يحيى دبوق
رُفعت عن وسائل الإعلام الإسرائيلية تهمة الأداء الحيادي والموضوعي خلال العدوان على لبنان، بشهادة لجنة مجلس الصحافة والمسؤول عن الرقابة العسكرية. فانتقل النقاش إلى البحث عن طبيعة الدور الذي أدّته وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الحرب

انشغل الكثير من المراقبين والنقّاد في إسرائيل بالبحث عن دور وسائل الإعلام، فرأوا أنّها شكلت خلال الحرب مرآة عكست مواقف وآراء وتوجهات المستويين العسكري والسياسي، وابتعدت عن كونها صحافة محققة ومُسائلة. وتحولت إلى مُنظّر لفلسفة الحرب ومُحرّض على ارتكاب الجرائم، ولا سيما في الأسبوع الأول من العدوان.
وقد ظهر هذا الأمر بوضوح من خلال التغطية الإعلامية، ومن خلال التأييد الذي منحته هذه الوسائل إلى المستويين العسكري والسياسي خلال العدوان، خلافاً لموقفها بعد انتهائه.
وهذه الخلاصة أكدها بحث واسع قام به الباحث الإعلامي أورن برسيكو، الذي درس جملة المقالات التي كتبها كبار الصحافيين في كبريات الصحف العبرية، مثل بن كسبيت، وأليكس فيشمان، ويارون لندن، وأمنون دنكنر، وغيرهم. وتوصل بريسكو، في بحثه الذي نشرته مجلة «فيرما»، إلى أن التغطية الإعلامية لحرب لبنان الثانية بدت مليئة بالتحليلات الخاطئة، والنبوءات المبالغ فيها، والتقديرات الواهنة، فضلاً عن الكثير من الغطرسة.
وتوقف برسيكو بشكل خاص عند التأييد الكبير الذي منحته وسائل الإعلام لثالوث الحرب، رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس ورئيس الأركان دان حالوتس، والذي انعكس طبعاً بعد العدوان. وبحسب برسيكو، فقد بدأت الحرب «بتغطية إعلامية متعاطفة كلياً، وبتماثل تام مع أهداف الحرب وبنشوة إزاء إمكان تحقيق النصر العسكري ضد حزب الله بسرعة نسبياً».
ويشير برسيكو، في بحثه، إلى أنه في الأيام الأولى للعدوان «لم يُسمع أي صوت ضد الحرب، وإذا ما كان هناك مثل هذا الصوت، فقد دُفع إلى الصفحات الداخلية، وبشكل مقيد، بينما تميزت المقالات الرئيسية بالدعوة إلى معركة واحدة كبيرة، في مقابل غياب التقديرات المتشائمة». ويرى برسيكو أن هذه التغطية الإعلامية هي التي ساهمت في أن يشعر الجمهور الإسرائيلي بمشاعر الإحباط والخيبة بعد مرور أيام معدودة على بدء العدوان.
هذه التغطية الإعلامية، دفعت العديد من المراقبين إلى القول بأن التغطية الصحافية للحرب عكست تجنُّد وسائل الإعلام العبرية وتبنّيها الإرادي لجدول الأعمال الحربي للجيش، والتخلي عن الواجبات المهنية والأخلاقية المركزية التي تميّز الصحافة الحرة.
وقد اتخذ هذا التجنُّد تعبيرات شتى، بينها توفير منبر شبه حصري لرجالات الجيش وللمعلقين العسكريين على اختلافهم وإعطاء شرعية لمواقفهم ووجهات نظرهم بلا منازع.
في المقابل، قادت وسائل الإعلام هذه حملة إساءة وتشويه وكمّ أفواه ضد أصحاب الآراء المختلفة الذين عارضوا الحرب ورفضوا قبول الأجندة العسكرية كمسلّمة أو بديهية. كما انها تميزت بغالبيتها بسلبية تجاه واجبها في تقصّي ومناقشة الإجماع السياسي الذي ساد طوال أيام الحربوكان لافتاً المعلومات التي صدرت في عدد من وسائل الإعلام من قبل محررين وناشرين وذوي مناصب رفيعة المستوى، والتي عكست في فحواها تدخلاً مرفوضاً في مضامين ما ينشر ويذاع من أخبار وتقارير حول الحرب وإلى حد ممارسة الرقابة التي لا يمكن اعتبارها رقابة أمنية. وكل ذلك وسط التنكر لاحتياجات الجمهور وحقّه في المعرفة، ووسط التجاهل التام لحيوية مبدأ حرية التعبير وأهميته.
هذا الواقع المشوّه لأداء الإعلام الإسرائيلي خلال العدوان، لخّصه الصحافي والمعلق السياسي البارز في صحيفة «هآرتس»، عوزي بنزيمان، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس تحرير مجلة «العين السابعة»، عندما أفرد عدداً خاصاً من تلك المجلة لبحث أداء وسائل الإعلام خلال الحرب. وكتب بنزيمان، في افتتاحية العدد 64، «في حرب لبنان، شهدنا تكتلاً غير مألوف للإعلام حول عمليات الحكومة وخطواتها. ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الحادثة التي أدّت إلى انفجار الحرب (أي اختطاف الجنديين على الحدود مع لبنان، من جانب مقاتلي حزب الله) وحتى عشية إعلان مجلس الأمن الدولي اتفاق وقف إطلاق النار، تداعت الصحافة الإسرائيلية، على قنواتها المتنوعة، إلى الوقوف خلف قيادة الدولة والقيادة العسكرية العليا ومنحتهما تغطية لم نذكر مثلها منذ مدة طويلة. لقد تصرّف الصحافيون كوطنيين كاملين، فهم أيدوا قرارات المستوى السياسي وحرّكوا الرياح في أشرعة مبادرات المستوى العسكري. وقد استمرّ هذا التكافل طوال الحرب تقريباً، إلى درجة لم يكن بالإمكان فيها تمييز ما إذا كانت مواقف الإعلام هي صدى لتوجّهات أصحاب القرار، أم أنها تقود هذه التوجهات فعلاً. وفي هذا الانجرار أصبح الإعلام الإسرائيلي، باستثناء صحافيين قلائل غرّدوا خارج السرب، إعلاماً مجنّداً».

