نهر البارد ــ نزيه الصديق البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد

أعمــــال الإغاثــــة في البــــدّاوي تراجعــــت وشكــــاوى النازحيــــن تتـصاعــــد

أكثر من تطور أمني وسياسي طرأ أمس بشكل بارز للغاية في مخيم نهر البارد، بعد مرور شهرين بالتمام والكمال على اندلاع الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة فتح الإسلام، وسط مؤشرات تدل على أن المعركة العسكرية شارفت على الانتهاء، حسب ما أوضح مصدر عسكري لـ«الأخبار».
فعلى الصعيد الميداني، أحرز الجيش تقدماً واسعاً في اتجاه حي سعسع، وتوغل من ناحية المدخل الجنوبي عبر الطريق الرئيسي وسط الحي، وصولاً الى مقر التنظيم الواقع في منتصف الطريق، حيث كانت قيادة الحركة تتخذ منه مركزاً رئيسياً لها.
وتحدثت معلومات عن حصول اشتباكات وإطلاق للنار عن قرب، بعدما تمكّن الجيش اللبناني من السيطرة على أجزاء أخرى من المخيم، حيث يسعى لحصار مسلحي الحركة في رقعة صغيرة من أجل دفعهم الى الاستسلام، بعدما ضاقت دائرة الاشتباكات وتوقفت بشكل شبه كامل عند جنوب المخيم وشرقه. وبينما تركز قصف الجيش على غرب المخيم وبعض الأطراف الشمالية، حيث لا تزال سحب الدخان والغبار ترتفع في سمائه، تُسمع عند المدخل الشمالي أصوات اشتباكات عنيفة تدور بين الجيش اللبناني والمسلحين، وكذلك في بعض النقاط غربه.
هذه المعلومات تتقاطع مع ما قاله الجيش اللبناني من أن السيطرة الاستراتيجية على أكثر من نقطة داخل المخيم القديم، وخاصة على تلة صفوري منذ يومين، قد مكّنته من تضييق دائرة الخناق على مسلحي فتح الإسلام الذين قال المصدر عسكري «إنهم باتوا يتحركون في دائرة ضيقة، وإن القتال يدور في دائرة لا تتجاوز 200 متر مربع، مع حصول قتال مباشر يدور من مبنى الى آخر، وخصوصاً أن الجيش أصبح يشرف على كل منطقة المخيم القديم، وأن هناك تقدماً مطّرداً له على أكثر من نقطة داخل سعسع، وهذا ما يرجح احتمال أن يكون القتال المباشر يحصل باستمرار».
لكن هذه المعطيات لم تمنع المسلحين من استمرارهم في إطلاق الصواريخ والقذائف من داخل المخيم في اتجاه أكثر من منطقة مجاورة، والتسبب بإلحاق أضرار كبيرة بمعمل لاستخراج السكر في العبدة، إضافة الى سقوط عدد آخر منها على بلدات تل سبعل وقعبرين وبيت حدارة في عكار، وعلى أوتوستراد المنية ـــــ العبدة الدولي، ودير عمار وكرم الأخرس في خراج بلدة برج اليهودية المجاورة، الأمر الذي يشير إلى أنه على رغم تقدم الجيش، فإن ذلك لم يمنع المسلحين من استمرارهم في إطلاق الصواريخ التي تُشاهد وهي تُطلق من داخل المخيم.
من جهة أخرى، أكد مصدر في رابطة علماء فلسطين «رغبة عائلات مسلحي فتح الإسلام في الخروج من المخيم، وخاصة أن هناك أطفالاً ورضّعاً، ولكن يبدو أن هذه المحاولات أفشلها المسلحون، على رغم أن الجيش اللبناني ناشد المسلحين ضرورة أن يسمحوا للعائلات والنساء والأطفال بأن يتركوا المخيم حفاظاً على أمنهم وسلامتهم»، لافتاً الى أن «سيارات الهلال الأحمر الفلسطيني دخلت أكثر من مرة في اليومين الأخيرين في محاولة لإجلاء هذه العائلات، لكنها لم تفلح في ذلك، بسبب تعنّت المسلحين حيال هذا الموضوع».
في المقابل، برزت أمس إطلالة المتحدث الإعلامي باسم الحركة أبو سليم طه عبر قناة الجزيرة القطرية، الذي اختفى عن الأنظار منذ أواخر الشهر الماضي تقريباً، ليشير الى أنه «لا مانع من العودة الى المسار السياسي لإيجاد حل لقضية مخيم نهر البارد، وأن الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر، وليست في ملعب الجيش اللبناني، بل في ملعب من يقف خلفه، ومن ورّطه في هذه الأزمة»، لافتاً إلى أن الأمور كانت قد وصلت في السابق «الى حل، واتفقنا على كثير من النقاط والشروط، ولكن في لحظة قام هؤلاء بنسف كل ما حصل، ولكن الآن لا مانع من أن تعود المفاوضات حول الحل السياسي الى أرض الواقع مرة أخرى».
ومع أن أبو سليم طه نفى أن تكون الحركة «تتخذ ممّا بقي من المدنيين رهائن عندها داخل المخيم»، فإنه أشار الى أن «بعض أبناء المخيم الذين بقوا داخله، يقاتلون الى جانب عناصر الحركة، ويحملون السلاح، ويقفون في صفنا جنباً الى جنب يقاتلون الجيش اللبناني».
