strong>عامير رابابورت
  • الإنزال في صور... وبعلبك


  • يسلط محلل الشؤون العسكرية لصحيفة «معاريف»، عامير
    رابابورت، في الحلقة الرابعة من السلسلة التي يكتبها عن الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية خلال عدوان تموز، على عمليات الإنزال الإسرائيلية في صور وبعلبك، من الفكرة حتى التنفيذ، وعدم تحقيق الإنجازات المطلوبة منها


  • رحلة الحمّالات في صور


  • استمر التسلل باتجاه «الحي الهدف» ساعات، بصمتٍ تام. لم يكن في شوارع صور كائن حيّ واحد. انتشر أفراد «الكوماندو» البحري، في مقدمتهم العقيد «أ»، في ثلاث دوائر حول مبنى يتكون من 16 شقة. كان العقيد «ر»، قائداً للوحدة داخل المبنى. تقع الشقة التي أراد الجنود اقتحامها في الطابق الثاني، حيث ألقيت مهمة الاقتحام على طاقم «مجرّب ومتدرب» مرات كثيرة قبل المهمة. كان التوتر كبيراً عندما وقف الجنود خلف الباب.
    الإنزال في مدينة صور، في الرابع من آب، كان واحداً من 24 عملية اقتحام خاصة نفّذها الجيش الإسرائيلي شمالي نهر الليطاني خلال الحرب. كان الهدف المركزي لأفراد «الكوماندو» البحري (شييطت 13) مسؤولاً في حزب الله عن إطلاق الصواريخ الطويلة المدى من لبنان إلى العمق الإسرائيلي. سبق عملية الاقتحام هذه، سقوط صاروخ طويل المدى في مدينة الخضيرة جنوبي حيفا.
    جرى التخطيط لهذه العملية على مدار أسبوع. تلقى أفراد الكوماندو، بالتعاون مع قدماء تجندوا للاحتياط، أوامر لتنفيذ مهمة من أجل التسلل إلى مبنىً مؤلف من أربع طبقات، في قلب الحي السكني المحاذي للحدائق شمالي صور. توقع أفراد الوحدة القبض على المسؤول أو إصابته في إحدى شقق المبنى.
    كان قائد سلاح البحرية الإسرائيلي دودو بن بعشط يراقب من بعيد العملية، التي انضم إليها أيضاً رجال من جهاز الأمن الإسرائيلي العام «شاباك» منذ المراحل الأولى.
    كان قائد الطاقم «ش» أول من دخل الشقة، إلا أنه تعرض لإطلاق نار وأصيب بجروح خطرة في صدره. دارت في البيت مواجهات بطولية تبادل خلالها أفراد حزب الله والكوماندو البحري إطلاق نار من أسلحة أوتوماتيكية وقنابل يدوية. الدخان ملأ الشقة، واستصعب الجنود الإسرائيليون معرفة ما إذا كان أحد المسلحين (من حزب الله) في الشقة هو الشخصية المسؤولة التي يبحثون عنها.
    قتل ثلاثة أفراد من حزب الله، وصوت إطلاق النار أيقظ الحي. وتعرّض أفراد الحزب، الذين حاولوا الوصول إلى ميدان المعركة، لإطلاق نار من الكوماندو البحري الذي نصب لهم كميناً. أطلقت النار من نوافذ البيوت في كل الاتجاهات، وأصيب جندي إسرائيلي «أ»، بنيران قوات حزب الله المتمترسة خارج المبنى، بجروح خطرة عندما تلقى رصاصة في وجهه هشّمت لثته بالكامل. كانت هناك حاجة لإخلاء الجرحى. أطلقت طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي النار من أجل تغطية الجنود الإسرائيليين. كانت كل دقيقة ضرورية، وركض أفراد الكوماندو بحمّالات مفتوحة في شوارع صور.
    انتشرت خلايا الكوماندو البحري على أبواب الأزقة في المدينة من أجل التغطية على رحلة الحمالات. نقل الجرحى إلى داخل حديقة في الظلام الدامس. وأُجريت لهم عملية جراحية بواسطة طبيب الوحدة ورجل إسعاف ميداني تحت مخاطرة كبيرة. وخضع أيضاً قائد الطاقم لعملية جراحية، لكنَّ نهاية القتال كانت بعيدة. كان أفراد الكوماندو على اتصال بمروحية إسرائيلية من طراز «يسعور 669»، تابعة لوحدة الإنقاذ في سلاح الجو.