تحريض على جرائم الحرب

ربما يكون من الطبيعي أن تقف وسائل إعلام دولة ما إلى جانب قيادتها خلال الحرب، وأن تضع الموضوعية جانباً كي لا تُساهم في الهزيمة أو تُحبط معنويات شعبها. بيد أن ما هو غير طبيعي هو أن تتحول وسائل الإعلام والإعلاميون ممن يدّعون الليبرالية والتمسك بحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، إلى منصّة وأبواق تدعو إلى ارتكاب جرائم حرب وممارسة القتل الجماعي والعمل وفق شريعة الغاب، وتبرير ذلك من خلال استباحة دماء الأبرياء وممتلكاتهم عند «العدو»؛
فقد قدمت أيام العدوان أمثلة كثيرة على أن التيار المركزي في الصحافة الإسرائيلية، تحوّل من صحافة إخبارية ومُحقِّقة إلى صحافة تمجّد القوّة والتدمير والخراب، وسنكتفي بعرض مثالين، على سبيل المثال لا الحصر.
  • ففي 27 تموز 2006 نشرت صحيفة «معاريف» مقالاً بقلم أمنون دنكنر ودان مرغليت (الأول رئيس تحرير الصحيفة والثاني أحد كبار المحررين فيها)،
  • جاء فيه: «يجب أن نستخدم أولاً تفوقنا الهائل في استخدام وتفعيل نيران المدفعية والجوّ، بحيث لا تبقى أزقّة أو بيوت، وحتى تصبح الخنادق والتحصينات مدفونة تحت أنقاض الدمار. لا مكان في هذا الوقت للشفقة والإحساس المرهف. سكان القرى الذين أُنذروا بوجوب ترك قراهم هم المسؤولون عن حياتهم؛ فبعد ذلك يجب العمل (ضد هذه القرى) بكامل الحزم وكامل القوة النارية. لقد توصلنا إلى قرارات مماثلة في عمليات القصف الجوّي الثقيلة التي قمنا بها في بيروت وأماكن أخرى في لبنان، وقد أعلنا أننا لن نراعي أن هناك عائلة شيعية تعيش بطمأنينة في شقة قائمة فوق مستودع للصواريخ. الويل لنا إذا عملنا وفق معايير نسبية، فنحن نعيش هنا بشكل غير نسبي وسط بحر واسع من الأعداء الذين يسعون للفتك بنا. لا نريد أن نظهر كهمجيين أكثر من اللازم، كما اننا لا نريد أن نتكبد خسائر جسيمة بسبب إحساس مرهف أكثر من اللازم. علينا أن نمضي قدماً حتى النصر، بكثير من الحزم والتصميم وقليل من العواطف والحساسية»
  • ولم يكن زملاؤهم في يديعوت أحرونوت أكثر رحمة عندما دخلوا في منافسة حول نيل لقب الصحافة الأكثر إجراماً.
  • ففي 28 تموز 2006، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقالاً لرئيس تحريرها رافي غينات، جاء فيه:
    «على سبيل المثال: ما هو الأصح؟ تحمّل قتل خيرة مقاتلينا حتى نتجنب قتل قرويين في جنوب لبنان، وحتى يكون الجيش الإسرائيلي الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، أم محو قرى تشكل مأوى لإرهاب حزب الله. أوروبا ... تذرف دموع التماسيح على مصير لبنان... من وجهة نظر هؤلاء نحن دائماً الأشرار. لذلك فإن ما يفكرون به وما يقولونه ليس ذات صلة بالمسألة الأخلاقية... هذه الإشكالية القيمية والأخلاقية هي إذاً بيننا وبين أنفسنا. فقط بيننا وبين أنفسنا. أليس من المنطق والمشروع أن نتوصل مع أنفسنا إلى تسويات أخلاقية؟ أليس من المشروع أن نقوم، بقرار واعٍ، بخفض سقفنا الأخلاقي كي نضرب عدواً يتمتع بأخلاق لصوص الخيول وتجار المخدرات؟». وأضاف «ليس لديّ مشكلة في أن أكون أقل أخلاقية في نظر نفسي. أنا مستعد لأن اكتسح بالنار الحامية مخربي حزب الله وكل من يؤازرهم ويتعاون معهم أو تفوح منه رائحة حزب الله، وليمت أبرياؤهم بدلاً من أبريائنا». وختم بالقول «بعد كارثة بنت جبيل، لا يمكن لنا أن نجيز لأنفسنا الترف الأخلاقي. يجب أن نضرب بقوّة، ويجوز لنا أن نشعر بالارتياح إزاء ذلك».

