باريس - بسّام الطيارة
لم يفصل بين نهاية «تمرين سيل سان كلو» وبداية «تمرين دمشق» أكثر من ٤٨ ساعة، ما دفع بعض المراقبين الى التساؤل عما إذا كان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قد أبلغ المتحاورين نيته إرسال السفير جان كلود كوسران إلى عاصمة الأمويين؟
الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية باسكال أندرياني أكدت أن «هذه النقطة لم يتم التطرق اليها خلال يومي الحوار»، وهذا ما أكده لـ«الأخبار» أيضاً مصدر مقرب من كوشنير، مشيراً إلى أن «فرنسا لا تطلب إذناً من أحد للقيام بأي مبادرة» ولافتاً الى أن الوزير الفرنسي «أشار إلى هذا الأمر في مداخلته الإعلامية التي أعقبت اللقاء»، مذكّراً بقوله إن كوسران «كُلّف الاتصالات وقد زار طهران وسنرى إذا كان يجب أن يذهب إلى سوريا». وتابع المصدر أن بعضهم ربط نفسه بما تكرره الدبلوماسية الفرنسية حول «شروط إقامة اتصالات على مستوى أعلى من السفير مع سوريا» وأضاف «يجب قراءة شروط conditions بمعنى ظروف» وأعاد التذكير بما قاله كوشنير: «عندما نكون أمام أزمة يجب التحدث مع جميع الأطراف، وهذا ما سنقوم به».
وتشدد المصادر المقربة من كوشنير على أنه «قلق جداً من الوضع في لبنان» وأنه ما زال حذراً رغم التقدم الذي أحرزته مبادرته، وهو حذّر مراراً من الإغراق في التفاؤل لأنه «يمكن حدوث الكثير من المفاجآت في تلك المنطقة من العالم». وتؤكد المصادر أن «زيارة دمشق كانت تمثّل ركيزة من ركائز مبادرة كوشنير»، وأنه أقنع الرئيس نيكولا ساركوزي بهذا الأمر «منذ انطلاق فكرة عقد خلوة سان كلو»، مشيرة الى أنه «لم يتم إطلاع الفرقاء اللبنانيين على مشروع الزيارة» لأسباب عدة، منها أن فرنسا «سيدة القرار بما يتناسب مع مصالحها ورؤيتها للواقع السياسي».
لكن مصادر أخرى تشير الى أن «رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة كان الوحيد الذي حصل على تلميحات حول مبدأ الزيارة» خلال لقائه كوشنير أخيراً في باريس.
وفي تفاصيل التمهيد لهذه الزيارة، تشدد المصادر على «الدور البارز والإيجابي الذي لعبته طهران» في إنجاح «إمكان اللقاء»، وأنها نصحت مراراً الدبلوماسية الفرنسية بعدم «إهمال طريق الشام»، على أساس أنه في ظل ضرورة قيام حوار لبناني ـــــ لبناني لا ينبغي إغفال ضرورة قيام حوار لبناني ـــــ سوري أيضاً، وهو ما كانت الدبلوماسية الفرنسية مقتنعة به «لولا الممانعة الشيراكية». وفي هذا السياق يذّكر البعض بأن الدبلوماسية الفرنسية لم تتوقف عن الإشارة إلى «أن التواصل قائم مع دمشق عبر سفارة فرنسا». ولا يتردد بعض المراقبين في وصف ما يحدث اليوم بأنه نتيجة «تواطؤ فرنسي ـــــ إيراني مترابط بتواطؤ فرنسي ـــــ عربي» مع الإشارة الى أن الخطوات التالية يجب أن تأتي من دمشق. فقد أكدت أندرياني أمس أن «على كل دول المنطقة أن تفهم ضرورة رؤية نهاية الأزمة المؤسساتية في لبنان» وعندما سئلت عما إذا كان بإمكان دمشق المساهمة بحل الأزمة أجابت «الجميع سيربح من هذا الأمر وخاصة سوريا، وهذا هو معنى تحرك كوسران».
ويتفاءل مراقب مطّلع بإمكان «تطريز مبادرة كوشنير على كانفا عربية ـــــ إيرانية ظاهرة تتضمن خيوطاً سورية مخفيّة، لكن لازمة للحبكة». ويضيف إن «الأمر ينتظر مباركة أميركية». وترى مصادر دبلوماسية أنه بعد «تمريني سان كلو ودمشق»، فإن التمرين الثالث هو «تمرين واشنطن». وتصف موقف واشنطن من المبادرة الفرنسية بأنه «مترقّب بانتظار ما يحصل عليه كوسران في دمشق»، فإذا نجحت مهمته تكون أمام واشنطن طريق من اثنتين: إما تفجير المبادرة، أو استعمالها في آفاق أخرى مثل العراق أو فلسطين في محاولة للاستفادة من «زخم الإيجابية التي يمكن أن تحملها حلحلة الوضع اللبناني»، مما يعيد تأكيد تقاسم الأدوار الذي تحدثت عنه مصادر إعلامية كثيرة بحيث تتسلّم فرنسا الملف اللبناني بشقه السوري وتتسلّم واشنطن الملف الإيراني بشقه العراقي.