    خرج أفراد الكوماندو إلى الشاطئ، حيث كانت المروحية قد حطت، واعتلوها. بعد هبوط المروحيات، كانت قوة «شييطت» في الجو. في طريق العودة إلى إسرئيل.
    ثمانية جنود تابعين للكوماندو البحري جرحوا خلال المواجهات، بينهم اثنان إصابتهما خطرة، فيما قتل ثمانية من مقاتلي حزب الله وأصيب كثيرون. المسؤول في وحدة إطلاق القذائف، الذي كان الهدف المركزي للعملية، نجا. لم يكن في الشقة التي اقتحمها الكوماندو البحري، بل في الطابق العلوي.

    البحث عن نصر

    قبل ثلاثة أيام من عملية الإنزال، في الأول من آب تحديداً، وفي حوالى الساعة الحادية عشرة ليلاً، اقتحم 200 جندي من أفراد سرية قيادة الأركان (سييرت متكال)، ومن الوحدة النخبوية «شلداغ»، التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، مستشفى في بعلبك وحياً سكنياً شرقي المدينة. وبعد أربع ساعات في معقل حزب الله، على بعد 100 كيلومتر من الحدود اللبنانية ـــــ الإسرائيلية، عادوا إلى إسرائيل من دون إصابات.
    حظيت العملية بنجاح كبير، إلا أنَّ إنجازاتها لم تمنح الشرعية للمخاطرة الكبيرة التي واكبتها. عندما صودق على العملية، صرَّح وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيرتس، بأنَّ «هذه الحملة ستغيّر وجه الحرب». إلا أنَّ هذا لم يحصلولدت فكرة الإنزال من قلب الدافع الذي دفع قيادة هيئة الأركان إلى التصميم على احتلال بنت جبيل؛ فبدل التأقلم مباشرة مع تهديد الكاتيوشا، حاول الجيش الإسرائيلي إخراج حملة مزهرة، تكون بمثابة كاسر للتعادل وتنفيس رمز حزب الله وتأمين صورة انتصار تؤثر على الوعي.
    التسلسل نحو العملية بدأ مع بداية الحرب، في لقاء لم يكن مبرمجاً جمع العقيد رونين، وهو مسؤول رفيع المستوى في شعبة الاستخبارات العسكرية، مع قائد هيئة الأركان دان حالوتس، في نهاية جلسة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. رمى رونين فكرة قائلاً لحالوتس، خارج قاعة الجلسات: «علينا العمل في مناطق حزب الله». كان اقتراحه الأول إرسال قواتٍ من وحدات النخبة للسيطرة على مطار بيروت لفترة زمنية محددة وغرز علم إسرائيل. إلا أنَّ احتلال المطار لم يسحر حالوتس. لكنَّ مجرد فكرة اقتحام جبهة العدو أعجبته.
    كان العقيد رونين شريكاً في مبادرات إضافية لتنفيذ عمليات خاصة، لكنّ من شدَّ إليه المهام تدريجاً كان العقيد طال روسو، وهو ضابط سابق في وحدات النخبة «سييرت متكال»، و«شلداغ» و«ماجلان»، ويشغل اليوم منصب رئيس قسم العمليات العسكرية برتبة جنرال.
    في 21 تموز، قرّر قائد الحملات العسكرية في الجيش الإسرائيلي في حينه الجنرال غادي آيزنكوت، تعيين روسو رئيساً للطاقم المسؤول عن التنسيق بين وحدات النخبة داخل لبنان. يجري الحديث عن ثلاث وحدات: سرية هيئة الأركان «سييرت متكال»، والكوماندو البحري (شييطت)، وشلداغ (التابعة لسلاح الجو). كان العقيد رونين، صاحب الفكرة، موجوداً هو أيضاً، بالإضافة إلى «الضلع الثالث» في الطاقم، «ت»، الذي فرزه الموساد قبل الحرب إلى الجيش من أجل «المساعدة في التأقلم مع الجهاد العالمي».
    في تلك الأيام، كان من الممكن التقاط علامات تدل على مكان وجود الجنديين الإسرائيليين المخطوفين، الداد ريغف وإيهود غولدفاسر. إلا أن قسم مسؤول الأسرى والمفقودين في الاستخبارات العسكرية، احتفظ بشظية معلومة عن مصيرهما، ولم يشارك أطرافاً أخرى. أثبتت سرايا الجيش الإسرائيلي نفسها على مدار عشرات السنين كقوى رفيعة المستوى ومن الجيدة عالمياً، وهذا ما كان أيضاً في حرب لبنان الثانية؛ فقد حققت الاقتحامات التي نفذتها القوات الخاصة، على أهداف حزاب الله فائدة استخبارية.