    تحريض ضد فلسطينيي 48

    ربما يكون ممكناً إلى حد ما تفهم تحريض وسائل إعلام ما ضد العدو خلال الحرب، لكن أن تقوم وسائل الإعلام تلك بالتحريض ضد مواطنين في دولتها أو التعمية عن أوضاعهم لاعتبارات تتعلق بالتمايز القومي أو الديني أو السياسي، فهذه ممارسة إعلامية تشكل قمة العنصرية الإعلامية.
    وهذا ما تعرض له فلسطينيو 48 وقياداتهم السياسية خلال العدوان على لبنان، إذ تغاضت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أوضاعهم الخاصة خلال الحرب من جهة، وحرضت ضد قياداتهم من جهة ثانية. فقد تعاطت وسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال العدوان، مع المجتمع العربي في إسرائيل ومع المواقف السياسية «للمواطنين» العرب، من وجهة نظر الإجماع الصهيوني، بل ولم تعترف بحق هؤلاء العرب في بلورة وتبني موقف سياسي خاص، يمكن أن يكون مناقضاً لذاك الإجماع.
    ففي المسألة الأولى، توصلت لجنة مجلس الصحافة التي شُكلت بعد الحرب إلى الخلاصة الواضحة والمعروفة للجميع وهي التمييز في التعامل الإعلامي ضد الوسط العربي في إسرائيل. وبحسب «هآرتس»، فإنه «إذا كان هناك درس واحد على وسائل الإعلام أن تستوعبه من تقرير اللجنة، فهو عدم التغطية الكافية للجبهة الداخلية العربية». وأضافت «هذا القطاع لا يحظى بمعاملة متساوية في وسائل الإعلام، لا في زمن الحرب ولا في زمن السلام، وعلى الأمر أن يتغير. فالشكاوى التي طرحت أمام اللجنة بشأن الإهمال الإعلامي للوسط العربي، الذي تلقى نحو نصف الإصابات في الحرب، كانت محقة. وبرأي اللجنة، أخفقت وسائل الإعلام في تغطية معاناتهم في الحرب».
    وفي المسألة الثانية، لم تفعل وسائل الإعلام العبرية شيئاً من أجل تقصّي حملة التحريض التي جرت في فترة الحرب ضد قادة الجمهور العربي؛ فبدلاً من كشف هذا التحريض وإدانته من منطلق الدفاع عن حرية الرأي، نجدها قد ساهمت فيه وتجنّدت لبثّه وترويجه.
    لقد ساهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية في بث وترويج عبارات التحريض والعداء ضد أعضاء الكنيست العرب، سواء كان ذلك بالصمت الذي يمكن تفسيره كنوع من إضفاء الشرعية على هذا التحريض، أو بعدم إعطاء حق التعقيب لأعضاء الكنيست المذكورين. زيادة على ذلك، فقد كانت هناك حالات شاركت فيها وسائل الإعلام العبرية بشكل فعّال في إصدار الاتهامات والأحكام بحق قادة الجمهور العربي بصورة مباشرة، وسط استخدام أوصاف من قبيل «خائن» و«طابور خامس»... وثمة الكثير من الأمثلة على هذا الواقع مما لا مجال لذكرها الآن، ولكن أحد الأمثلة البارزة على حملة التحريض التي جرت ضد ممثلي الجمهور العربي، وبدرجة كبيرة بدعم وغطاء من وسائل الإعلام، قدمها الوزير روني بار ـــ أون (كديما) الذي هاجم بشدة عضو الكنيست جمال زحالقة من على منصة الكنيست بقوله: «أفعى ابن أفعى يفهم في علم الحيوان وفي التماسيح... شخص يتقاضى راتبه من الكنيست ويمارس الإساءة والتشهير مستغلاً الحصانة الممنوحة له. سأشعر بالبهجة والسرور إذا ما ذهبتَ مع بعض زملائك لزيارة لبنان كي تستمتع بما يستمتع به هناك زملاؤك. كلامك هو كلام متعاون ذليل
    وبغيض».
