البقاع ــ نيبال الحايك
لا يمكن للمتجوّل في هذه الأيام على طول مجرى نهر الليطاني من منبعه الى مصبّه في القرعون، إلا أن يلاحظ ويتأكد مما يمكن أن يطلق عليه «بح ليطاني».
فهذا النهر الذي ارتبط في وجدان كل اللبنانيين على أنه «أبو الأنهار اللبنانية» تحول إلى «مجرور» في الهواء الطلق، ولا ضير في تسمية هذا النهر بـ«نهر المجارير»، التي تتدفق إليه من القرى والبلدات الواقعة على ضفتيه، من منبعه إلى مشارف بحيرة القرعون التي هي اليوم في أدنى منسوب لها.
فخلال الجولة الميدانية، هناك بقايا مجرى لنهر الليطاني من منبعه إلى حدود منطقة تل عمارة، ومن تل عمارة إلى مصب نهر البردوني في الليطاني في سهل زحلة لا وجود لما يسمى ليطاني، وإنما قناة مليئة بالقذارة والنفايات وجيف الحيوانات. ومن سهل زحلة إلى الحدود الجنوبية لبلدة المرج (البقاع الغربي)، حيث يُلحظ تدفق بطيء جداً لبقايا مياه من نهر البردوني الذي تراجع منسوبه في الفترة الأخيرة نتيجة تدني المتساقطات وشبه الجفاف في الحوض الجوفي. ومن التقاء نهر الغزيّل بنهر الليطاني في سهل المرج الروضة، تنشط حركة جريان النهر جرّاء تدفق مياه الغزيّل الغزيرة التي تنبع من عدة أمكنة في عنجر، ولكن هذا التدفق النشط نوعاً ما، هو عبارة عن كميات كبيرة من المياه الآسنة، ولكن جريان هذه المياه سرعان ما «يختفي»، قبل دخول مجرى الليطاني في خراج جب جنين، حيث تظهر بوضوح المياه الآسنة والصرف الصحي التي تعتبر المياه الوحيدة الجارية في النهر قبل وصوله الى بحيرة القرعون التي تحولت إلى أكبر تجمع مياه ملوّثة.
ونهر الليطاني الذي لم يعد موجوداً إلا في قواميس المياه والأنهار اللبنانية الرسمية، خضع لعشرات الدراسات والأبحاث التي لم تعط أو تصل إلى نتيجة تنقذ هذه النهر العظيم الذي كان «يتغذى» من عدة أنهار وينابيع هي اليوم أيضاً غير موجودة فعلياً. فروافد النهر من الشمال الى الجنوب كانت ينابيع العليّق الواقعة إلى الغرب من مدينة بعلبك، وهي اليوم لم تعد موجودة، ولا يتلقى إلا المياه على ضفته اليمنى من نهر البردوني، فيما نهرا شتورا وقب الياس ونبع سعدنايل غابت عن رفد النهر بالمياه. أما ينابيع عمّيق والخريزات ومشغرة فهي في أدنى منسوب لها ولم تعد تعطي النهر المياه المطلوبة أو التي تعيش في الذاكرة.
أما روافد النهر من الضفة اليسرى، فنهر يحفوفا لم يعد موجوداً، وبقي نهر الغزيّل هو الرافد الوحيد تقريباً (مع البردوني) لأبي الأنهار اللبنانية الذي كانت تبلغ مساحة حوضه 2168 كيلومتراً مربعاً، ثمانون بالمئة منها كانت في سهل البقاع هي بالتأكيد لم تعد موجودة على الأرض. فالنهر أصبح «نهيراً» أو ساقية تجري فيها مياه الأمطار شتاءً و«المجارير» صيفاً.
تلوّث نهر الليطاني ليس بالأمر الجديد أو الطارئ، فالتلوث يبدو أنه من قِدم النهر، ومعالجة أزمة تلوث مياه النهر هي مطلب بقاعي منذ عقود. فقد نشرت جريدة «صوت الشعب» في عددها الأول الصادر في تاريخ 15 أيار 1937 (الصفحة 4) لائحة بمطالب بقاعية قدّمها وفد الى وزير الداخلية، وفي بندها السادس مطلب جر مياه الشفة إلى القرى التي تشرب من مياه نهر الليطاني الملوّثة والقذرة، والسعي إلى تنفيذ مشروع ريّ الأراضي.