    وحدة «شلداغ» عملت في المراحل الأولى للحرب شمال غور لبنان، من أجل التقاط شاحنات نقلت أسلحة من سوريا إلى حزب الله. وقد أصيبت الشاحنات من الجو بفضل هذه العمليات.
    كما كشف طاقم من «سييرت متكال»، كان في قلب لبنان، عن طائرة من دون طيّار تابعة لحزب الله كانت في طريقها إلى إسرائيل، ووفّرت الوحدة إنذاراً لسلاح الجو لإسقاطها.
    ومع ذلك، ظلت غالبية عمليات الوحدات الخاصة في الحرب سرية. وعملية بعلبك، تعد من القلائل التي حظيت بنشر واسع.

    إنزال بعلبك في 22 تموز، دعا روسو أكثر من 20 مسؤولاً للتشاور في قاعة الاجتماعات في القسم. اجتمع هناك ضباط في «سييرت متكال» والكوماندو البحري ومن وحدة «شلداغ» الى جانب مسؤولين من الشاباك والموساد. وشارك أيضاً في اللقاء رئيس الشاباك يوفال ديسكين وقائد الحملات العسكرية أيزنكوت. وفي نهاية اللقاء، وجد روسو نفسه في غرفة في الطابق الـ15 في مبنى الجهاز في الكريات في تل أبيب، تحولت الى مزار لقدماء قادة الوحدات المختارة، الذين وصلوا الى هناك مع أفكار لحملات عسكرية في عمق لبنان، بينها بلغ حد الخيال المجنون.
    كانت الفكرة الاصلية إنزال قوة ضخمة في قلب المدينة. من 600ــــ800 جندي للسيطرة على مدار أيام على مركز حزب الله في داخلها. عارض نائب قائد هيئة الأركان موشيه كابلنسي وقائد الحملات العسكرية آيزنكوت الفكرة، وألغيت. كان أحد أسباب الاعتراض هو قرب بعلبك الى الحدود السورية، إذ تقع على بعد عشرة كيلومترات فقط منها، وكانت هناك تخوفات من أن بقاءً متواصلاً في بعلبك من شأنه جر السوريين الى مواجهات مباشرة مع الجيش الاسرائيلي.
    في النهاية، تمّت بلورة برنامج للاقتحام بمشاركة 200 جندي في حملة تحمل كود «حاد وناعم». كان هدف أفراد «سييرت متكال» هو مستشفى «دار الحكمة» المقام بتمويل إيراني، واستعمل كمركز قيادة لحزب الله. وتخمّن أوساط في الجيش الاسرائيلي أن الأسير الأسرائيلي السابق لدى حزب الله ألحنان تننباوم، تلقى علاجاً على يد طبيب إيراني في المستشفى بعدما أسر عام 2000، وثمة إمكانية قائمة بأن الطبيب نفسه شريك في علاج الجنديين الأسيرين إن كانا نقلا الى لبنان وهما على قيد الحياة. كانت هناك محاولات إسرائيلية للعثور على الطبيب، وكان هنك أمل في مراحل التخطيط الاولى بالقبض عليه وعلى مسؤولين في حزب الله يقطنون المدينةكانت منازل المسؤولين في حزب الله في حي الشيخ حبيب، الذي حدد هدفاً لوحدة «شلداغ». كان يبعد عن المستشفى خمسة كيلومترات. تقرر تعيين ضابط مسؤول يقود العملية ميدانياً وينسق بين قوات «شلداغ» و«سييرت متكال». ومن كان عليه قيادة القوة ميدانياً هو العقيد إيرز تسوكرمان، الذي شغل منصبي قائد الكوماندو البحري وقائد لواء غولاني. إلا أن حالوتس قرر قبل ثلاثة أيام من العملية أن يبقى تسوكرمان داخل حدود إسرائيل إذا تقرر تجنيد وحدة الاحتياط التي يقودها، وعيّن مكانه العقيد نيتسان ألون، القائد السابق لـ«سييرت متكال»، حيث كان ألون يشغل في ذلك الحين منصب قائد لواء «عتصيون»، المسؤولة عن منطقة بيت لحم، ونقل من هناك الى عملية بعلبك.
