صيدا ــ خالد الغربي
قتل عنصر من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وجُرح أربعة من أبناء بلدة طنبوريت (جنوب شرق صيدا)، إثر خلاف بين عدد من أبناء البلدة وآخرين من بلدة الغازية المجاورة، جرح منهم شخص واحد. ونشب الخلاف بعد قيام عدد من الشبان السكارى بمعاكسة امرأة، فتطور الأمر إلى مطاردة وإطلاق نار. وجرى تطويق الحادث أمنياً وسياسياً واجتماعياً منعاً من أن يأخذ أبعاداً طائفية


على طول الطريق الحرجية المؤدية الى بلدة طنبوريت، تظهر لافتات وضعها أهل البلدة خلال السنوات الماضية تبرز طبائع أهلها. لا تخلو هذه اللافتات من الفكاهة، وجلّها يدعو الى المحبة والسلام والنظافة. وبينها واحدة تسأل: «شو جاب عفريت لطنبوريت؟»، تعقبها أخرى بالقول: «الحكمة أن تكون حكيماً».
وأمس، استفاقت بلدة طنبوريت (جنوب شرقي مدينة صيدا) على قتيل (هو العنصر في فرع المعلومات إلياس الحاج) وعدد من الجرحى، سقطوا في خلاف فردي وقع بين شبان من البلدة وآخرين من بلدة الغازية.
ونجحت القيادات السياسية والمحلية وفعاليات بلدتي الغازية وطنبوريت في تطويق أي ذيول للحادث، والتأكيد على طابعه الآني والفردي وأن لا خلفيات سياسية أو طائفية في الموضوع، فيما أوقفت القوى الأمنية عدداً من المطلوبين أو المشتبه في مشاركتهم بالحادث.
فقد عكّر ليل طنبوريت الهادئ، كما هي كل لياليها، ولا سيما ليل السبت الذي تستقطب فيه الساهرين، خلاف حصل بعيد الثانية من فجر أمس، بين شبان من بلدة الغازية، كانوا داخل سيارة BMW، وبعضهم كان في حال السكر، وآخرين من أهالي بلدة طنبوريت. وذكر بعض الشهود المحلّيين أن التلاسن نشب بعد مشاكسة لإحدى سيدات البلدة، الأمر الذي حدا بشباب طنبوريت للتدخل محاولين ثني ركاب السيارة عن ذلك. حصل تلاسن ما لبث أن تطور الى تضارب بالأيدي والعصي واستخدام الآلات الحادة، مما أدّى الى وقوع إصابات بين شباب طنبوريت. ثم سجّل إطلاق نار أدى الى إصابة حنا مارون سعد من البلدة نفسها بجرح سطحي في رأسه، فسارع أحد أبناء بلدته، العنصر في فرع المعلومات في قوى الأمن الأداخلي الياس سمير الحاج الى نقله بواسطة سيارته، وهي من نوع هوندا أكورد، الى المستشفى، فطارد ركاب الـBMW السيارة التي أقلّت الجريح. وعلى مقربة من مدخل البلدة الذي يبعد نحو 1.5 كيلومتر من المكان الذي حصل فيه التلاسن، انحرفت سيارة الهوندا على أحد المنعطفات واستدارت مما ساعد الشبان في داخل السيارة المطارِدة على إطلاق النار من مسدسات حربية (ذكر بعض الشهود أنه رشق ناري)، على من كان بداخل الهوندا، وتحديداً على السائق، أي العنصر في فرع المعلومات الياس الحاج الذي أصيب مباشرة برأسه، بينما أكملت سيارة BMW سيرها قبل أن تصطدم بالعوائق الإسمنتية. عندئذ، قاد أحد ركاب الهوندا السيارة، بعدما وضع الحاج في المقعد المجاور لمقعد السائق، مكملاً طريقه باتجاه مستشفى الراعي، حيث ما لبث الحاج أن فارق الحياة. وعرف من جرحى طنبوريت كل من فادي ابراهيم موسى، وحنا سعد وإيلي بشارة موسى، الذين نقلوا الى مستشفى الراعي في صيدا، وحبيب سليم شلهوب الذي نقل الى مركز لبيب الطبي مع جريح آخر من الغازية، أصيب بجروح طفيفة، ويدعى عباس حجازي الذي جرى توقيفه لاحقاً.