    وقد ارتأت محطة إذاعة «صوت إسرائيل» (العبرية) وصحيفة «هآرتس» وموقع «معاريف» الإلكتروني، نشر خطاب الوزير بار ـــ أون بأكمله في 18 و19 تموز 2006، لكنها لم تر أية ضرورة لتمكين عضو الكنيست زحالقة من الرد أو التعقيب، وهذا مناقض تماماً لتعليمات لائحة آداب السلوك في «مجلس الصحافة»، ولا سيما في ضوء خطورة تفوهات الوزير. أضف إلى ذلك، أن وسائل الإعلام المذكورة لم تنتقد ولو بشكل خجول المضمون العنصري والأوصاف اللاذعة التي توّجت أقوال الوزير بار ـــ أون التحريضية، وبضمن ذلك وصفه لقتل مئات الأبرياء بـ«المتعة».
    ومثال آخر، ما نشره في الأول من آب 2006 بن كسبيت في «معاريف» تحت عنوان «هل تسمع يا أحمد؟»، في إشارة إلى عضو الكنيست أحمد الطيبي، يبيّن فيه لأعضاء الكنيست العرب المسموح والممنوع في دولة إسرائيل. وبسبب آراء سياسية مناقضة لآرائه، يصف كسبيت ممثلي الجمهور العربي بأنهم «أشرار»، «خسيسون» أو «طابور خامس» وأنهم في كل الأحوال «سموم» ينبغي سجنهم أو طردهم. ويضع كسبيت العرب أمام خيارين: إمّا الإعلان عن ولائهم للصهيونية ولكل من يفكر ويشعر أنه صهيوني، أو الرحيل عن وطنهم.
    ومن البديهي القول إن هذا السلوك من جانب وسائل الإعلام العبرية لا يشكل مساً بحرية تعبير لدى العرب فحسب، وإنما يخلق مناخاً من التحريض والتخويف ونزع الشرعية يحول دون قدرة هؤلاء على القيام بدورهم من جهة، ويُعرض حياتهم للخطر من جهة
    ثانية.




    حدث في 24 تموز

    وصلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى بيروت في محطة أولى ضمن جولة تشمل القدس المحتلة ورام الله. وبدا من خلال الساعات القصيرة التي قضتها في بيروت عدم توصل اللقاءات التي عقدتها إلى أي نتيجة، لكونها لم تجد من يقبل بطروحاتها. وهي كانت قد التقت الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة، كما استضافت أقطاب 14 آذار في مبنى السفارة الأميركية في عوكر.
    ونشرت وسائل الإعلام الشروط التي حددتها رايس لوقف النار، وهي: الإفراج غير المشروط عن الجنديين الإسرائيليين، إقامة منطقة عازلة تنتشر فيها قوة دولية، إبعاد «حزب الله» بعمق عشرين كيلومتراً عن الحدود، نشر الجيش اللبناني، نزع سلاح «حزب الله»، عودة النازحين، تقديم مساعدات للبنان. وأهملت رايس أي ذكر لموضوع مزارع شبعا والأسرى اللبنانيين، كما رفضت أي إعلان فوري لوقف النار.
    في هذه الأثناء، كانت المقاومة تخوض، لليوم السادس على التوالي، مواجهات عند مثلث مارون الراس ـــــ بنت جبيل ـــــ عيترون، كبّدت خلالها الإسرائيليين عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، وإحدى مروحيات «الأباتشي» كانت تنقل جرحى أصيبوا في معارك مارون الراس وخمس دبابات «ميركافا».
    وفيما استمر انهمار الصواريخ على حيفا وعكا ونهاريا ومعظم المستوطنات الشمالية برغم التهديدات الإسرائيلية، فإن الاعتداءات الإسرائيلية تواصلت، وذهب ضحيتها عدد كبير من الشهداء والجرحى، وكان البارز فيها مطاردة سيارات الإسعاف، وأعلن متحدث باسم القوات الدولية أن أربعة جنود غانيين أصيبوا بجروح عندما تعرض موقعهم شرق صور لقصف إسرائيلي.




