البقاع ـ عفيف دياب
لم تنطلق بعد عملية إتلاف الحشيشة في سهل البقاع وجروده، فالعملية الأمنية الموسمية تأخّرت عن موعدها السنوي. وهذا التأخّر أدخل أهالي بعلبك ــ الهرمل في دائرة الحيرة والتساؤل عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء أمر ترك حقول الحشيشة «تتمادى» طولاً. يقول مزارعون في المنطقة إن موسم الحصاد قد يكون قبل أوانه، جرّاء العوامل المناخية المساعدة


عزت مصادر أمنية لبنانية أسباب التأخر في عمليات إتلاف الأراضي المزروعة بالحشيشة في شمالي سهل البقاع وجروده، إلى الظروف الأمنية المسيطرة على البلاد وحاجة قوى الأمن والجيش اللبناني الى عناصر لتنفيذ مهمات أمنية تعدّ ذات اهمية قصوى مقارنة بإتلاف الحشيشة. وتوضح هذه المصادر لـ«الأخبار» أن أعمال مسح الأراضي المزروعة بالحشيشة لم تجر بعد و«هي تأخرت عن موعدها السنوي قرابة شهر ونصف شهر». وأشارت الى أن إطلاق «مهمة إجراء المسح الشامل للحقول المزروعة بالممنوعات قد تنطلق الأسبوع المقبل».
وأعربت مصادر مواكبة عن اعتقادها بأن المساحة المزروعة بالحشيشة هذا العام قد لا تتجاوز الـ45 الف دونم في مناطق بعلبك ـــــ الهرمل، موضحة أن الاستعدادات جارية لتأمين الجرارات والعمال والقوة الأمنية اللازمة لبدء الإتلاف، بعد إجراء المسوحات الميدانية مباشرة.
وأشارت إلى أن أبرز العقبات التي تعترض إطلاق «الحملة» الأمنية هي تمنّع عدد كبير من أصحاب الجرارات الزراعية عن تأجير جراراتهم بسبب عدم دفع المستحقات المالية المتوجبة لهم في ذمة الدولة، والتي تبلغ نحو 200 مليون ليرة عن عام 2005، عدا عن مبالغ لم تدفع عن العام الماضي.
وفي مقابل هذه الاستعدادات الرسمية الموسمية لإتلاف المزروعات الممنوعة، بعد إنهاء إتلاف نحو 75 دونماً فقط من الأفيون، قبل أكثر من شهر، يقف المواطن في بلاد بعلبك ـــــ الهرمل متحيّراً أمام تعاطي الدولة معه. فمن يزرع الممنوعات يستغرب كيف يسمح له بذلك ومن ثم يُتلف الموسم قبل موعد حصاده. يقول المزارع «أبو جاد»، في منطقة دير الأحمر، إنه زرع نحو 15 دونماً من الحشيشة، «على أمل أن تغضّ الدولة النظر، لكنها تلاحقنا من موسم إلى آخر، لكنها لا تعطي المزارعين البديل، وبالأساس، لا يبدو أنها وجدت البديل». ويؤكد أن زراعة الممنوعات هي «زراعة منتجة ولا تدخلنا في خسائر مثل الزراعات الأخرى التي لا نجد لها تصريفاً».
غياب أو «تغييب» البديل عن الزراعات الممنوعة يطول الحديث عنه، على حد قول رئيس إحدى البلديات في غربي بعلبك، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، مضيفاً: «عُقدت عشرات المؤتمرات وأنجزت دراسات لا تحصى، وسمعنا كلاماً، لو زنته لفاق آلاف الأطنان. وأطلقت مشاريع الزراعات البديلة في الماضي، وجميعها منيت بالفشل، وبالتالي يحق للمزارع البقاعي أن يزرع ما لا يرتب عليه الخسائر، وعلى الدولة ان تغض النظر عن هذا الأمر لأن الأوضاع الاقتصادية جد مزرية ولا بدائل تذكر في المدى المنظور».