    قبل الحملة، قامت «سييرت متكال» و«شلداغ» بتدريبات. كل وحدة على حدة، وتقرر أن يقف العقيد «أ» على رأس وحدة «شلداغ»، والعقيد «ع» على رأس «سييرت متكال».
    في الايام التي سبقت العمليات، قال آيزنكوت إن المهمة (البحث في بعلبك عن كل طرف معلومة حول الأسرى) «تدل على التزام الجيش الاسرائيلي العميق بإعادة الجنديين (الأسيرين) الى البيت». وحدّث العقيد نيتسان ألون بتلهف رئيس الحكومة الاسرائيلي إيهود أولمرت عن ضرورة المهمة وأقنعه بـ«قدرة مقاتلي سييرت متكال وشلداغ على تنفيذها».
    قبل ساعات معدودة من إقلاع المروحيات، أعطيت المصادقة النهائية من وزير الدفاع عامير بيرتس. في ذلك الوقت، كان واضحاً أنَّ «الطبيب الايراني» المطلوب لم يكن في بعلبك، إلا أن بيرتس كان مقتنعاً بأن «وجه الحرب سيتغير»، وصادق على العملية حتى مع اختفاء الأمل بالقبض على الهدف المركزي للحملة، من دون التعمق بالتفاصيل الصغيرة لبرنامجها.
    عندما تحول القبض على الطبيب الى قضية ليست ذات صلة، ظلت الأهداف هي القبض على أكبر عدد من الأسرى، من بين أفراد حزب الله في بعلبك، وجمع صناديق الحواسيب ومستندات من مستشفى «دار الحكمة» على أمل احتواء المستندات على معلومات «عن علاج لمخطوفين وقتل 20 مقاتلاً من حزب الله. كان الهدف المركزي إهانة حزب الله من أجل زعزعة مقاتليه عند الجبهة وإجبار التنظيم على بذل وسائل وطاقات في الدفاع على حساب الهجوم».
    كانت الأهداف واضحة، ولكن مع احتساب المخاطرة التي كانت منوطة بالعملية، هناك شك في أن يصادق عليها رئيس حكومة ووزير دفاع مجربان مثل إسحاق رابين أو أرييل شارون، صاحبا تجربة عسكرية غنية، ويستطيعان احتساب وزن الاحتمالات أمام المخاطرة من دون الانجرار خلف الجيش. حتى بعد الحرب، كان هناك ضباط في الجيش الاسرائيلي منقسمون في آرائهم حول ما إذا كان الحديث يجري عن إنزال ذي قيمة عسكرية ام عن عملية استعراضية.
    ولحسن الحظ، انتهت العملية من دون إصابات. وصل رجال الكوماندو الى مدينة بعلبك، في مروحية «يسعور»، وهبطوا تحت تهديد صواريخ مضادة للطائرات في ظل شروط ميدانية صعبة. قبل الهبوط، قصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية أهدافاً مختلفة في بعلبك من أجل التستر على ضجيج «يسعور» وتضليل القوات التي تحرس المدينة. وكانت المهمة المركزية في الحملة لسلاح الجو، الذي جرى تعين قائده شكيدي، للمرة الأولى في تاريخ الجيش الاسرائيلي، لقيادة عمليات على اليابسة.
    جلس شكيدي في إحدى الغرف في مقر الكريات، الى جانب العقيد روسو والعقيد في سلاح الجو يوحنان لوكر وانضم إليهم أيضاً وزير الدفاع بيرتس.
    طُلب من جزء من الجنود تصوير الحملة من أجل «الدعاية»، وقد نُشرت هذه الصور والافلام في ما بعد بواسطة المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، ومن بعده في وسائل الاعلام. صور ظهر فيها جنود إسرائيليون يفتشون في جوارير المستشفى عن مستندات.
    لم يشدد الجيش على حقيقة أن المستشفى كان مهجوراً نهائياً أثناء اقتحام أفراد «سييرت متكال» له، وبالأحرى لم يكن الحديث يجري عن مستشفى يعمل على مدار الساعة بل عن عيادة يومية. حتى إن احتمالات إيجاد أشخاص في ساعات الليل قلت بسبب عمليات الجيش الاسرائيلي في منطقة بعلبك، التي رفعت من منسوب الحساسية لدى حزب الله والطبيب الإيراني الذي اختفى في موعد سابق.
    وكانت «سييرت متكال» عملت في بعلبك، قبل الحملة بحوالى أسبوع، بهدف القبض على الطبيب الإيراني وعادت القوة بسلام لكن من دونه.
