرون إلى الأحداث في لبنان بالمنظار المشوّه نفسه»، أي إن الأزمة في بيروت هي «صدام طائفي يعمل على إقحام ائتلاف حاكم بقيادة السنّة، خاضع لتوجيه رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، ومدعوم من الولايات المتحدة وفرنسا ضد التحالف المعارض بقيادة الشيعة الخاضع لقيادة حزب الله والمدعوم من سوريا وإيران». وتضيف الدراسة أن النظر إلى الأزمة اللبنانية على أنها أزمة بين السنّة والشيعة «فيه سوء فهم للصراع اللبناني المتجذّر ذي الملابسات التاريخية البالغة التعقيد».
ويشير المعهد في دراسته التحليلية إلى أنه في تاريخ لبنان «لم يقُم أي ممثل فاعل بتحدّي مفهوم الشقاق السنّي الشيعي وتقويضه أكثر مما فعل حزب الله. فهو يقوم بذلك، أولاً من طريق السعي إلى إظهار نفسه قائداً لحركة مقاومة واسعة مبنية على أساس إسلامي ضد الولايات المتحدة وحلفائها لا في لبنان فقط، بل في كل الشرق الأوسط. وقد غذّى نجاح حزب الله في حرب الصيف الماضي مع إسرائيل طموحه وصورته كمصدر تحدٍّ مدهش إزاء الولايات المتحدة وإسرائيل».
من هذا المنطلق، يدعو معهد «بروكينغز» واشنطن الى «الاعتراف بأن حزب الله هو أكثر منظمة سياسية اجتماعية شيعية امتلاكاً لإمكانات إرهابية وعسكرية، ووضع سياسة جديدة لتقويض صورة الحزب» في العالم السنّي.
ويخوض المعهد في تحليل «المنظمة الشيعية الإلهية» باعتبارها تعمل وفقاً لـ«هيكلية تنظيمية معقدة»، ما يسمح لحزب الله بالعمل «براحة، وكأنه عبارة عن كيانات عدة: الأول، حزب سياسي مرتبط بشكل شرعي بالجسم السياسي اللبناني، والثاني ممثل اجتماعي له تمثيله في المجالس البلدية ومؤسسات الخدمات، والثالث منظمة عسكرية تهدف إلى تحرير الأراضي اللبنانية التي لا تزال خاضعة للاحتلال الإسرائيلي وإلى ردع أي اعتداء خارجي متوقع».
وعلى الرغم من «ولائه التام لنظام ولاية الفقيه»، لم يمنع ذلك حزب الله من «تشكيل تحالفات مع حركات إسلامية سنّية، مثل حماس والجهاد الإسلامي» وجماعات أخرى «لا ترفض فقط فكرة ولاية الفقيه، بل أيضاً تملك معتقدات ورؤية عالمية معارضة ومعاكسة تماماً لها».
وفي هذا السياق، يدرس «بروكينغز» «قدرة حزب الله على جذب الحالة الإسلامية السنية» من خلال استعراض «إنجازاته العسكرية ضد إسرائيل منذ عام 1982، ومعارضته الإرادة الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، وسمعته حزباً سياسياً نظيفاً وساعياً لإحلال العدالة الاجتماعية في الوطن، ما أتاح له نشر صورته الأممية لدى الجماهير المحرومة في العالم العربي». وإن موقف الحزب إزاء القضية المركزية العربية «فلسطين» جعله «يفوز بقلوب السنّة والحركات الإسلامية وعقولهم. كذلك، شجّع الانتصار، الذي نسبه حزب الله إلى نفسه في صيف 2006، وتصميمه على إحباط خطة الشرق الأوسط الجديد، الحركات السنية على قرع باب الحزب الشيعي».
أما في الداخل، فقد استفاد حزب الله من «بروز رؤيتين استقطابيّتين للبنان: ثقافة الهزيمة والمجاملة التي يدعمها ائتلاف الرابع عشر من آذار، وثقافة المقاومة والكرامة التي يقودها الحزب الشيعي».
من هنا أنشأ حزب الله «شبكة تنسيق ذات هيكلية متحررة لمشاركته ثقافة المقاومة والكرامة، من خلال تيار إسلامي يحافظ على خصوصيته الإيديولوجية مستقلةً».
وهكذا «جذب حزب الله منظمات وإسلاميين سنّة».
وفي لبنان، «جبهة العمل الإسلامي، التي أسسها ويقودها فتحي يكن، هي الأكثر تواصلاً مع حزب الله وتتمتع بعلاقات عمل وصلات جيدة معه، علماً بأن حركة التوحيد الإسلامي التي تأسست عام 1982 على يد الشيخ سعيد شعبان انضمت أيضاً إلى هذه الجبهة». وتتابع الدراسة أن علاقة الحزب بالإسلاميين السنّة «تعود الى الغزو الإسرائيلي عام 1982 وما بعده، حيث حاربت هذه المنظمات الميليشيات المسيحية اليمينية وإسرائيل».
ويشير معهد بروكينغز إلى حرب تموز لإثبات نجاح الحزب في تجاوز الشقاق المذهبي، إذ «قال كل من الأمين العام للجماعة الإسلامية الشيخ فيصل مولوي ونائبه إبراهيم المصري إن حركتهما شاركت في المعارك التي دارت خلال حرب صيف 2006 بالوقوف كتفاً إلى كتف للقتال مع حزب الله في منطقة مزارع شبعا. وقد أكد حزب الله تصريحات مسؤولي الجماعة بعد أسبوع من نشرها بالتفصيل بالتصريح التالي: لدينا مجموعات قتالية سنّية، وإذا كشفنا عنها، فإن ذلك سيصدمكم جميعاً».

