عصام نعمة إسماعيل *
إذا كانت السرعة مطلوبة في فصل الأحكام، فإن السرعة المفرطة غير مستحبة أبداً، وإذا كان حسن سير العدالة يوجب فصل الدعاوى المتراكمة منذ سنوات طويلة جداً في أدراج مجلس شورى الدولة، يكون مستهجناً مع هذا البطء في التقاضي، أن يصدر مجلس شورى الدولة حكمه في قضية الطعن بمرسوم دعوة الهيئات الناخبة في أقل من شهر وهي قضية ذات حساسية مفرطة.
لقد أراد مجلس شورى الدولة أن ينأى بنفسه عن نزاع له صبغة سياسية، مفضِّلاً رمي الكرة في ملعب المجلس الدستوري (غير الموجود)، فلم يعلن أن المرسوم هو مشروع أو غير مشروع مع ما يترتب على ذلك من نتائج على صعيد النزاع السياسي بين الفرقاء اللبنانيين، فلم يشأ أن يظهر بحكمه داعماً لوجهة نظر طرف سياسي بمواجهة الطرف الآخر، وإنما ردَّ الدعوى لعدم الصلاحية نائياً بنفسه عن الدخول في صراع شديد الاحتدام. هذا الموقف الحيادي لمجلس شورى الدولة في قضايا ذات صبغة سياسية ليس المرة الأولى التي يعتمده فيها وكان سابقاً قد اتخذ الموقف ذاته، وذلك في الطعن الموجه ضد مرسوم التجنيس، فلا أبطل المرسوم ولا أعلن مشروعيته، وإنما استخدم حيثيات فضفاضة ليقنع الرأي العام بأن صلاحية البت في صحة تجنس كل متجنس بالجنسية اللبنانية إنما هي من اختصاص وزارة الداخلية (م.ش. قرار رقم 484 تاريخ: 7/5/2003 الرابطة المارونية/ الدولة، مجلة العدل العدد2 و3 لعام 2003 ص41). واليوم وبالمنطق ذاته وبعد تعليلٍ مستفيض وعرضٍ للآراء الفقهية والاجتهادية المتضاربة وغير المستقرة، كوّن قناعةً بأن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إنما يدخل في اختصاص المجلس الدستوري، ونحيل إلى مواقف الاجتهاد والفقه الحديثة التي تحدثت عن توزيع الاختصاص بين القضاء الدستوري والقضاء الإداري في الطعون بالمراسيم التحضيرية للاستفتاءات (Gounin,Y - Le contentieux des actes préparatoires du référendum du 29 mai 2005- AJDA 2005 p1211-.)، والفقه القائل بتقليص نطاق نظرية العمل الحكومي (Elise Carpentier,E - L' acte de gouvernement n'est pas insaisissable- RFDA 2006 p. 661-) وموقف الفقه الحديث من نظرية الأعمال المنفصلة في القضايا الانتخابية (Macera, B F – Les actes détachables dans le droit public Français-).
فما هو مؤكد أن مجلس شورى الدولة ما زالت تنقصه جرأة القاضي الفرنسي، فكلما كان للقضية طابع سياسي تهرّب منها، فمثلاً حين رفعت الحكومة الدعم عن الشمندر السكري، لم ينظر مجلس الشورى في مشروعية هذا القرار وآثاره الاجتماعية والاقتصادية وإنما ردَّ الدعوى لعلة العمل الحكومي (مجلس القضايا ـــــ قرار رقم 776/2003 – 2004 تاريخ 14/7/2004 ـــــ شركة تصنيع الشمندر السكري ش.م.ل./ الدولة ـــــ مجلس الوزراء). هذه الأحكام تذكر الباحث بحكمٍ قديم جداً يعود لأيام الانتداب الفرنسي بيَّن فيه مجلس شورى الدولة اللبناني لماذا لا يتدخل بقرارات ذات طابع سياسي. وترجمته الخشية من تعطيله كما تعطل المجلس الدستوري. ولعلَّ مجلس شورى الدولة اللبناني ما زال متأثراً بجو الرهبة من القضايا السياسية فيحجم عن الفصل فيها. وبعيداً عن رهبة السياسة، كل ما نتمناه أن تكون سرعة الفصل في قضية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة نابعة من نية صريحة للمجلس لبتّ كل الدعاوى العالقة بالسرعة المطلوبة، لا أن يكون الدافع لهذه السرعة أمراً آخر.
*خبير قانوني