وفي مقابل هذا الكلام «الأهلي»، يقول مرجع رسمي في البقاع لـ«الأخبار» إن الدولة تقوم بواجباتها، وهي لا تسمح بزراعة الممنوعات. ورداً على سؤال عن غضّ النظر خلال زرع الممنوعات والاكتفاء فقط بتجريد حملات أمنية قبل موعد الحصاد، يقول المرجع الرسمي في زحلة: «قرار الدولة واضح في منع زراعة المخدرات، ونحن نعرف أن الناس يقدمون على الزرع تحت شعار أنّ الدولة قد لا تتلف المخدرات، او نزرع لأن الدولة لديها اهتمامات أمنية أخرى، فالناس يأملون كذا وكذا وعلى هذا الأساس يزرعون، ونحن لا نستطيع أن نعرف الأراضي المزروعة بالمخدرات قبل مشاهدتنا لشتول الحشيشة والأفيون». وأضاف: «جميع المزارعين يعلمون أننا سنتلف الممنوعات، فلماذا يزرعونها؟».
سؤال رسمي يجيب عنه رئيس بلدية في قضاء الهرمل، بالقول لـ«الأخبار» إن الذين يقدمون على زراعة الممنوعات «يتعلقون بالأمل، فالغريق يتعلق بقشة. ولأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية صعبة جداّ، ولا عمل أو مصادر عيش اخرى، يقدم بعض الأهالي على زراعة الممنوعات رغم معرفتهم بأنها عملية مخالفة للقانون»!
المخدرات التي تنبت اوراقاً مالية في بلاد بعلبك ـــــ الهرمل، فيما زراعات البطاطا او الأنواع المختلفة من الحبوب والخضر لا تنبت إلا «ديوناً» وخسائر كبيرة، وفشلت معها كل أعمال الإتلاف الرسمي الموسمي، كانت دراسات اهلية قد قدّرت ما تدره هذه الزراعة قبل عام 1993 بنحو أربعة مليارات دولار، في وقت قالت فيه هذه الدراسات إن ما تنتجه كل أنواع الزراعات الشرعية في المنطقة ذاتها لا يدرّ أكثر من مليار ليرة سنوياً.
وبالعودة إلى الزراعات البديلة، فإن كل المشاريع الرسمية منيت بالفشل، وأهمها مشروع «برنامج التنمية الريفية الشاملة»، حيث قدّرت بعثة للأمم المتحدة عام 1992 الأموال المطلوبة لبرنامج الزراعات البديلة بـ300 مليون دولار، دفع منها فقط 17 مليون دولار (7 ملايين من الدولة اللبنانية وبقية المبلغ هبات دولية). ووضعت الخطة على الورق لمدة 14 عاماً (1992 ـــــ 2006)، ثم أقفل الرنامج أبوابه وغادر بلاد بعلبك ـــــ الهرمل بعدما مُني بالفشل نتيجة حسابات سياسية على حد قول أحد نواب المنطقة.
الحشيشة اللبنانية التي تعدّ من الصنف الجيد، هي من الزراعت السهلة، فهي بعلية ولا تكلف زارعها إلا القليل من الأموال والتعب، وهي تنبت ـــــ كما يقول مزارعون ـــــ حتى في الصخر، فيكفي أن يرش المزارع كيلوغراماً واحداً من القنبز المخصص لأكل العصافير على دونم واحد حتى تنبت الحشيشة التي تزرع في نيسان وتقطف بدءاً بأواخر آب حتى أواسط ايلول، حيث يعطي كل دونم ما بين بين أربعين وخمسين كيلوغراماً كمعدل وسطي. واذا تأمّن الري فقد يتضاعف الإنتاج. وتبدأ سوق الحشيشة في البقاع اعتباراً من 30 ايلول، اذ يشتري التجار النبات أخضر ويتركونه في الهواء حتى اليباس، ومن ثم يوضع في مستودعات أو غرف حتى شهر كانون الثاني حيث تنطلق عملية «الدق وفصل العيدان عن الورق وتوزيع الإنتاج إلى باب أول وثان وثالث».
يذكر أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أعلنت أول من أمس أن مكتب مكافحة المخدرات المركزي التابع لقسم المباحث الجنائية العامة في وحدة الشرطة القضائية، بالاشتراك مع مكاتبه الإقليمية، قام «بتاريخ 18/7/2007 بتنفيذ يوم أمني في كل المناطق اللبنانية، وتم توقيف 45 شخصاً من المشتبه في تورطهم بقضايا الاتجار بالمخدرات وترويجها وتعاطيها، من بينهم 9 يشتبه في أنهم تجار ومروجو مخدرات. وتم ضبط 125 غراماً من الكوكايين و100 غرام من حشيشة الكيف و42 غراماً من الهيرويين، إضافة إلى حبوب مخدرة ودواء «سيمو» ومسدسات حربية وعملات ومستندات مزورة، ومن بين الموقوفين من هم مطلوبون بمذكرات عدلية.