تحدّي المصلحة الأميركية

«إن التحدي الذي يشكله حزب الله اليوم للمصالح الأميركية في لبنان والشرق هو تحدٍّ متعدّد الأبعاد، فالمنظمة استطاعت تحقيق مقدار من النجاح وتوفير الدعم لنفسها في لبنان وعلى مساحة المنطقة، ما يجعلها قوة يجب التفاهم معها، إذ لا يمكن تمنّي زوالها، ولا يمكن التعامل معها بشكل صرف على أنها منظمة عسكرية وإرهابية، ولا يمكن اعتبارها، ببساطة، أداةً لإيران ضد الغرب في لعبة إقليمية»، بهذه العبارة يعكس معهد «بروكينغز» ما وضعه تحت عنوان «التعقيدات بالنسبة إلى السياسة الأميركية»، التي يساهم حزب الله في تعميقها من خلال «تصميمه على تجاوز الانقسام السنّي ـــــ الشيعي».
في 14 آب 2006، «ركبت كل من إيران وحزب الله الموجة الشعبية بفضل النتيجة التي تكشّفت عنها ساحة المعركة، وقد أظهر استطلاع أجراه مركز ابن خلدون في مصر أنه في قلعة الإسلام السنّي حظي (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله بنسبة تأييد وصلت إلى 82 في المئة، بينما حظي خالد مشعل بـ60 في المئة، وأسامة بن لادن بـ52 في المئة، ولم يكن هناك أي زعيم عربي حتى ضمن العشرة الأوائل»، وإن هذا مؤشر يبني عليه معهد بروكينغز توصياته التالية:
ــــ إن محاولة تقسيم المنطقة إلى معسكرين سنّي وشيعي، هي محاولة خاطئة لأنها لا تخدم سوى في تغذية الأحقاد الطائفية التي عملت على جرّ المنطقة إلى «أبواب جهنم»، كما جاء في وصف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
ـــــ إن الدفع أكثر في اتجاه التقسيم سيؤدي إلى عنف طائفي إضافي في المنطقة من دون أدنى شك. وهذا الأمر سيستخدمه تنظيم القاعدة من دون شك للحصول على أفضل نتائج.
ـــــ التقسيم لن يحرّك كل المتطرفين السنّة لقتال إيران، فالبعض سيبقى حليفاً إيديولوجياً واستراتيجياً لها، والدليل الموجود في طرابلس ومجدل عنجر وصيدا وبيروت يُظهر أن هؤلاء لن يكونوا أقلية ضئيلة، بينما فئات كثيرة من المجتمع السنّي ستقاتل كتفاً إلى كتف مع إخوانهم الشيعة في حال تعرّضهم لأي عدوان.
ـــــ سعي أميركا إلى خلق عاصفة كبرى، هو ما سيؤدي إلى ابتعاد عدد أكبر من المسلمين وتحوّلهم ضدها.
ـــــ إن مقاربة أكثر توازناً تتفهّم وضع حزب الله المعقد بكل أبعاده يمكنها أن تخدم بشكل أفضل المصلحة الوطنية الأميركية.
ـــــ يمكن البدء بمقاربة جديدة لوضع حزب الله من طريق المحادثات مع سوريا وإيران، الحليفتين الاستراتيجيتين للحزب والدولتين الفاعلتين اللتين ساعدتاه على أن يصبح القوة التي هو عليها اليوم.

معهد بروكينغز للدراسات السياسية والاستراتيجية (واشنطن)

العنوان الأصلي:
توسيع الجهاد: شبكة حزب الله السنّية الجهاديّة