• إرسال الجيش الى الحدود وتعزيز اليونيفيل كان طرحنا فريق السلطة طالب بقوات متعددة الجنسية تحت الفصل السابع
  • تحدّث الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في الجزء الثاني من حواره مع قناة «الجزيرة» عن تفاصيل المفاوضات التي دارت إبّان العدوان الإسرائيلي حتى التوصل إلى اتفاق وقف العمليات الحربية في 14 آب، مؤكداً أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «قاتل حتى آخر روح» لإقامة منطقة عازلة جنوبي الليطاني
    تحدث السيد حسن نصر الله في بداية اللقاء عن معنى وصف النصر على إسرائيل بـ«الإلهي»، فأكد أن «المقاومة عمل وطني، لكنها بالدرجة الأولى بالنسبة الينا تكليف إلهي ديني شرعي ينسجم مع شرائع السماء كلها. والله أمرنا بأن نُعدّ العدّة، وأن نأخذ في القتال كل الأسباب العسكرية، السياسية، المادية، الاجتماعية، المعنوية والإعلامية الخ... الى جانب هذا، نحن نؤمن بأن الأمر هو بيد الله سبحانه وتعالى أوّلاً وأخيراً. كل شيء نستطيع أن نقوم به على مستوى الأخذ بالأسباب أخذنا به، وكل شيء نستطيع فعله في مساحة القدرة والطاقة فعلناه».
    ووصف نصر الله التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بأنه «أساس وطني كبير، ومفصل مهم في الموضوع المسيحي ـــــ الإسلامي في لبنان»، حتى بات يقال «ما قبل التفاهم وما بعده»، مؤكداً للمسيحيين أن الحزب «ملتزم تماماً التفاهم»، وداعياً «كل من يثير مخاوف لها علاقة بحزب الله» الى أن يقرأ التفاهم «بشكل جيد».
    وعن موقف رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون إبّان العدوان، قال نصر الله: «بحسب معرفتي بالعماد عون، أرى أن من جملة خصوصياته الصدق والوفاء. قد تختلف معه في السياسة، لكنه يلتزم ما يلتزمه. وجاء الموقف في زمن الحرب ليؤكد رؤيتنا وفهمنا، وكنا سعداء جداً بأنه ثبت أن رؤيتنا وفهمنا للرجل ولتياره صحيح»، مشيراً الى أن ذلك «ينطبق على بقية القيادات المسيحية والإسلامية الوطنية، لأنه منذ اليوم الأول (للعدوان) تبيَن أن هناك حرباً عالمية، وأن من المستحيل أن نربح، (لذلك) الذين وقفوا الى جانب المقاومة بنوا موقفهم على أساس أخلاقي وإنساني ووطني، لا على أساس مصالح شخصية، على رغم حجم الهجوم الكبير علينا»، لافتاً الى «ثقافة الوقوف على التل عند بعض اللبنانيين، (إلا أن) كل الذين أخذوا المواقف منذ اليوم الأول لم يقفوا على التل، وما كان يعنيهم النتائج السياسية والعسكرية للمعركة، وكانت خلفيتهم أخلاقية ووطنية، لذلك قلت إننا نشعر بأن لهذه القيادات والتيارات والقوى ديناً في أعناقنا لا يمكن أن ننساه الى يوم القيامة». واستطرد بأن «أحداً لم يقف على التل. هناك ناس احتضنوا المقاومة سياسياً وحياتياً واجتماعياً وعسكرياً، واعتبروا أن مصيرهم ومصيرنا واحد. وهناك آخرون اتخذوا الموقع الآخر، وعندما طالبنا بحكومة وحدة وطنية، كان الرد بأن حكومة الوحدة الوطنية انتحار. وصدرت بيانات قاسية حمّلتنا مسؤولية الحرب، وتكلمت بلغة العدو الإسرائيلي نفسها وأن الحرب كانت من أجل سوريا وإيران. هناك قوى لا أنكر أنها أوعزت لقواعدها الشعبية بالاهتمام الإنساني والاجتماعي، وأنا شكرتهم، لكن على المستوى السياسي والإعلامي والموقف السياسي لم يكونوا معنا».
