لقاء Archaeology Café لشهر تموز أقيم أول من أمس في مطعم L’Atelier في طريق الشام ـــــ بيروت، وقد نظمته جريدة «الأخبار» تحت عنوان: «علماء الآثار اللبنانيون للأبحاث العلمية أم للتعاقد في العمل؟»، واحتدّ خلاله النقاش.ضيفا اللقاء كانا الدكتورة جنين عبد المسيح ومسؤول التنقيبات الأثرية في المديرية العامة للآثار أسعد سيف، وعرض كل منهما وجهة نظره في الاحتياجات والمقومات الضرورية لنجاح عمل علماء الآثار.
قال سيف إنه «لامس خلال عمله في المديرية ضرورة إنشاء فريق لبناني متخصص في حفريات الآثار الإنقاذية»، لكن من دون الوقوع في فخ الشركات المتخصصة كما هو الحال في بريطانيا مثلاً. وقال سيف أيضاً إنه «لا يمكن أن توضع الآثار في يد شركات خاصة قد تخضع للضغوط السياسية والمادية على حساب الآثار. لذا، أسست المديرية فريقاً متخصصاً، ودرّبت تلامذة جامعات بمساعدة علماء آثار على حفريات الإنقاذ في وسط بيروت، وهم يتولون اليوم مجمل العمل في بيروت، تحت إشراف المديرية». وأكد سيف أن هذه «التجربة» لا تزال في خطواتها الأولى، وهي بالتالي في حاجة مستمرة
للتطوير.
أما الدكتورة عبد المسيح فقد أكدت «أن الإشارات لنجاح طريقة العمل هذه كافية»، لكنها لفتت إلى أن المشكلة تكمن في عدم تأمين غطاء علمي كامل لهذه الحفريات. فإجراء دراسات علمية على المواد المكتشفة في الحفريات ضروري لفهم كل موقع أثري، لكن الميزانية المخصصة لحفريات الإنقاذ لا تكفي لإجراء دراسات علمية معمقة للمواد المكتشفة، بالتالي لا يمكن فهم المواقع الأثرية فهماً صحيحاً واكتشاف العلاقة التي تربط بين المواقع في مختلف المناطق
اللبنانية.
وأشارت عبد المسيح إلى أن «ضغوط العمل تقلل من فرص نجاح الطلاب» في تحصيلهم الأكاديمي، وقد وافقها في هذه النقطة عالم الآثار إبراهيم قوتلي وأكد «ضرورة تطوير قانون الآثار لكي يستوعب المتطلبات الجديدة
للعمل».
وكان لقاء هذا الشهر قد بدأ بزيارة للحفريات الأثرية التي تجري في أرض الجامعة اليسوعية في طريق الشام التي يقوم بها الفريق المختص بحفريات الإنقاذ يعمل تحت إشراف المديرية العامة للآثار. وخلال الجولة تحدث سيف والدكتورة كورين يزبك وعالمة الآثار كريستين مطر عن نتائج الحفريات في مقابر رومانية استعملت فيها عدة طقوس للدفن، وتحدثوا عن اكتشاف أحجار صوان تؤكد أن انسان ما قبل التاريخ سكن منطقة المتحف في بيروت.
وكان لافتاً شغف طلاب الآثار الذين يعملون مع المديرية بعملهم الذي يرونه «رسالة»، فهم يرون أنفسهم عمال إنقاذ للآثار لا علماء آثار محترفين في حفريات الإنقاذ ! وهذا أمر مستغرب جداً، فيتمتع بعضهم بخبرة تزيد على خمس سنوات في إطار الحفريات، ومن المؤكد أن الخبرة العلمية تسهم في نجاح الحفرية، فلماذا إذاً يرى بعض أعضاء هذا الفريق أن الأدوار التي يقومون بها تقل أهمية عن أدوار زملائهم، ولم لا يتمتعون بفرصة عمل خارج إطار هذا الفريق والاختلاط بمدارس أخرى لحفريات الإنقاذ تخولهم الاطلاع على مناهج جديدة، وتجعلهم يكسبون خبرة أوسع في العمل وتكرسهم كأهل اختصاص؟ لكن، لكي يصبح أعضاء هذا الفريق أهل اختصاص، لا بد من أن يكملوا دراساتهم العليا، وهنا تكمن المشكلة الأكبر وهي التمويل: كيف يمكن إيجاد جهات مانحة في لبنان لهذه الاختصاصات؟ وقد حاولت الدكتورة كورين يزبك أن تقترح حلاً، فدعت الشركات الخاصة أو البنوك التي تهتم بالآثار إلى تمويل مثل هذه الدراسات لإنقاذ الآثار، لأن لبنان لا يملك إلا مركز أبحاث واحداً يمول بعض الدراسات العلمية. أما الفكرة الثانية التي طُرحت فتقضي بتأسيس جمعية مختصة بإيجاد التمويلات اللازمة من جهات محلية ودولية لتمويل الدراسات العليا في
الآثار.