وأثار ظهور طه الأخير استغراب عدد من المسؤولين الفلسطينيين الذين نزحوا أخيراً من مخيم نهر البارد، وأفاد أحدهم «الأخبار» بأن لديه «معلومات مؤكدة عن أن أبو سليم طه خرج من المخيم منذ أكثر من 25 يوماً، معززاً مكرّماً، وأن اتصاله أمس بالجزيرة لم يكن من داخل المخيم، بل من خارجه، وربما من خارج لبنان»، مشيراً بالمقابل الى أن «جثة الرجل الثاني في الحركة شهاب قدور «أبو هريرة» شوهدت ملقاة في أحد مساجد المخيم، ولكن فضّل الجميع عدم الحديث عن ذلك، فيما انقطعت أخبار مسؤول الحركة شاكر العبسي منذ وقت طويل».
على صعيد آخر، نعى الجيش أمس ثلاثة من عناصره هم: المعاون أول الشهيد جعفر إسماعيل معاوية من بلدة حوش تلصفيه ـــــ بعلبك، العريف الشهيد مصطفى حسين ملص من المنية، العريف الشهيد علي أحمد شمص من بلدة بوداي ـــــ بعلبك. وتمكّن الجيش من سحب أربع جثث لجنود استشهدوا نتيجة انهيار مبنى متداع عليهم داخل المخيم منذ يومين، فيما استهدف الجيش أربعة قنّاصين يوم أمس، أضيفوا إلى وجود 74 جثة للمسلحين في مستشفى طرابلس الحكومي يجري التعرف عليهم، عدا عشرات جثث المسلحين الموجودة تحت أنقاض المخيم، التي لم تُحصَ أو يُتعرف عليها ولم تُسحب بسبب استمرار المعارك.
وفي مخيم البداوي، يعيش نازحو مخيّم نهر البارد القاطنون بأكثريتهم داخل المخيم، إضافة إلى انتشار بعضهم في مناطق المنية والبدّاوي وطرابلس، بين حجري الرحى، وبدأت تداعيات النّزوح من مصاعب ومتاعب ومشاكل تظهر بشكل علني وواضح عليهم، وخصوصاً من النواحي الإنسانية والمعيشية والاجتماعية والصحّية، التي نتجت من الاكتظاظ السكّاني وتكدّس النّازحين داخل الشقق والبيوت بشكل كبير، والتي تواكبت مع تراجع حركة المساعدات وحملات الإغاثة، الأمر الذي ينذر بانعكاسات سلبية على غير صعيد.
ولعلّ أهم تطوّر برز في هذا المجال، هو توقّف تزويد النّازحين بربطات الخبز منذ نحو أسبوع، حيث كان يُوزّع في السابق ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف ربطة خبز يومياً على النّازحين والمقيمين في مخيّم البدّاوي، بسبب انتهاء المدّة الزمنية للمشروع الإغاثي للجهات والمؤسسات اللبنانية والعربية والدولية الكثيرة، حسب ما أفاد ناشطون ومتطوعون فلسطينيون ولبنانيون مهتمون ومتابعون لأعمال الإغاثة في مخيّم البدّاوي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، لا بل إنّ عملية توزيع الخضر والفواكه على النّازحين توقفت بدورها، من غير إعطاء تفسير أو تبرير منطقي لهذا التوقف، على الرّغم من أنّ هيئات إغاثية عدّة تابعة لدول الاتحاد الأوروبي كانت تتكفّل هذا الموضوع، على اعتبار أنّ الكمّيات الموزّعة من هذه المساعدات تشكل الأساس المعيشي والغذائي لأيّ أسرة، وخصوصاً مع ارتفاع عدد أفراد الأسر الفلسطينية بالإجمال.
ومع أنّ توقف توزيع الخضر والفواكه على النّازحين أحدث هزة معنوية سلبية كبيرة في أوساطهم، لأنّ العمليات العسكرية في مخيّم نهر البارد لم تنتهِ بعد، والنّازحون لا يزالون خارج بيوتهم، فإنّ توقف توزيع عبوات حليب الأطفال، والحفاضات، والتقتير في توزيع الأدوية على المرضى، وتحديداً أولئك الذين يعانون أمراضاً مزمنة ومستعصية، أحدثا إرباكاً كبيراً لدى النّازحين الذين لم يملكوا إلا ترداد عبارة «الفقير ما إلو إلا الله»، على حدّ قول أبو محمّد سليم، الرجل الستيني الذي نزح إلى مخيّم البدّاوي مع أفراد عائلته في الأيام الأولى من اندلاع المعارك.
وفيما تشهد أماكن توزيع المساعدات تراجعاً ملحوظاً في إقبال النّاس عليها نظراً إلى تراجع توزيع المساعدات، وهو ما دفع إحدى النّساء النّازحات إلى الصراخ في وجه عامل في أحد المراكز: «إذا ما عندكن مساعدات لشو فاتحين المركز، شو بدنا نتفرج عليكن»، لا تزال مراكز مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في مخيّم البدّاوي تشهد حركة ونشاطاً معقولين، وخصوصاً لجهة تقديم المساعدات إلى ذوي الحاجات الخاصة، وإقامة حفلات ونشاطات ترفيهية للأطفال والنساء، وتنظيم حلقات للتوعية الاجتماعية، وتوثيق الترابط الأسري، والاهتمام بالنظافة الشخصية والعامة، وإيلاء الشباب العمل التطوعي والخيري جانباً من اهتمامهم، وخاصة في هذه المرحلة، بانتظار العودة إلى مخيّم نهر البارد حيث العمل التطوعي يستلزم مزيداً من الجهد والعمل والمثابرة.