إبراهيم الأمين
ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أول من أمس عن عدم إصابة إسرائيل لمخازن الصواريخ الخاصة بالمقاومة، لم يأخذ حجمه، بقدر ما أخذ الاهتمام كلامه عن امتلاك المقاومة في السنة الماضية والآن من الصواريخ ما يمكّنها من إصابة أي هدف في فلسطين المحتلة، برغم أهمية القسم الآخر لناحية أنه لم يسبق أن تلقّت إسرائيل تهديداً فعلياً بهذا الحجم ومن عدو حقيقي لا يزال في حالة حرب قاسية معها. كما أن للأمر أبعاده المتصلة بأن إسرائيل تعدّ العدة منذ 15 آب الماضي كما هي حال المقاومة لمواجهة جديدة ليس معروفاً متى سوف تحصل.
وفي مراجعة لنوعية ردود الفعل الصادرة من جانب العدوّ فإن القاسم المشترك هو محاولة تجاهل ما حصل لأهداف مختلفة، قد يكون أبرزها أن المتحدثين أو المعلّقين لا يملكون الحقائق الكاملة التي لا تزال قيادة الجيش تخفيها، والتي تمنع القيادة السياسية في إسرائيل أحداً من التحدث عنها، وذلك لأسباب عدة أبرزها:
أوّلًا: أن هيئة أركان جيش العدو تصرفت مع «ليلة الفجر» على أنها الإنجاز الأهم في حرب تموز الماضية، وأنها «فجر الخامس من حزيران اللبناني» نسبة الى العملية الجوية الهائلة التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي عشية السادس من حزيران عام 1967. وبالتالي فإن إعلان فشل هذه العملية يعني القضاء على ما بقي في الوهم الإسرائيلي الجماعي من إنجازات.
ثانياً: أن الإقرار بصوابية ما يعلنه نصر الله يتجاوز الفشل العسكري إلى مستوى أكثر خطورة، وهو يصيب الجهاز الاستخباري الإسرائيلي العسكري والمدني والتقني وخلافه، وهو الذي قالت مصادر إسرائيلية في وقت سابق إنه أنفق عشرات الملايين من الدولارات على تجميع «بازل مخازن الترسانة الصاروخية للمقاومة»، والإقرار بهذا الفشل يفرض مراجعة أمنية ذات مستوى خطير للغاية، ومن شأنه إثارة شكوك المؤسسة السياسية والعسكرية في العمل الأمني الإسرائيلي بالنسبة إلى المرحلة المقبلة.
ثالثاً: أن القيادة السياسية في اسرائيل لا يمكنها أن تؤكّد للجمهور في إسرائيل أن هناك عدواً شرساً يقف على بعد أمتار من الحدود وبحوزته صواريخ قاتلة يُمكن أن تصيب كل منشأة وكل مقرّ وكل منزل في إسرائيل. وفي هذا دعوة للسكان إلى «إضافة هاجس» جديد إلى الهواجس القائمة والمتراكمة بعد كل حرب مع لبنان وبعد كل انتفاضة في فلسطين.
رابعاً: أن النقاش الأهم يبقى متصلاً بأن قوى القرار في إسرائيل من جانبي الحكومة والمعارضة ليست مستعدة منذ الآن لوضع هذا الخطر في رأس الأولويات لأن في ذلك ما يفرض عليها جدول أعمال سريعاً نحو العمل على التخلص منه. فكيف والحال أنه ليس في إسرائيل اليوم من يقدر على الإجابة عن السؤال الأهم: إذا شن العرب الآن حرباً علينا فهل نقدر على ردعهم أو منعهم من تحقيق الانتصار؟
وفي عودة الى المقاربات الإسرائيلية لكلام الأمين العام لحزب الله فإن تناقضاً جدياً برز في المواقف، فبينما حرّض مصدر عسكري رسمي على نفي ما جاء في مقابلة «الجزيرة»، نقل مختصون عن ضباط في الجيش تأكيدهم أن حزب الله يملك صواريخ تصل الى 250 كلم، فيما أعلن القائد الأسبق لسلاح الجو إيتان بن إلياهو، «أن ما توقّعناه قد تحقّق من جهة تجديد حزب الله لعتاده». بينما حرص مصدر عسكري آخر على القول إن الحزب «أعاد بناء قوته العسكرية، بحيث تزيد على القدرات التي كانت قائمة قبل الحرب الأخيرة على لبنان، وخاصة في مجال الصواريخ البعيدة المدى التي يتجاوز مداها 70 كلم». وقال إن نشاطات حزب الله في جنوب لبنان مركّزة بشكل أكبر بكثير عما كانت عليه في السابق داخل المناطق المأهولة في الجنوب، واتهم المصدر العسكري سوريا بأنها تساعد على نقل السلاح الإيراني الى حزب الله. كذلك اتهم الجيش اللبناني بأنه وقّع اتفاقات غير مكتوبة مع الحزب لنقل ترسانته.