    كان الحي الذي اقتحمته قوة «شلداغ» في بعلبك خالياً. سار الجنود في الشوارع وقتلوا أربعة من رجال حزب الله. لكن كل البيوت التي دخلوها كانت فارغة، عدا بيت واحد، وجدوا فيه ستة أشخاص مذهولين؛ أربعة رجال وامرأتين، وبحوزتهم بندقية ورشاش. اعتقل الرجال ونقلوا الى إسرائيل. كذلك ألقي القبض على فتى في الـ16 من عمره، راعي أغنام صادف جنوداً فاعتقلوه خشية الإفصاح عن مكانهم. ويدّعي الجيش أنه قتل 19 من حزب الله غالبيتهم من صواريخ أطلقت باتجاه سيارات تابعة لحزب الله التُقطت من الجو، بينما يقول حزب الله إن جزءاً من القتلى كان من المواطنين المدنيين.
    ... كلما مضى الوقت تبيّن أن إنجازات العملية في بعلبك صارت أقل معنى، على الرغم من أن العملية أحرجت حزب الله وأقيل قائد منطقة بعلبك في حزب الله حسين يونس من منصبه؛ المواد الاستخبارية التي جمعت في بعلبك كانت مهمة لكنها ليست ضرورية. الأسرى الخمسة الذين نقلوا الى إسرائيل أطلق سراحهم الى لبنان. وتبيّن بعد وقت قصير أن لا علاقة للفتى بحزب الله، وكذلك الأسرى الأربعة. كانت هناك إشارة رمزية وهي أن أحد المعتقلين كان يدعى حسن نصر الله. وحتى هذا لم يجعله عضواً في حزب الله.




    «عندما آلمني بطني»

    استمرت العملية في بعلبك ساعات طويلة. وفي الساعة الرابعة صباحاً، عادت المروحيات بسلام. عندها شعر قادة الأركان براحة، وغادر وزير الدفاع عامير بيرتس المكان بعدما شكر قيادة الجيش.
    في الساعة الثامنة صباحاً، وصل عضو الكنيست داني ياتوم إلى مكتب رئيس الحكومة من أجل مشاورات أمنية، ووجد بيرتس منهكاً. قال ياتوم لبيرتس: «تبدو منهكاً. عليك أن تنام ساعتين على الأقل». سمع بيرتس الاقتراح ونام لفترة قصيرة في المكتب.
    في صبيحة اليوم التالي، امتلأ قائد هيئة الأركان دان حالوتس نشاطاً. كان حالوتس قد غاب عن الأنظار منذ أن أصيب بأوجاع بطن وخضع لفحوص طبية بعد المواجهات المرة في بنت جبيل. لكن في صباح يوم الأربعاء، بعد ساعات من انتهاء العملية في بعلبك، وقف قائد هيئة الأركان بحيوية أمام عشرات الكاميرات في معسكر هلل في الشمال. قال: «خلال الليلة الأخيرة، نُفذت عمليات في العمق اللبناني. أصبنا أكثر من عشرة رجال من حزب الله، وقبضنا على خمسة»، مشيراً إلى أن «هدف العملية كان لتوضيح قدرتنا على العمل في العمق اللبناني وليس لاختطاف أحد معين».
    وفي مقابلة خاصة منحها حالوتس للقناة الإسرائيلية الثانية، سألته مقدمة البرنامج إيلانة ديان:
    * كيف سنعرف أننا انتصرنا؟
    ـــــ نشعر
    * هل تشعر بأن هناك من يستعد للجنة تحقيق؟
    ـــــ I really don't care I don't care (حقيقة لا أهتم). أنا لا أعمل من أجل اللجان، أنا أعمل من أجل شعب إسرائيل.
    (عندها حاولت الناطقة باسم الجيش الإسرائيلي ميري ريغف، التي كانت حاضرة في المقابلة، ثنيه عن التحدث باللغة الإنكليزية عبر إشارات يائسة. كانت قد أبلغته، قبل المقابلة، «كلهم يعرفون أنك تتحدث الإنجليزية بشكل ممتاز، تحدث العبرية فقط»).
    سألت ديان حالوتس عن لحظة خاصة كانت صعبة أثناء الحرب، فأجاب: «عندما آلمني بطني، لم أستطع أن أكون مع الجنود».
    ومن حظه، وافقت إيلانة ديان على طلب ريغف، التي ادعت أن حالوتس لم يفهم السؤال وأزالت الإجابة التي «لا تحتوي على المشاعر».