في بلدة عيناتا، وقعت مواجهة هي الأعنف، عندما نصب مقاومون كميناً لوحدة مشاة من جيش العدو كانت تتقدّم باتّجاه إحكام السيطرة على طريق التفافية. كان المقاومون ينتشرون خلف سور أحد المنازل لا يرتفع أكثر من متر واحد. وفي لحظة العمل، أبلغ قائد مجموعات المقاومة مسؤوله بأنّه بات جاهزاً للعمل. فأعطي الإذن ببدء الهجوم. وخلال دقائق كان الحقل المزروع بشجر الزيتون يشهد أعنف مواجهة مباشرة. لم يعرف الإسرائيليون من أين يأتيهم الرصاص.لكن قائد المجموعة المقاومة كان على اتصال دائم مع قيادته. كان صوته واضحاً ومميزاً عن أصوات الرصاص وهو يعطي الأوامر للمقاتلين: لا أريد إطلاقاً عشوائياً للنار. يا حبيبي يا عيني، رصاصة واحدة في الراس. لا تتركوا منهم أي مخبِّر. ثم يبدأ بالتعداد. لقد قتل اثنان والآن الثالث. ثم هو الرابع. وظل يعد حتى بلغ عدد جنود العدو ثمانية. وفجأة لم يعد صوته واضحاً. كان صراخ الجنود الإسرائيليين يقوى. ثم بدأت القذائف تسقط على المقاومين. كانت طائرات الرصد الإسرائيلية المجهزة بصواريخ دقيقة، تصيبهم واحداً تلو الآخر. ومن ثم توقف صوت المقاوم.
لدقائق طويلة كان مقاومون في غرفة العمليات وعلى الأرض، وكذلك ضباط قيادة جيش العدو، يتابعون المعركة عبر الاتصالات. يقول قائد المقاومة في المنطقة: كنت أستمع إلى ما يحصل، وعندما أسمع عن شهداء يسقطون أقول: ليرحلوا بأمن الله. لكنني كنت أشعر بأن ضباط العدو لا يخسرون في تلك اللحظة من يسقط منهم فحسب، بل كل ما بقي لدى جنودهم من معنويات.
سائق الجرافة
قرب رشاف، كانت جرافة للجيش الإسرائيلي تقترب ممهدة الطريق لقوة مشاة، أو لدبابات تريد التقدم عبر طرق جديدة لتجنب الألغام الكبيرة. وكالعادة كان هناك من ينتظرها. صاروخ واحد أصابها وأتى عليها بالكامل. فرّ الإسرائيليون بعيداً، تقدم المقاومون وأخذوا أغراضاً بينها هاتف خلوي لسائق الجرافة.
مضى وقت قبل أن يفتح أحد المقاومين الهاتف واختار رقماً واتصل. فجأة سمع على الخط الآخر صراخاً بالعبرية. كانت امرأة يعتقد أنها زوجة الجندي القتيل بانتظار اتصال منه. سمع المقاوم هتافاً كبيراً على الخط... ارتبك قليلاً ثم أقفل
الخط.
قبل ذلك كان مقاوم آخر قد أخذ هاتفاً خلوياً لجندي آخر كان يسعى إلى الاحتفاظ بجثّته. وعندما أتيح له الوقت، صار يتصل بأرقام كانت موجودة عليه، ويقول لمن يسمعه: نحن حزب الله وصلنا الآن إلى نهاريا وسوف نتقدم الآن باتجاهكم، أخلوا منازلكم... ثم يقفل الخط ويقلب على ظهره من الضحك.
وفي مارون الراس، قال الإسرائيليون إنهم عثروا على غرفة للتنصت على الجيش وعلى هواتف الإسرائيليين. كان في اللوائح أسماء لضباط من الجيش وأرقام هواتفهم. وقبل خروجهم من البلدة، عمد الجنود إلى تفجير هذه الغرفة وإلى تفجير «محمية»، وهو الاسم الذي يطلق على غرف محصنة ومجهزة تحت الأرض، كان المقاومون يلجأون إليها ويبقون فيها لمدة من الوقت قبل أن ينطلقوا منها في عمليات إغارة على جنود العدو حيث ينتشرون.