أنطوان سعد
يبدي بعض المراجع الدبلوماسية المعتمدة لدى لبنان، وخصوصاً من غير الذين يضطلعون بدور رئيسي في هذه الأيام وينشطون ويتقدمون بمبادرات ــ وهؤلاء بالمناسبة أطراف في النزاع إن لم يكونوا من مكوناته ومن مسبباته الأساسية وعوامل استمراره ــ استغراباً شديداً أمام المراجع الروحية والسياسية الحيادية في لبنان. وهم يتساءلون على وجه الإجمال: «كيف سيتمكن طرفا النزاع من بناء شراكة على مستوى الوطن في المستقبل، بعدما بلغ السجال والخصام والعداء بينهما حد البغض والحقد والكراهية. وهل اللبنانيون مدركون إلى أين هم ذاهبون، وعلى شفير أية هاوية يرقصون؟ وهل تراهم يعرفون في الواقع ما هي مترتبات هذا النزاع في ظرف إقليمي خطير إلى هذا الحد؟».
وتوضح هذه الشخصيات الدبلوماسية التي تقف على الحياد، وإن تكن أقرب قليلاً إلى قوى الرابع عشر من آذار منها إلى الأحزاب والشخصيات التي تتألف منها المعارضة، بأنها بعدما اجتمعت مرات عدة برموز من الطرفين واستمعت إلى وجهات نظرهم وناقشتهم فيها، كونت اقتناعاً راسخاً بأن الهوة التي تفصل بين طرفي النزاع في لبنان ساحقة. وأضافت بأنه بدا لها كأن «اللبنانيين غير متفقين على شيء، والخلافات بينهم هي على مسائل جوهرية تتعلق ببنية النظام اللبناني، ودور لبنان في الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وشكل الدولة في مرحلة ما بعد انسحاب سوريا، وموقع الأحزاب والتيارات السياسية ذات اللون الطائفي في قلب المعادلة، ما يعني استطراداً موقع كل طائفة في قلب المعادلة اللبنانية العامة. ناهيك عن الارتباطات العقائدية بين الأحزاب اللبنانية والقوى الإقليمية المتنازعة والتأثيرات الميتافزيقية الدينية على الخيارات السياسية لكل طرف من هذه الأحزاب أو بعضها».
وعندما يُقال لهذه المراجع إنه سبق للبنان أن مر بمراحل أكثر سخونة ودموية في فترة الحروب التي شهدها لبنان بين عامي 1975 و1990، وإن أكثر الأطراف تخاصماً واقتتالاً في الماضي هي متحالفة اليوم، وبالتالي قد يكون للّبنانيين القدرة على أن يسامحوا بعضهم بعضاً ويبدأوا من جديد، ترد بأن ذلك قد يكون صحيحاً «وهذا سر من أسرار هذا البلد الصغير ومدعاة تعجب واحترام، ولكن في الوقت نفسه هل يُمكن القول إن لبنان ما قبل حرب عام 1975 هو نفسه بعد عام 1990؟ وهل هو نفسه الآن؟ هل النسيج اللبناني الذي كان موجوداً ونوعية الحياة التي كانت سائدة قبل الحرب والوظيفة التي كان لبنان يلعبها في محيطه، والقدرة على التأثير التي كان يتمتع بها هي نفسها في هذا الوقت بالذات؟ وإلى أي حد بإمكان اللبنانيين أن يجازفوا عبر دعم أعمى لزعمائهم دونما نظر إلى ما إذا كانوا يحققون خيرهم وازدهارهم ورغد العيش؟ أكثر ما نستغربه في لبنان هو وقوعه تحت وطأة ديون باهظة ويجري الحديث عن تضاؤل القدرة الشرائية والتضخم وعدم قدرة الشعب اللبناني على العيش بكرامة ولا نرى مع ذلك زعيماً يرفع شعاراً اجتماعياً أو مطلبياً أو اقتصادياً واحداً. أما ما هو أشد استغراباً فهو أن هذا الشعب الفقير لا يزال يدعم هؤلاء الزعماء في شكل غير مشروط على رغم أنهم يعيشون في بحبوحة وينفقون المال دون حساب فيما هو يعيش في فقر مدقع!».
وتنهي هذه المراجع كلامها بالقول: «في لغتنا الدبلوماسية كثيراً ما نستعمل عبارة: يلزمك اثنين لرقصة التانغو، للدلالة على الحاجة إلى موافقة الطرفين لإنجاح مهمة أو توقيع معاهدة أو التوصل إلى تسوية ما. غير أن الوضع اللبناني الحالي الكثير التعقيد والخطورة واللامبالاة أشبه بمثل آخر هو أنك تريد أن تزوج اثنين لا يريدان أن يتزوجا. ذلك أن الانقسام الحالي في لبنان أقرب إلى خطيبين ارتبط أهلهما برباط خطبة ولديهما قبل ولادتهما، لكن هذين الشخصين لا يريدان أن يتزوجا من بعضهما، فيما كل الناس يريدونهما أن يتزوجا، وليس بإمكان أحد الحلول مكان واحد منهما. الزواج يفترض أن يتم برغبة الطرفين، وقد يحصل بموافقة طرف ومعارضة الطرف الآخر الذي قد يقبل في النهاية صاغراً نتيجة ضغوط أو تأثيرات أو مصالح، لكن أن يعارض الطرفان الزواج وأن يلح الجميع عليهما بذلك فهذا هو الأمر المستغرب. أما إذا نجحت مساعي حملهما على الارتباط ببعضهما فيصعب توقع نجاح مثل هذا الزواج أو تصور ديمومته، ولا بد من الاستعداد للخلاف المقبل».