أنطوان سعد
كان لافتاً في الأيام الأخيرة أن ينفرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، والمقربون منه، في التحذير من وجود محادثات تحت الطاولة حول تسوية جديدة، على قاعدة المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين. ولكن كان مستغرباً ألّا ينفي «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وحلفاؤهما المسيحيون، هذه المعلومات، وألّا يأخذوا موقفاً واضحاً منها.
إذ بدا للوهلة الأولى أن الموقف الجنبلاطي التصعيدي من هذه القضية يرمي إلى تخفيف الضغط عن حلفائه المسيحيين المربكين جراء ما جاء في البيان الأخير للمطارنة الموارنة، عبر فتح سجال يربك الأطراف المسيحية المعارضة. غير أن عدم إبداء تيار «المستقبل» أي مساندة، وعدم ملاقاته حليفه الاشتراكي في تأكيد المعلومات عن مفاتحة إيران السعودية في مسألة المثالثة، يدفع إما إلى التوجّس مما يجري بين الرياض وطهران بعيداً عن لبنان واللبنانيين، أو إلى التشكيك في صحة معلومات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. كما أن استمرار صمت «حزب الله»، لجهة عدم نفي المعلومات وعدم تأكيد مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، يرجّح الاحتمال الأول ويضع نقاط استفهام على ما يدور في الكواليس ونيات جميع الأطراف المعنية بالمسألة اللبنانية، وعلى موقف القيادات المسيحية المتحالفة مع المعارضة والموالاة على السواء.
وقد تلقّفت أوساط مسيحية محايدة هذه الأجواء بكثير من القلق، وهي كانت قد أعربت مراراً عن خشيتها من عودة «التحالف الرباعي»، بسبب انسداد الأفق أمام مساعي الحل. إذ كان من الواضح بالنسبة إليها أن استمرار الوضع المتأزم يعني حصول أحد أمرين: إما الانفجار المذهبي بين السنة والشيعة، وهذا أمر مرفوض بشكل مطلق، وإما تحقيق اتفاق بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، من دون أن يخسر أحدهما أمام الآخر على مستوى النفوذ والقدرة على التأثير في مجريات الحياة السياسية والقرار الرسمي والحصص في البرلمان ومجلس الوزراء والإدارة العامة، وهذا يعني حصراً عودة «التحالف الرباعي»، واستمراره على حساب المسيحيين، لأن التنازع الآن بين الموالاة والمعارضة في قضية حكومة الاتحاد الوطني هو على المقاعد المسيحية.
فالأمر مبتوت بالنسبة إلى مقاعد السنة والشيعة والدروز، وهي ستسند، من دون أي إشكالية أو تساؤل، تباعاً، إلى تيار «المستقبل» وتحالف «أمل» ــ «حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي. أمّا الخلاف الدائر فهو على توزيع المقاعد المسيحية بين القوى ذات التمثيل المسيحي في ظل إصرار «المستقبل» والاشتراكي على الاحتفاظ بحصتيهما كاملتين من هذه المقاعد، وعلى إعطاء «التيار الوطني الحر» حصة من الوزراء الذين سيزادون على تشكيلة الأربعة والعشرين، ومن الحصة التي أعطيت لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود عندما اُلفت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في نهاية ربيع 2005.
في زمن الهيمنة السورية، أعطي تبرير لمسألة حرمان المسيحيين حقهم في التمثيل الصحيح في المؤسسات الدستورية والإدارية بأنّ عددهم أصبح ضئيلاً جداً ولم يعد يحقّ لهم بالمناصفة. لذلك عليهم القبول بمبدأ الحفاظ على المناصفة الرقمية، في مقابل التخلي عن المناصفة في نوعية تمثيلهم للقوى المتحالفة مع سوريا. وقيل الكثير في ذلك الحين عن تراجع نسبة المسيحيين اللبنانيين إلى 17 في المئة، وإنهم على طريق الاضمحلال السريع. وقد تبين بعد انسحاب سوريا ورفع الهيمنة السياسية والأمنية عن البلاد أن كل ذلك غير صحيح. فعلى رغم مرسوم التجنيس، وسنوات الاضطهاد والاعتقال والتهجير والنفي، يؤكد الباحث يوسف الدويهي أن نسبة المسيحيين في لبنان هي 34.96 في المئة، وإذا ألغي مرسوم التجنيس تصبح 37 في المئة على أقل تقدير. أمّا النسبة على لوائح الشطب فهي أفضل، إذ تبلغ الآن 40.2 في المئة، فيما كانت هذه النسبة عام 1992 نحو 45 في المئة. ومع عودة الاستقرار والأمن وتحقيق الوفاق السياسي بين اللبنانيين، ستعود نسبة المسيحيين اللبنانيين إلى الارتفاع، لتتجاوز بكثير الثلث الذي يسيل لعاب بعض الأطراف على جزء من التمثيل المسيحي.
إبّان الاستحقاق الرئاسي سنة 1988، أي قبل تعديل الدستور في ضوء وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، كانت سوريا والجهات المتحالفة معها في لبنان تسأل كل مرشح عن استعداداته لإجراء إصلاحات دستورية لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية إذا وافقت على وصوله. وقيل في حينه إن بعض المرشحين كان على استعداد لتقديم تعهد خطي في هذا الاتجاه. فهل يكون القبول بالمثالثة من شروط الاستحقاق الرئاسي المقبل؟