جان عزيز
في خطوة مخالفة للنصوص القانونية والقرارات ذات الصلة كافة، رد أمس مجلس شورى الدولة الطعن المقدّم من أحد المواطنين المتنيين، في المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء، والقاضي بدعوة الهيئات الناخبة في دائرتي بيروت الثانية والمتن الشمالي في 5 آب المقبل. علماً أن الرد المذكور، تزامن مع تقديم طعن آخر مماثل، باسم الدكتور كميل خوري، المرشح للانتخابات المذكورة عن المقعد المتني. لكن المفاجأة الكبرى تمثّلت في رد القضاء الإداري للطعن الأول، لا بحجة عدم صلاحية الناخب المتقدم به، بل لاعتبار المرسوم الصادر عن الحكومة القائمة عملاً لا ينفصل عن الانتخاب نفسه. أي إن الطعن فيه لا يكون عبر مراجعة مجلس شورى الدولة قبل الانتخاب للبت في قانونية مرسوم الدعوة، بل يكون الطعن أمام المجلس الدستوري، بعد الانتخابات، وباسم مرشح خاسر، لإعلان بطلان النتيجة الانتخابية من الأساس.
الخبراء القانونيون رأوا أنّ الأمر قفزة كبيرة فوق نصوص قانونية واضحة، أبرزها المادة 7 من قانون الانتخاب القائم، كما فوق آراء مرجعية جازمة، أهمّها رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، الذي أكد أن الدعوة إلى الانتخاب مرتبطة بصلاحية رئيس الجمهورية، وليست «من دائرة صلاحيات السلطة الإجرائية ممثلة بمجلس الوزراء».
لكن الأهم أن ما صدر أمس عن القضاء الإداري للسطة القائمة قد يحمل مخاطر ميثاقية أساسية، لجهة تحوّله سابقة واجتهاداً يتعدّيان على موقع رئاسة الجمهورية وصلاحياتها في إطار النظام التوافقي الراهن.
هكذا، واستناداً إلى «الفتوى» التي استصدرتها السلطة أمس في المسألة، بات مؤكداً أن مجلس شورى الدولة سيردّ تباعاً أي مراجعة لاحقة مماثلة، وإن كان المتقدم بها مرشحاً لا ناخباً، كما هي حال مراجعة المرشح خوري، بذريعة إلقاء الموضوع على عاتق مجلس دستوري غير موجود، ولا يتوقع وجوده في المدى المقبل.
وتبقى النتيجة الأبرز لخطوة قضاء السلطة، في أن يوم الأحد 5 آب المقبل، سيكون موعداً مع انتخابين نيابيين فرعيين، في كل من دائرتي المتن الشمالي وبيروت الثانية. فماذا عن الصورة المرتقبة على هذا الصعيد؟
عموماً تجدر الإشارة أولاً إلى التأخير الملحوظ لدى قوى السلطة في التقدم بأي ترشيح عن أي من المقعدين، وذلك قبل 48 ساعة فقط من إقفال باب الترشيحات لهذا الاستحقاق. وإذ يعزو البعض ذلك إلى إرباك واضح لدى هذه الجهة، يرجح آخرون أن تكون الخطوة من باب الاحتفاظ بأوراق المناورة والمباغتة، حتى اللحظة الأخيرة يوم غد الجمعة في 20 تموز الجاري. وذلك في ظل تأكيد أطراف السلطة أن مرشحيها للمقعدين سيكونان جاهزين غداً.
أما في التفاصيل، فتبدو الصورة البيروتية أقل تعقيداً من تلك المتنية. من جهة السلطة، ثمة خيار أساسي لم يحسم بعد، بين اسم حريري صرف، وبين النائب السابق تمام سلام، في خطوة استيعابية لخصام يعود إلى انتخابات عام 2000. مع أن بعض الحريريين يرفضون الخيار الأخير، على خلفية السجالات العنيفة التي وقعت بين سلام وصاحب المقعد الشاغر، المغفور له وليد عيدو، قبل أعوام قليلة. ما يحمل هؤلاء على الاعتقاد بأن احترام ذكرى عيدو يقتضي المضي في الخيار الأول. أما من جهة المعارضة، فالبحث الأوّلي يدور حول دعم أمين الداعوق، الرئيس السابق لتجمع العائلات البيروتية، في حال ترشّحه.
غير أن الصورة في المتن الشمالي تبدو أكثر تشعّباً وتشنّجاً. المعارضة هنا يمثلها تكتل التغيير والإصلاح. وهو في اجتماعه الأخير حسم ترشيح الدكتور كميل خوري للمقعد، وذلك بإجماع أعضاء التكتل. وتردّد أن هذا الحسم جاء رداً على النبرة التصعيدية العالية للرئيس أمين الجميل في باكيش يوم الأحد. فيما ترجّح جهات مقابلة أن تكون لهجة الجميل تلك، جاءت رداً على معلومات وردته وهو في طريقه إلى احتفال باكيش، عن استعداد «التكتل» لخوض الاستحقاق. علماً أن شخصية متنية مستقلة وقريبة من الرابية وبكفيا، لا تزال تعمل على خط التسوية. إلاّ أن هذا المسعى لا يزال يصطدم بسقف كتائبي، مفاده الاقتصار على اقتراح أن يقوم الجميل باتصال هاتفي من باب المجاملة إلى ميشال عون. فيما المطروح منطقياً خطوة تصحح الإساءة والتجنّي اللذين ارتكبا ضد عون وتياره عقب اغتيال الراحل بيار الجميل. إلاّ أن الشخصية نفسها لا تزال تأمل حلاً وسطياً، على قاعدة لقاء الرجلين في بكركي، وهو ما لم يتقدم عملياً حتى اللحظة.
أما من جهة أطراف الموالاة، فيبدو أن ترشيحها المتني سيرسو على الرئيس الجميل نفسه، لأسباب كثيرة، منها الشخصي والعائلي والحزبي والسياسي.
في اليوم التالي لانتخابات المتن الأخيرة في 12 حزيران 2005، اتصل الجميل الأب بالعماد عون مهنئاً بفوزه الكاسح. فرد عون: «ومبروك كمان لبيار. نحن اللي منحبّن قصدنا ما نأذين». في إشارة إلى ترك مقعد شاغر على لائحة عون المتنية. بعد سنتين، نجحت السلطة، كما يد الجريمة في 21 تشرين الثاني الماضي، في محو هذه الصورة وقلبها بالكامل.