باريس ـ بسّام الطيارة
يصل اليوم إلى بيروت السفير فوق العادة جان كلود كوسران للتحضير لزيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى لبنان المقررة في 28تموز الجاري.
وكان كوسران قد جال على دمشق والقاهرة ثم الرياض وعاد إلى باريس حيث جرى تقويم نتائج مباحثاته، وخاصة في العاصمة السورية قبل أن ينطلق مجدداً إلى بيروت.
ورغم «تكرار نفي أي تغيير في سياسة فرنسا» من وزارة الخارجية كما صرحت قبل عطلة نهاية الأسبوع الناطقة الرسمية باسمها باسكال أندرياني، المتوقع أن ترافق الوزير كوشنير إلى بيروت، فإن المقاربة لوصف زيارة السفير كوسران إلى دمشق لا يمكن إلا أن توصف بتغيير في طريقة معالجة الملف اللبناني مقارنة مع المرحلة الشيراكية السابقة، حين كان حبل التواصل مقطوعاً على مستوى عالٍ ومحصوراً بالتشاور بين السفارتين.
وتحدثت الناطقة عن جوانب هذا التشاور المباشر فقالت إن «من ضمن ما قاله كوسران لوزير الخارجية السوري هو أننا نعتمد كثيراً على موقف بنّاء من سوريا لمتابعة ما بدأناه من محاولة لإعادة ربط الحوار بين الفرقاء اللبنانيين».
وقد علمت «الأخبار» من مصادر على صلة بالملف اللبناني إنه إلى جانب اتفاق البعثة الفرنسية ومحاوريها السوريين على «خطورة الوضع اللبناني» وضرورة تدارك الوصول إلى «عتبة اللاعودة»، فإن محادثات كوسران في دمشق تجاوزت «حدود التبليغ بنتائج حوار سان كلو» وتطرقت إلى «سياق متابعة هذا الحوار في بيروت» عبر ما يمكن تقديمه «من تسهيلات سورية».
وإن نقطة وحيدة احتلت مركزاً أساسياً في عرض السفير كوسران، هي الانتخابات الرئاسية.
وقالت المصادر إن باريس طلبت من دمشق «تسهيل ملف الرئاسة» وإنها شددت على ضرورة «التزام الفرقاء بالمواعيد الدستورية». وفسّر بعض المراقبين هذا «الطلب من سوريا» بأنه محاولة «لمناقشة طرح اسم مرشح توافقي».
وتصف المصادر الحوار بين المبعوث الفرنسي والمسؤولين السوريين بأنه كان «صريحاً»، وهو تعبير دبلوماسي لوصف حالة من «عدم التوافق على مجمل النقاط مع حصول بعض تقدم في بعضها». وحسب مصادر أخرى فإن «الصراحة تناولت المصالح الحيوية المتبادلة بين سوريا ولبنان» وأن كوسران قد ألمح إلى إدراك باريس وجود مصالح سورية، إلا أنه شدد «على ضرورة أن تأخذ بعين الاعتبار سيادة لبنان واستقلاله». وحسب هذه المصادر فإن كوسران صارح محاوريه بأنه «غير مخول الحديث عن أي دور لسوريا في لبنان».
وتستطرد المصادر بأن كوسران «كان دقيقاً في وصف ما يريده الغرب من سوريا في ما يتعلق بالملف اللبناني» وأنه كان حازماً للغاية في أن «عودة سوريا إلى الحظيرة الدولية» تتطلب منها «خطوات ملموسة وبناءة» في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.
ويرى البعض أن «هذه الصراحة» تفسِّر عدم تجاوز اللقاءات عتبتي نائب الرئيس فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، ولو حصل توافق أعمق لكان الرئيس بشار الأسد قد استقبل السفير كوسران.
إلا أن هذا لا يعني أن «تمرين دمشق» كان فاشلاً، لا بل على العكس يرى المراقبون أنه كان «إيجابياً لجميع الفرقاء». فدمشق تضع وراءها الحقبة الشيراكية، وباتت محاوراً للغرب في الملف اللبناني مثلها مثل العواصم المؤثرة الأخرى. وباريس تزيد من تماسك مبادرتها التي أطلقتها من جهة وتعلن في آن واحد «العودة إلى دبلوماسية غير انتقائية» مع التشديد لحلفائها أنها استطاعت عبر مبعوثها إبلاغ «رسالة حازمة وإيجابية لسوريا»، بينما يمكن أن ترتد إيجابيات هذه الزيارة على الحوار بين اللبنانيين الذي يأمل كوسران تكراره في بيروت هذه المرة تحضيراً لزيارة الوزير كوشنير.
وقد أكدت وزارة الخارجية برنامج رحلة كوشنير إلى بيروت من دون الدخول في تفاصيل الزيارة التي ربطتها «بما سوف يسمع كوسران» هذا الأسبوع. ولا تخفي المصادر الفرنسية تشاؤمها بالوضع الذي «يتغير من لحظة لأخرى» وتأسف لعدم احترام الفرقاء «ميثاق الشرف الإعلامي». لكنها بالمقابل أعادت التشديد على أن الحكومة الفرنسية تدعم بالكامل حكومة السنيورة وأن كوسران كرر هذا الموقف للنائب سعد الحريري خلال لقائه في جدة، في خطوة يراها البعض أنها إما أن تكون بداية للتحضير لانفتاح على بعض التنازلات المتبادلة بين الطرفين كثمار أنضجتها رحلة «السندباد كوسران» بين طهران والقاهرة والرياض وأخيراً دمشق، أو بداية للتحسب لعودة تموضع باريس في صف الأكثرية وما يعنيه هذا من فشل لمبدأ المبادرة التي تقودها.