عرفات حجازي
غداً يكمل المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران جولته على القادة السياسيين ويعود إلى باريس، ناقلاً إلى وزير الخارجية برنار كوشنير حصيلة انطباعاته والاستنتاجات التي خرج بها وجدول الأعمال الذي وضعه له لزيارته المقبلة إلى بيروت في الثامن والعشرين من الشهر الجاري إذا لم يطرأ جديد يؤجلها.
حتى الآن لم يرشح سوى القليل عن طبيعة المناقشات التي يجريها كوسران مع قادة القوى السياسية ومدى استعداداته لإعادة الاعتبار إلى الحوار الداخلي الذي سبق أن خاضوه في المجلس النيابي، فالرجل رغم إطلالاته الإعلامية المكثفة يحرص على البقاء في العموميات واختيار كلماته بدقة محاذراً الغوص في تفاصيل ما يعمل على إنجازه مركّزاً في كل لقاءاته على دور اللبنانيين في صنع وفاقهم الداخلي بمساعدة الآخرين أشقاءً كانوا أم أصدقاء، وأن التحرك الفرنسي من هذا المنطلق يرمي إلى توفير الظروف والمناخات الإقليمية والدولية المسهّلة لإنتاج تسوية لبنانية تضع خاتمة سعيدة لأزمتهم السياسية المعقدة وتفادي الوصول إلى بدائل خطرة في ظل الوضع المأزوم في المنطقة.
ويقول متابعون لسير الدبلوماسية الفرنسية إن كوشنير يطمح إلى البناء على نتائج لقاء سان كلو، وهو مصمم على عدم التراجع ويأمل أن تؤدي المتابعة الفرنسية إلى ترجمة المناخ الإيجابي الذي أطلق الحوار بطاولة مستديرة تكمل ما بدأه الأقطاب في آذار العام الماضي سواء كان ذلك برعاية الجامعة العربية أو برعاية مشتركة فرنسية عربية، وقد جرت اتصالات بهذا المعنى مع الرئيس بري الذي اختصر إجازته وعاد إلى بيروت من أجل أن يبادر الى دعوة الأقطاب إلى الحوار في ساحة النجمة، لكن بري سبق أن أبلغ الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى والمسؤولين الفرنسيين أنه من غير المفيد أن تنعقد طاولة الحوار إذا لم تكن هناك ضمانات لنجاحها، فالحوار من أجل الحوار لا يوصل إلى مكان ولا بد من ايجاد تفاهمات مسبقة أقلّه على العناوين الأساسية في الملفين الحكومي والرئاسي. وأنه إذا ما توافرت لديه معطيات مشجعة لن يتأخر في دعوة موسى الذي ينتظر إشارة منه ليعود إلى بيروت لتظهير بنود الحل وإضفاء الطابع العربي على إخراجها منعاً للتدويل الذي لا ترغب فيه الدول العربية. وعُلم أن الرئيس بري ينتظر بلورة حركة الموفدين ونتائج المشاورات التي يجرونها ليبني على أساسها تحركه المقبل.
وفيما ينصح بعض القادة السياسيين الموفد الفرنسي بإرجاء زيارة كوشنير إلى ما بعد الانتخابات الفرعية في بيروت والمتن الشمالي، لأن زيارته ستكون في ظل أجواء متوترة لن تساعد على توفير الأسس الضرورية للدبلوماسية الفرنسية لانجاح مهمتها ، تركّز القوى السياسية سواء في الأكثرية أو المعارضة على الانتخابات الفرعية التي ستعكس الحجم السياسي والشعبي للفريقين.
وإذا كانت معركة بيروت الثانية محسومة لمصلحة تيار المستقبل بعد إعلان حزب الله وحركة أمل قرارهما عدم الترشيح والاقتراع انطلاقاً من قناعتهما بعدم شرعية حكومة السنيورة وعدم الاعتراف بكل ما يصدر عنها، بما فيها قرار دعوة الهيئات الانتخابية وبالتالي فإن التنظيمين الشيعيين سيكونان خارج اللعبة الانتخابية، عدا أن موقفهما يرتبط بعدم إعادة تحريك الحساسية المذهبية التي تراجعت حدتها في الآونة الأخيرة، فإن معركة المتن الشمالي، بعد أن تراجعت حظوظ التوافق بين العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل، ذاهبة إلى منازلة حادّة إذا لم تظهر مفاجأة تجنّب عائلات المتن والقوى السياسية المتعددة فيها معركة يرى الكثيرون أنها أكبر بكثير من حجم مقعد نيابي شاغر، فهي تطرح في توقيتها وحساباتها احتمالات كثيرة، ولأن نتائجها سترتبط باستحقاق رئاسة الجمهورية عدا كونها معركة استفتاء للمسيحيين حول زعامة جبل لبنان ومَن يفز فيها يقرر مصير معركة رئاسة الجمهورية. وعلى هذه الخلفية بدأت أطراف الموالاة والمعارضة تعبئ كل قواها لترمي بثقلها في هذا الاستحقاق، ففريق السلطة يريد سحب ورقة الزعامة المسيحية من التيار الوطني الحر واستعادة زمام الأمور في جبل لبنان وقلبه المتن الشمالي الذي يعدّ تاريخياً معقلاً للكتائب ولزعامة الرئيس الجميل، فيما العماد عون يريد أن يحافظ على الانتصار الكبير الذي حققه في انتخابات عام 2005 ولإبطال مقولة أن التيار العوني خسر كثيراً من شعبيته جراء تفاهمه مع حزب الله، وأن المزاج الشعبي المسيحي لم يتغير عمّا كان عليه في الانتخابات العامة حيث كان هناك تيار جارف لمصلحته. من هذه المنطلقات يخوض الطرفان معركة الزعامة تحت عناوين سياسية كبيرة وجاذبة للناخبين، فإذا كان الجميل يراها معركة السيادة والاستقلال وقطع الطريق على إعادة عقارب الزمن إلى الماضي القريب بكل سجله الأسود، فإن العماد عون يراها معركة الحفاظ على ما بقي من صلاحيات رئاسة الجمهورية والحد من تهميش المسيحيين وتصحيح الخلل في التوازن الوطني.
وإذا كانت المواجهة في المتن تأخذ هذا الحجم السياسي الكبير، فإن ظروفها ومعادلاتها وحساباتها ونتائجها ستقرر مصير مرحلة سياسية بكاملها انطلاقاً من فرز موازين القوى في الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً أن قوى خارجية ترمي بثقلها إلى جانب الرئيس الجميل لعدم تمكين العماد عون من تحقيق فوز يعزز حظوظه في الوصول إلى سدّة الرئاسة وإسقاط مقولته عن زعامته للشارع المسيحي، فيما قوى أخرى ترى من مصلحتها دعم العماد عون وتشجيعه على الاستمرار في المعركة التي يمثّل انتصاره فيها هزيمة للخط السياسي الذي يقوده فريق الرابع عشر من آذار بدعم مكشوف من الولايات المتحدة الأميركية.