وعلى الفور سارعت القوى الأمنية الى تطويق مكان الحادث وانتشر الجيش اللبناني بكثافة عند مداخل البلدة، كما قامت عناصره بدهم عدد من الأماكن والمنازل في بلدة الغازية، التي يفصلها عن بلدة طنبوريت العديد من القرى والبلدات، بحثاً عن المتسببين في الحادث. وعلم أنه تم توقيف عدد من المشتبه فيهم، ويجري تعقب آخرين، لا يزالون فارين. وباشرت القوى الأمنية التحقيق في ما جرى، ونقلت السيارتين (BMW والهوندا) إلى مخفر مغدوشة، وبدت معالم «المعركة»، من آثار الرصاص والتكسير والأضرار، واضحة عليهما. ومنعت عناصر القوى الأمنية المصورين من تصوير السيارتين «لضرورات متصلة بالتحقيق».
وفي مستشفى الراعي قال أحد الجرحى لـ«الأخبار» إن الإشكال بدأ على خلفية مشاكسة امرأة قريبة له، «وتطور مع كلام صدر عن المعتدين فيه تحقير للشعائر الدينية واعتداء على المقدسات».
وصباحاً، شهدت بلدة طنبوريت زحمة محققين، بينما كانت صافرات الإنذار التي تطلقها سيارات القوى الأمنية تملأ البلدة صخباً. لكن، رغم المصاب الأليم، بدت البلدة، كعادتها، محافظة على هدوئها، وأكّد عدد من أبنائها أن الحادث فردي، «وناتج من طيش وجهل شبان سكارى». ورفض هؤلاء اعتبار الحادث مدبّراً وطائفياً: «إنه ابن ساعته»، يقول أحد أبناء البلدة، «على الرغم من السباب الصادر عن بعض شبان الغازية بحق المقدسات الإلهية».
النائب العام الاستئنافي في الجنوب، القاضي عوني رمضان، وقاضي التحقيق حسن شحرور، زارا برفقة عدد من ضباط قوى الأمن الداخلي ورئيس رابطة مخاتير صيدا ــــــ الزهراني مصطفى الزين بلدة طنبوريت، واستمعوا الى إفادات بعض الشهود، وعاينوا ثلاث نقاط في البلدة هي مكان البداية، ومكان التلاسن وتحطيم بعض السيارات ومكان تعرض سيارة الهوندا لإطلاق النار. ثم انتقل الجميع إلى مخفر مغدوشة، واطّلعوا على سير التحقيقات، وإلى إفادة أولية لبعض الموقوفين.
النائب موسى
نائب المنطقة ميشال موسى قال إن ما حصل هو «وليد ساعة وليست هناك خلفيات مسبّقة لا سياسية ولا غير ذلك، والأجهزة القضائية والأمنية اتخذت كل الإجراءات للاقتصاص من الذين قاموا بالعمل، وجزم أنه ليس هناك من تداعيات والكل يعمل على التهدئة وتجاوز ما حصل وليست هناك ذيول والمنطقة مثال للتعايش وقد تجاوزت دوماً الأزمات بفعل الخيّرين».
أهالي الغازية
بدورهم، استنكر أهالي بلدية الغازية ـــــ قضاء صيدا الحادثة التي شهدتها بلدة طنبوريت المجاورة فجر أمس «بين شبان من البلدتين وأسفرت عن استشهاد أحد أبناء طنبوريت وهو العنصر في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الياس سمير الحاج (22 سنة) والى إصابة أربعة آخرين من أبناء البلدة نفسها».
وجاء في بيان صادر عن رئيس بلدية الغازية محمد سميح غدار باسم أهالي البلدة: إن أهالي بلدة الغازية يستنكرون بشدة الحادث الأليم الذي حصل في طنبوريت والذي أودى بحياة أحد المواطنين الذي نعتبره فرداً منا، ويؤكدون أن الحادث لا يتعدى كونه حادثاً فردياً، وإننا نترك للعدالة أن تأخذ مجراها وتقتصّ من الفاعلين. وإن أهالي الغازية يؤكدون أنهم عائلة واحدة مع أهالي طنبوريت والقرى المجاورة وأن كل ما يصيبهم يصيبنا.