    وعن اتهام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بأنها طعنت المقاومة في الظهر، قال: «منذ الأيام الأولى للحرب، حدّد الإسرائيلي والأميركي الهدف، بإنهاء حزب الله بالمعنيين العسكري والسياسي، وإطلاق سراح الأسيرين بلا قيد أو شرط، وإرسال قوات متعددة الجنسية تحت الفصل السابع الى جنوب لبنان، ما يعني أنه لا الأميركيون ولا الإسرائيليون ولا حتى بعض الأطراف الداخلية كانوا في ذلك الوقت يتكلمون عن إرسال الجيش الى الجنوب، لأنهم كانوا يتعاطون مع الجيش على أنه غير موثوق به». وذكّر بأن «الحكومة اللبنانية قالت منذ اليوم الأول أن لا علاقة لها بالأمر. منذ بداية الحرب قالوا إن المعركة لن تتوقف وستسحقون وكانوا يضغطون علينا. كنا نطرح وقف إطلاق نار غير مشروط، فيما كانت هناك قيادات ترفض عبر وسائل الإعلام مجرد وقف إطلاق النار، وتطالب بحل شامل للمشاكل مع إسرائيل، ما يعني أنهم كانوا يقولون: استمري يا إسرائيل في تهجير الناس والقصف والقتل. القصف كان ينزل على رؤوسنا والرئيس السنيورة لا يريد وقف إطلاق نار إلا بعد حل موضوع مزارع شبعا. كانوا يستغلون الحرب ودماءنا وأشلاءنا وبيوتنا وناسنا والبلد كله». وأضاف: «كل الكلام معنا كان أن نسلّم الأسيرين والسلاح طوعياً، ليس في جنوب الليطاني فقط بل سلاح المقاومة كلها، وأن نقبل معهم بقوات متعددة الجنسية، لأن عدم قبولنا كان يعني أننا نعتبرها قوات احتلال. لكن مع تطور الوضع الميداني بدأ السقف السياسي الأميركي ـــــ الإسرائيلي ـــــ الفرنسي ـــــ الأوروبي ــــــ العربي ـــــ الداخلي بالانخفاض».
    وكشف «أننا منذ البداية، لأنه من المنطقي أنه لا يمكن العودة الى الوضع الذي كان قبل 12 تموز، طرحنا والرئيس بري فكرة إرسال الجيش الى الحدود وتعزيز قوات «اليونيفيل». في الأصل طرح إرسال الجيش الى الحدود وتعزيز اليونيفيل كان طرحنا. أما طرح فريق السلطة فكان قوات متعددة الجنسية تحت الفصل السابع. أما موضوع الأسيرين فكان هامشياً جداً». وتابع: «قبلنا بتعزيز اليونيفيل تحت إمرة الأمم المتحدة، وليس بقوات دولية تحت إمرة أميركا أو فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا. كما رفضنا إقامة منطقة عازلة. الرئيس بري قال لهم: نقبل بمنطقة عازلة على طرفي الحدود، لكن من غير الوارد أن يكون الإسرائيلي بمدافعه ودباباته وجنوده على الحدود، ونحن نقيم له منطقة عازلة جنوب الليطاني. هذا الطرح كان فؤاد السنيورة يقبله، وكان يقاتل من أجله حتى آخر روح، ومحاضر مجلس الوزراء موثقة وموجودة. رفضنا قوات متعددة الجنسية، ومع الوقت بدأ يظهر أن الإسرائيلي في مأزق ولا يستطيع أن يكمل. عندها بدأت اللغة السياسية تنزل، وقبلوا بقوات اليونيفيل المعززة التي ناقشنا مهماتها لآخر لحظة حتى تم الاتفاق، وهذا ما ورد في الـ1701 بارسال الجيش الى الحدود وتعزيز قوات اليونيفيل في جنوب الليطاني».
    وعن النقاط السبع التي طرحها السنيورة، قال: «يتكلمون عن دولة المؤسسات. عندما ذهب السنيورة الى روما وتكلم عن النقاط السبع هل اتخذ قراره في مجلس الوزراء؟ كلا. بعدما تكلم في روما لم نعلّق أيضاً، لأننا خلال 33 يوماً اتخذنا القرار بأننا لا نريد أن نثير مشكلة مع أحد، رغم كل التجني علينا والإساءة إلينا».