    كلـــب الحراســـة هـــزّ ذنبـــه

    في 27 أيار 2006، قام أحدهم بتصفية الحساب مع محمود المجذوب قائد العمليات في الجهاد الإسلامي في لبنان مفجّراً سيارته. الجهاد الإسلامي وحزب الله اتّهما إسرائيل. في اليوم التالي، شنّ حسن نصر الله هجوماً على أهداف في الشمال. إسرائيل ردّت بقوّة كبيرة. أظهر الجيش الإسرائيلي هذه المعركة كانتصار كبير له، وادّعى ممثّلوه أنّ حزب الله تلقّى ضربة وكان أوّل من يرمش. في صبيحة اليوم التالي، نشرت وسائل الإعلام في العناوين الرئيسية ادّعاءات الجيش الاسرائيلي كحقيقة لا تشكيك فيها، متحدّثة عن أنّه «أباد»، ليس أقلّ من ذلك، خطّ المواقع العسكرية الأماميّ لحزب الله. هذا كان فقط مثالاً واحداً على فشل وسائل الإعلام المتواصل في الفترة التي سبقت الحرب، ذلك الفشل الذي كان سبباً وإسهاماً قوياً في نتائجها الرديئة.
    إن الشعور بالانتصار، الذي ضخّمته الصحافة كثيراً، كان، من بين جملة أمور، في أساس الافتراض الذي دفع القادة الإسرائيليين الى الاعتقاد بإمكان هزيمة حزب الله من خلال النار من دون شن عمليات برية. في الثامن والعشرين من أيّار، احتفل الجميع بالانتصار ولم يصرخ أحد بأنّ الملك عارٍ من
    ملابسه.
    صحيح أن التحوّلات الاجتماعية التي مرّت بها إسرائيل خلال العقدين الأخيرين أدّت إلى إضعاف المؤسّسة الأمنية، وفي قلبها أجهزة الاستخبارات. ستّ سنوات من القتال المنخفض الوتيرة في المناطق أدّت إلى برودة المشاعر بشأن قدرات الجيش الحقيقية. ولكن بعضاً من المسؤولية يقع على كاهل الصحافة أيضاً.
    لو أُلفت لجنة تحقيق حول سلوك الصحافة في السنوات التي سبقت حرب لبنان والعناوين المتغطرسة التي تنبّأت بتصفية حزب الله خلال أيّام معدودات في بداية الحرب، لتمخّضت عنها توصيات شديدة جدّاً. لقد خانت وسائل الإعلام وظيفتها ولم تكشف تقريباً أيّاً من العيوب أو النواقص التي تكشّفت خلال الحرب.
    كيف يُعقل أن تؤدّي الحرب والتحقيقات التي تلتها إلى كشف مثل هذه الفجوات العميقة في درجة جهوزيّة الجيش والجبهة الداخلية والأذرع الاستخباريّة للحرب، من دون أن تُكشف أيّ منها قبل ذلك على يد كلب الحراسة في هذا الكيان الديموقراطي، الذي افترض به أن يكشف عورات السلطة التنفيذية!
    مثلما حدث قبل حرب يوم الغفران، تقبّلت وسائل الإعلام رواية الجيش الاسرائيلي في مسائل كثيرة على علّاتها، مثل ذلك التفاخر بتدمير خط المواقع الأمامي التابع لحزب الله في الثامن والعشرين من أيار. وإن وسائل الإعلام تفاعلت من دون ذرة انتقاد أو رقابة مع تصريحات المستوى السياسي الحماسية على غرار «نصر الله لن ينسى اسم عامير بيرتس». أما بعد الحرب فقد وفرت وسائل الإعلام الغطاء للجيش الاسرائيلي وقادته ونسيت أنها تتحمّل، بدورها، جزءاً من المسؤولية. الجهة التي كان يفترض بها أن تسبق الجميع (إلى ممارسة النقد الذاتي)، لم تكن أكثر من حكيم، لكن بمفعول رجعي.
    (افتتاحيّة يديعوت أحرونوت في 15/7/2007)