راجانا حميّة
باشر المجلس الأعلى للطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتعاون مع المنظّمة السويدية لرعاية الأطفال «save the children Sweden» جلسات مناقشة مسوّدة الشرعة «المنتظرة» عن أخلاقيات التعامل الإعلامي مع الأطفال
قد لا تعي بعض المؤسسات الإعلامية، إن لم نقل معظمها، أنّها تخطّت حدود حرّيتها في النشر أكثر ممّا هو مسموح به لها، ولا سيّما أنّها لا تتوجّه إلى فئة عمريّة واحدة في المجتمع. فالوسائل الإعلامية، شاءت أم أبت، تتوجه في المنزل أو في الشارع إلى أطفالٍ لهم أنماطهم الخاصّة في المتابعة والتلقّي. غير أنّ ترويج المؤسّسات الإعلامية السلبي لبعض المنتجات أو المفاهيم في برامج الأطفال المتخصّصة، أو شرودها في البرامج العادية والنشرات الإخبارية، يجعلها تتناسى الجيل الجديد من الأطفال الذين تنحّوا عن برامجهم إلى مشاركة الكبار في عالمهم. لكن ما يمكن مواجهة وسائل الإعلام به، يستحقّ أن تواجه به أيضاً الوزارات المعنيّة بحماية هذا الجيل. من هنا، عمد المجلس الأعلى للطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتعاون مع المنظمة السويدية لرعاية الأطفال «save the children Sweden» إلى إعداد مسوّدة «شرعة أخلاقيات التعامل الإعلامي مع الأطفال». فالوزارة المعنيّة ابتعدت في صياغة بنود الشرعة المسوّدة عمّا يفرضه الواقع من تحدّيات، فجاءت البنود «سماويّة» أو بالأحرى «منزّلة» لا تتطابق في غالبية الأحيان مع ما يعيشه الأطفال في واقعهم ولا سيّما الواقع اللبناني.
بالعودة إلى مسوّدة الشرعة المنتظرة، باشر المجلس والمنظّمة السويدية مناقشتها مع ممثّلي الوسائل الإعلاميّة في أولى جلساته التي عقدها، أمس، في فندق مونرو. وقد تناولت المسوّدة في موادّها «اللانهائية» كل النواحي المتعلّقة بحقوق الأطفال وما يجمع بينها وبين الوسائل الإعلامية، استناداً إلى شرعة حقوق الإنسان واتّفاقية حقوق الطفل. ولعلّ ما يسعف هذه المسوّدة التي أرادها معدّاها (مدير مركز التدريب في جريدة النهار الدكتور جان كرم والأستاذ في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية محمود طربيه) نقطة الانطلاق في مسيرة حماية الطفل وتمكينه قانونياً من الدفاع عن حقوقه، أنّها أتت من الناحية النظريّة لتنقذ الطفل من براثن التعاطي الإعلامي «اللامنهجي» مع الهواجس والتطلّعات، لكن هل تفلح في التطبيق؟
ربّما لم يتسنّ بعد الحكم على مدى فاعلية تطبيق هذه المواد، لكن ما يمكن تناوله الآن هو مضمون هذه المسوّدة، إذ ركّزت في مبادئها العامّة على أسسٍ ثلاثة، أوّلها التزام الأخلاقيات العامّة للإعلام، ولا سيّما حماية الطفل وحماية المصادر واعتماد الموضوعية والإنصاف وتجنّب الإغراءات وتضارب المصالح واحترام الخصوصية الشخصيّة وضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومة، إضافة إلى حق الإعلاميين في ممارسة ما يمليه عليهم ضميرهم «الإنساني». وفي الشق الثاني من المبادئ العامّة، شدّدت المسوّدة على ضرورة احترام المواثيق الدولية المتعلّقة بالطفل، إذ لا يجوز خرق اتفاقية حقوق الطفل في التعامل مع شؤون الأطفال عبر الأخبار أو المقابلة أو التعليق أو التحقيق أو غيرها من فنون الصياغة الإعلامية. كما دعت، في شق التعامل المهني مع شؤون الطفل، إلى احترام كرامة الطفل في جميع الظروف وإيلائه اهتماماً خاصاً بحقه في الخصوصية والاستماع إلى آرائه وضرورة إشراكه في اتخاذ القرارات التي تمسّه، إضافة إلى حماية المصالح الفضلى للطفل واستشارته والمسؤولين عن رعايته وتقويم أوضاعه بالنسبة إلى ما يترتب على أي عمل إعلامي من تبعات.
وتوجّهت المسوّدة إلى الوسائل الإعلامية، مفنّدة واجبات كل منها في ما يتعلّق بحماية الطفل من ضمن المبادئ المحدّدة، فبالنسبة إلى المقال الصحافي، شدّدت المسوّدة على ضرورة عدم ذكر الأسماء إلاّ في الحالات التي تخدم المصالح الفضلى للطفل وعدم التحريض على العنف. وفي ما يتعلق بالخبر والتقارير الاعلامية والمقابلات، ينبغي للوسائل الإعلامية استشارة الطفل والحصول على إذن خطّي من المقربين منه أو من يمثّله بلغته بالموافقة على الموضوع وإخفاء اسمه الحقيقي وطمس هويته المرئية والتفاصيل الأخرى التي قد تعرّف عنه بشكل مباشر. ولعلّ الجانب الأبرز في المسوّدة الذي أخذ حيّزاً من النقاش بنود برامج الأطفال المرئية والمسموعة، إذ طالب معدّو المسوّدة بضمان برامج ذات نوعية عالية وحماية الأطفال من الاستغلال التجاري وإشراكهم بمن فيهم ذوو الحاجات الخاصّة بحيث يسمعون أنفسهم ويشاهدون ويعبّرون. لكن ما يمكن قوله بعد عرض هذه الديباجة من الحماية والحقوق، أن هناك تناقضات كثيرة تعتري المسوّدة وتمنعها من إمكان التطبيق على أرض الواقع. فالفارق بين المطلوب والموجود شاسع إلى درجة ضياع القوانين المعترف بها دولياً، فكيف بمسوّدة «شرعة» قد لا تخرج قانونياً إلى العلن نظراً للتضارب بين الواقع وما تطرحه من تساؤلات وتمنيات.