    وتابع: «بعد ذلك حصل نقاش في مجلس الوزراء وقلنا للرئيس السنيورة إنك تصرفت بشكل غير مؤسساتي أولاّ، وثانياً هناك نقاط من البنود السبعة لا نوافق عليها. على سبيل المثال وضع مزارع شبعا تحت سلطة الأمم المتحدة. نحن نوافق على أن تخرج إسرائيل من مزارع شبعا، لكن على طاولة الحوار الوطني أجمعنا على أن المزارع لبنانية، ويجب أن تعود إلى السيادة اللبنانية، أنت يا دولة الرئيس ذهبت وحيداً وطلبت وضع المزارع تحت سيادة الأمم المتحدة. أنت أين اتخذت هذا القرار؟ أما النقطة الثانية وهي أن لا سلاح إلا سلاح الدولة واتفاقية الهدنة، قلنا له هاتان النقطتان موجودتان على طاولة الحوار وتتم معالجتهما ضمن استراتيجية دفاعية وطنية، ولا تستطيع أن تحسم هذا الأمر مستفيداً من ظروف الحرب. يومها قال الرئيس إميل لحود وبعض الوزراء إنه لا يجوز أن نخرج منقسمين ونحن نخوض معركة سياسية كبيرة، واتُفق على أن يصار الى كلام عام حول عناوين النقاط السبع، وعندما يصبح هذا الموضوع جدياً يُناقش بالتفصيل على طاولة مجلس الوزراء. بعد ذلك قيل إننا تراجعنا عن الإجماع. أتحدّاهم وأقول لهم إن هناك محضر مجلس وزراء وأنا أحتكم الى المحضر. ما قاله الوزير محمد فنيش في مجلس الوزراء يُلزمني. لم يحصل إجماع على النقاط السبع، وأطالب الفريق الحاكم بأن يُخرج الى اللبنانيين محضر جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بعد عودة الرئيس السنيورة من روما لنعرف من يقول الصدق».
    وعمّا إذا كان موضوع نزع سلاح «حزب الله» خلال العدوان أمراً جدياً أم أنه كان تهويلاً، أكد أنه «كان مطروحاً بقوة. لا أريد أن أدخل في الأسماء. محاضر مجلس الوزراء موجودة وأنا أحتكم اليها أيضاً. حتى الأيام الأخيرة للعدوان، ورغم أن الإسرائيليين بدأوا بالتنازل، كان فريق السلطة يطالبنا بجنوب ليطاني منزوع السلاح. بعض مسؤولي الأمم المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية قبلوا بما طرحناه، أي بمنطقة ليس فيها سلاح ظاهر ينتشر فيها الجيش واليونيفيل، لكن فريق السلطة استمر مصرّاً على جنوب ليطاني منزوع السلاح. وحتى آخر يوم عندما كنا نناقش إرسال الجيش الى الجنوب عطَلوا هذا القرار لأنهم عندما لم يأخذوا منا التزاماً بسحب السلاح جنوب الليطاني، أرادوا أن يضعوا مهمة للجيش بأن ينتشر في منطقة منزوعة السلاح ويحق له أن يداهم أي بيت وفي أي مكان يعتقد بوجود سلاح فيه. حصل نقاش. وكان للرئيس بري ولقائد الجيش دور أساسي في هذا النقاش، وكاد الوضع الداخلي ينهار حول هذه النقطة، وكاد وزراؤنا ووزراء حركة «أمل» يستقيلون من الحكومة في الأيام الأخيرة للحرب. أكثر من ذلك، تبلّغنا في 13 آب بأن هذا وقف عمليات لا وقف إطلاق نار، وأنه ممنوع على المهجرين العودة. هذا ما أبلغتنا به جهات رسمية، وقالوا لنا بصراحة إن المهجرين سيبقون خارج مناطق التهجير الى حين تسوية النقاط العالقة المرتبطة بجنوب الليطاني وبسلاح المقاومة، لكن كان رد الناس يوم 14 آب عظيماً جداً».
    وعن رؤيته لمستقبل لبنان قال: «بعد الحرب طالبنا بحكومة وحدة وطنية. لم أهاجم أحداً ولم أتهم أحداً ولم أخوّن أحداً خلافاً لما يقولونه. قلنا نريد وفاقاً وطنياً وتوظيف نتائج الحرب للمصلحة الوطنية، وقلت أكثر من ألف مرة إن هذا النصر للبنان ولشعبه. لم أقل أريد زيادة وزرائنا، ولم أطالب بتغيير أمور طائفية أو مذهبية كما حاولوا أن يقولوا إن حزب الله يريد استغلال الوضع لتحسين موقع الشيعة في السلطة. كل ما قلناه حكومة وحدة وطنية. فماذا كان الردّ علينا؟ أن طرح حكومة الوحدة الوطنية هو عنوان انتحار. ماذا تفهم من هذا الكلام؟ تفهم منه أن الموضوع ليس محلياً بل موضوعٌ حساباته في مكان آخر. أنا مقتنع بأن هناك إرادة لبنانية للحل وقبل فترة كنا نكاد أن نتفق على حكومة وحدة وطنية. بعد ذلك قام السفير الأميركي بالجولة المطلوبة فيتغيّر الموقف كله. أنا مقتنع بأن لدى أغلب القيادات في فريق السلطة رغبة في معالجة الوضع الداخلي، وكل قيادات المعارضة لديها الرغبة نفسها. من يمنع هو الأميركي الذي يعتقد بأنه إذا أعطى حكومة وحدة وطنية فهو بحسب توصيفه، وهذا خطأ، يعطي سوريا وايران شيئاً في لبنان، في وقت لم يأخذ فيه شيئاً في العراق وفلسطين، من يتعاطى على أساس أن قضايا المنطقة ملف واحد ومشروع واحد هو الأميركي لا نحن. نحن لا نرهن مصير لبنان بمصير غزة أو العراق. عندما حصلت أحداث غزة اتهموا إيران وسوريا، وزادوا عليهما قطر أخيراً. دائماً يربطون الأحداث بصراع المحاور القائمة. من مصلحة لبنان قيام حكومة وحدة وطنية ومن يعرقل ذلك هو السفير الأميركي بقرار من إدارته».
