الانسحاب من لبنان لم يحوّل نصر الله إلى «العربي الأول الذي هزم إسرائيل» فقط، بل أيضاً إلى شماعة علق عليها سياسيون وعسكريون كل شر ممكن؛ فهو الذي ألهب حماسة الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، وسبب اندلاع الانتفاضة؛ وهو الذي تحكم من دون قيود ببشار الأسد الضعيف، ولم يبلور الواقع في لبنان فحسب، بل سياسة سوريا أيضاً؛ وهو الذي جلب الثورة الإيرانية المهددة إلى الحدود مع إسرائيل، القوة الظلامية التي تهدد بجرف المنطقة بموجة ضخمة من الكراهية.إن الإهانة الأكبر التي لحقت بالزعماء الإسرائيليين، تمثلت في أن مواطني إسرائيل يرون في الرجل صاحب العمامة السوداء، شخصاً صادقاً، وكفوءاً أكثر من زعمائهم... لقد كان نصر الله الشبح الأسود من الكوابيس، من دون أي صلة بالقوة الحقيقية للتنظيم الذي يرأسه.
أسلوبه الهادئ في الحديث، صدقيته الميتولوجية على خلفية فقدان الثقة بالقيادة الإسرائيلية، استعداده للسير حتى النهاية من أجل صدقيته، بما في ذلك رفضه إجراء مفاوضات لاستعادة جثة نجله الذي قُتل في معركة مع مقاتلي إيغوز، كل هذه الأمور جعلت من رجل الدين البالغ من العمر 46 عاماً، أميناً عاماً لتنظيم إرهابي طوال 14 عاماً، وعدوّاً مكروهاً لكن يحظى بالتقدير بذات القدر تقريباً.
عرف نصر الله كيف يلامس بمهارة المخاوف الأكثر عمقاً لدى الإسرائيليين. فخطاب «خيوط العنكبوت» الذي ألقاه في بنت جبيل بعد الانسحاب من لبنان، أكد في نظر كثيرين في إسرائيل مخاوفهم الأكثر مرارة إزاء أنفسهم: لقد تحولنا فعلاً إلى ضعفاء، نحب الحياة وغير قادرين على التصدي للواقع الوحشي في الشرق الأوسط، بينما نختفي خلف قوة تكنولوجية من أجل تغطية عدم الاستعداد للقتال والموت.
الأحاديث العلنية لكل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وكذلك لكبار الضباط في مداولات مغلقة خلال الأيام الأولى للحرب، أثبتت فقط إلى أي حد سيطرت الخشية من أن نصر الله يعبّر بالفعل عن مدى الحقيقة العميقة والمظلمة بالنسبة إلى الروح الإسرائيلية إزاء أصحاب القرار.
من الصعب معرفة إذا ما كان نصر الله أدرك فعلاً روح الإسرائيليين، لكن لا شك في أنه عرف كيف يهين زعماء الإسرائيليين. ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد عملية الأسر، أوصى نصر الله أولمرت وبيرتس «الجديدين في منصبيهما» بأن يتعلّما من تجربة القدامى والأكثر خبرة منهما، باراك وشارون، اللذين فضلاً عدم الدخول في مواجهة مع حزب الله... أولمرت وبيرتس شعرا حتما بأن نصر الله لا يعبِّر فقط عن رأيه الشخصي، بل أيضاً عن رأي كثيرين من مواطني إسرائيل.
(من كتاب «أسرى في لبنان» لعوفر شيلاح)