جديتا ــ سيرين قوبا
اشتهرت بلدة جديتا البقاعية بكونها مركز اصطياف مهماً، ويعود هذا إلى الموقع الجغرافي الوسطي والممتاز الذي تحتلّه في المنطقة، وإلى مناخها المعتدل وهوائها الجاف، ما حوّلها الى «مصحّ» طبيعي لبعض الأمراض الصدرية والعصبية، وإلى خطوط المواصلات التي اخترقت أراضيها إذ أصبح لكل خط من هذه الخطوط عهده الذهبي ومرحلته المتميزة في سياق تطور المنطقة المحيطة بالبلدة، كخط «الدليجانس» (عربات الخيل) بين بيروت ودمشق الذي أُنشئ في بداية الستينيات من القرن التاسع عشر، وخط سكة الحديد: بيروت ـــــ رياق ـــــ دمشق، ورياق ـــــ حمص الذي أُنشئ سنة 1895 (كان مشهداً في فيلم سفربرلك للسيدة فيروز)، وأعطت هذه الخطوط خاصية معينة وشهرة مهمة إلى جديتا نظراً إلى سهولة التواصل معها، ما جعلها مركز الاصطياف الأول في البقاع.
تربض جديتا عند أقدام جبل الكنيسة من الجهة الشرقية وترتفع عن سطح البحر ألف متر وتتبع قضاء زحلة، وتبعد عن مركز القضاء 10 كلم وعن العاصمة بيروت 44 كلم، ويبلغ عدد سكانها عشرة آلاف نسمة. يمكن الوصول إليها من بيروت عبر مدخل جديتا الغربي (مكسة)، ومن شتورة عبر مدخل جديتا الشرقي (الطريق الدولية).
وموقع جديتا «الاستراتيجي» دفع بالكثيرين من مناطق لبنانية ومن خارج الوطن للمجيء إلى المنطقة بهدف توظيف الأموال أو السكن أو العمل فيها، وهكذا نشأ تجمع مدني وتجاري هو الأكثر تطوراً في البقاع كله، وسيكون لاحقاً لمشروع الأوتوستراد العربي في أراضيها «ميزة» تعطي جديتا أهمية جديدة.
بدأت جديتا أخيراً، وخلال العقد الماضي، تشهد «انفجاراً» عمرانياً واقتصادياً وتجارياً وخدماتياً، ولا سيما في الموقع الذي عرف في ما بعد بشتورا والذي يجمع حالياً نحو 52 من المحال التجارية، وخاصة على الطريق الدولية، وفنادق ومطاعم ومقاهي عريقة وعصرية وعشرة فروع لأهم المصارف اللبنانية. وإضافة الى شهرة الاصطياف في جديتا بدأت البلدة تكتسب شهرة جديدة بجودة صناعة الألبان والأجبان وصناعة العرق والخمور. فهي تحتوي على 11 مزرعة أبقار وأغنام وماعز ودواجن.
وجديتا أيضاً «نبع» مياه البقاع الأوسط، فهي تختزن «ثروة» مائية تزود أجزاء من زحلة وعشرات القرى بمياه الشفة. ولكن البلدة تحنّ اليوم إلى «عيونها» الخمس، ولا سيما الى أيام «عين» الساحة التي تقع في وسط البلدة وتمر في وسط السوق القديمة، إذ كانت تتجمع حولها عدة مقاه منذ سنة 1953 حتى 1975 حيث عايشت زمناً من السهر والطرب واللقاءات بين عمالقة الفن اللبناني، أمثال وديع الصافي وسميرة توفيق، وجمعت على مآدبها أهم السياسيين.
مقاهي جديتا التي يتذكرها الأهالي أقفلت مع بدء الأحداث اللبنانية وبقي مجرى نهر العين إلى أن أُجريت أول انتخابات بلدية عام 1998 فأُطيحت معالم هذه الساحة المشهورة وجُرف النهر ورُدمت العين وطُمرت بالحجر الأسود، من دون الحفاظ على أهم معلم من معالم تراث هذه البلدة.
وجديتا التي تراجعت فيها حركة الاصطياف منذ بدء الحرب الأهلية حتى يومنا هذا، تعمل مراجعها اليوم على إعادة «إحياء» فكرة تنشيط «الاصطياف» لما في ذلك من تنشيط لاقتصاديات البلدة والجوار. ويقول رئيس البلدية وهيب قيقانو إن هنالك سلسلة أفكار ومشاريع تهدف الى تنشيط حركة الاصطياف والسياحة الداخلية وإعادة جديتا الى «خريطة» الاصطياف اللبناني والعربي، وسنعمل على تنظيم مهرجانات سياحية وترفيهية لتبقى جديتا «لؤلؤة البقاع».
ويقول الدكتور جوزف خزاقة إن تاريخ جديتا قديم، تشهد عليه منحوتات المغاور والنواويس الحجرية وبعض الآثار المنتشرة فيها، فهي كانت الى الأمس القريب قرية صغيرة يتركّز سكنها ضمن بقعة من بيوت متلاصقة لا يزال قسم منها ظاهراً في حالته القديمة في الحي القديم المعروف بحي الرويسة الذي يضم أقدم تجمّع سكني في تاريخ البلدة الحديث والقديم. وعلى رغم تحديث الأبنية فيه ما زالت طرقه ضيقة وعبارة عن زواريب لا تصلح في غالبيتها إلا للمشاة.