    وعن مصير اعتصام المعارضة، قال إن «الاعتصام تفصيل. المناخ السياسي الذي صنع بعد الحرب هو المشكلة. هناك صورة معكوسة لأن إعلام الطرف الآخر أقوى، مفادها أننا عندما انتهت الحرب حوّلنا هجومنا على الداخل. نحن لا نطالب بإسقاط الحكومة أو تغييرها، لكن بتوسيعها لتصبح حكومة وحدة. لكنهم أكملوا الهجوم علينا وما زال الهجوم مستمراً لتحقيق ما فشلوا في تحقيقه عسكرياً، وهناك حملة منظمة وغرفة عمليات إعلامية سياسية موجودة في لبنان والعالم العربي وفي الغرب لتشويه صورة هذه المقاومة، وهذا الحزب الذي حقّق لنفسه مكانة راقية جداً بين العرب والمسلمين وشعوب العالم».
    ورأى أن المخرج من الأزمة الحالية هو في تأليف حكومة وحدة وطنية، مكرراً أن «حزب الله» «لا يريد أي وزير». وعما اذا كان البلد متجهاً الى حكومتين، أو الى حكومة انتقالية، أجاب إن «كل شيء وارد وكل الأمور تتم مناقشتها حالياً».
    وعن الأسرى في إسرائيل أكد «أننا قوم لا نترك أسرانا في السجون، وهؤلاء الإخوة قطعاً سيعودون الى أهاليهم باعتزاز، وهناك مفاوضات قائمة، وسيأتي يوم إن شاء الله نستعيد فيه إخواننا وبالطريقة العزيزة والكريمة ودون منَة من أحد»، رافضاً الخوض في تفاصيل عملية التفاوض «حتى لا نخرّبها. والمفاوضات قائمة وهناك جلسات مستمرة مع الوسيط الدولي».
    وعن الاعتداءات المتكررة على «اليونيفيل» ترك الأمر للتحقيق، مشيراً الى أن «بعض الناس حاولوا أن يرموها على حزب الله، وهذا غير منطقي. قالوا إنها القاعدة. ممكن، لكن بما أننا نتكلم عن فرضيات، فالإسرائيلي إذا كان لا يريد أن يقوم بحرب فمن مصلحته زيادة عديد القوات الدولية في الجنوب وتحويلها الى الفصل السابع. عندما يكون وضعها الأمني في خطر، ستضطر الى تغيير قواعد الاشتباك، وإذا أراد القيام بحرب فله مصلحة في تطفيشهم، وخصوصاً إذا فكروا في الحرب المقبلة أن يقوموا بعملية برية واسعة، إذ سيكون محرجاً لهم وجود قوات يونيفيل. لذلك الاحتمال الإسرائيلي وارد، وهناك احتمالات أخرى لا أستطيع أن أنفيها، والعبرة في التحقيقات الأمنية، واستهداف قوات اليونيفيل يقلقنا».
    ورداً على سؤال عما اذا كان «حزب الله» قد أجرى تقويماً داخلياً لاستخلاص العبر من الحرب كما فعلت اسرائيل، أكد «أننا أنهينا ذلك قبل الإسرائيليين. نحن حركة مقاومة والعبر التي نستخلصها هي لأنفسنا، ولا نستطيع أن نقدَمها إلى الإسرائيلي. أجرينا التقويم لنقاط القوة ونقاط الضعف والمواقف والعيوب، ونحن نعمل على أساس هذا التقويم الآن».