أمّا على مستوى الجمهور فإن اللافت ما ذكرته صحيفة «هآرتس» عن قيام جزء من سكان مستوطنات الشمال بتخزين المؤن والمواد الغذائية استعداداً لحالة الطوارئ. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين محليين وسكان إن «الناس في البلدات بدأوا يخزنون الغذاء الجاف بسبب توتر الأجواء وبسبب الأحاديث في وسائل الإعلام عن الحرب والأزمة مع سوريا».
وقد يعكس هذا النوع من التعليقات حالة الحذر غير المسبوق لدى الجمهور ولدى المتابعين إزاء المجهول الذي يتراكم قبالتهم، ولا سيما أن السنة التي مرت على العدوان، حفلت بتطورات وأحداث أجهزت على ما بقي من أوهام إسرائيلية في تحقيق الحرب لنتائج بارزة، إذ إن انتشار رجال المقاومة الذي كان على طول الشريط الحدودي لم يختف كما يظن الإسرائيليون الذين يتحدثون عن آليات جديدة، كذلك فإن انتشار القوات الدولية في كامل منطقة جنوبي الليطاني لم يؤثر مطلقاً على حركة المقاومة لناحية الجهوزية والاستعداد العملياتي، كما أن الوضع السياسي الداخلي في لبنان لم يشهد التحولات التي كانت إسرائيل ومعها عواصم غربية وقوى محلية تريد حصولها بغية وضع الجيش اللبناني في مواجهة المقاومة. يضاف إلى كل ذلك الوضع الشعبي لأبناء الجنوب من الذين وجدوا أنفسهم أمام مقاومة تحقّق انتصارات ميدانية وسياسية، وتوفر آليات إعادة الإعمار برغم كل الضغوط التي يمارس مسؤولون في الحكومة، وهو الأمر الذي لم يفتح سجالاً كانت إسرائيل تنتظره ليس بحدّ ذاته بل كانت ترى فيه مدخلاً الى بداية اهتزاز البنى الأهلية للمقاومة. بل أكثر من ذلك، فإن التطورات السياسية في الداخل اللبناني جعلت الجمهور اللصيق بالمقاومة يتصرف مع مستقبل سلاحها على أنه حاجة مزدوجة، واحدة بوجه العدوان وأخرى بوجه المعطى السياسي المقابل.
ووفق آليات القياس التقليدية، فإن كلام نصر الله على قوة المقاومة الصاروخية سوف يكون له وقعه الداخلي، وسوف يخرج وليد جنبلاط غداً ليقول في ذكرى ميلاد أحد مخاتير الشوف الأعلى إن «صواريخكم لا تخيفنا...» إلى آخر المعزوفة المملّة. كما سوف يتصرف آخرون على أساس أن ما قاله نصر الله مناسبة لشنّ المزيد من الحملات تحت عنوان تهريب السلاح عبر الحدود السورية. وثمة من سوف يخرج في مجلس الأمن وفي عواصم غربية وحتى عربية ليتحدث عن ضرورة إيجاد آليات تمنع وصول الأسلحة الى المقاومة. لكن كل ذلك لا يخفي حقيقة أن النقاش الأكثر صعوبة سوف يظلّ قائماً داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، التي باتت الآن مضطرة إلى الإجابة عن السؤال نفسه: هل حقاً فشلت عملية «ليلة الفجر».. ولماذا؟