جان عزيز
أصاب النائب سمير فرنجية، في كلامه يوم أمس من الديمان، خير إصابة. فهو وضع الاستحقاق الانتخابي الفرعي في سياق سياسي ـــــ جنائي، متكامل في ثلاث حلقات: مَن يقتل، ومَن يغطي الجريمة، وأخيراً مَن يستفيد منها. والأسئلة الثلاثة باتت تتمتع بالكثير من عناصر الاستجلاء والاستنتاج، في جريمة 21 تشرين الثاني الماضي، والتي أودت بحياة الوزير والنائب بيار الجميل.
فلجهة السؤال الأول: مَن قتل بيار الجميّل، ثمة كلام كثير، ولا حقيقة حتى اللحظة. غير أن التدقيق في الكلام المرمي، يشير إلى ما يكفي من الوقائع. خصوصاً بعدما اضطرّت السلطة على ما يبدو، إلى كشف العلاقة بين الجريمة المذكورة وبين عناصر فتح الإسلام.
علماً أن جهات إعلامية قريبة من السلطة كانت قد حاولت في فترة سابقة، توجيه الاتهام إلى ناحية أخرى. فكتبت على سبيل المثال إحدى الصحف الخليجية المعروفة بتسويقها لروايات أجهزة السلطة، وذلك في 22 كانون الأول الماضي، أن «التحقيق في اغتيال الجميّل قاد إلى كشف أسلحة ومتفجرات وصواعق وضبطها، واعتقال 7 من القوميين السوريين». وسارع يومها أحد أجهزة السلطة إلى تضخيم الموضوع واستغلاله أمنياً، قبل أن ينتهي قضائياً بصمت مريب، ولم يبق منه غير التسريبة المخابراتية اللبنانية إلى الصحيفة المذكورة، بأن تحقيقات أميركية وكندية مع مناصرين للعماد ميشال عون انتهت إلى «التوصل إلى معلومات واعترافات لها علاقة بقضية اغتيال الجميل». وهو ما ثبت لاحقاً أنه كذب مدسوس من جهة معروفة. غير أنه كان كافياً لتعيد نقله وسائل إعلام السلطة لبنانياً، ومواقع القوى السياسية المعنيّة بالجريمة مباشرة.
واستمر هذا النمط من تضليل التحقيق أشهراً طويلة، رغم تأكيد رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني، أن لجنة التحقيق الدولية أبلغت قيادة الحزب، وجود شريط مسجّل بواسطة قمر اصطناعي، لساحة الجريمة وفي وقتها الحي. وفيما تغاضت الأجهزة المعنية لبنانياً عن هذا الدليل الخطير، ذكر أن متابعة دولية حصلت، وهذا ما أدى لاحقاً إلى ضبط السيارة المشتبه في أنها الجانية في سوريا. وإزاء تجاوب النظام السوري الكامل في الموضوع، ومبادرته قبل أسابيع عدة إلى تسليم السيارة المقصودة إلى الانتربول، لوحظ أن إعلام السلطة انكفأ فجأة عن استغلال الموضوع. وهو ما قيل إنه مرتبط بكلام عن وجود موقوفين اثنين في دولة عربية معنيّة بالقضية. وبالتالي التزم إعلام السلطة الصمت الكامل، استناداً إلى إيعاز محتمل بعدم التورّط في الموضوع، خوفاً من مفاجآت ممكنة، تماماً كما حصل في حالتي محمد زهير الصديق وهسام هسام.
وفي انتظار الجدية المطلوبة من السلطة لتبيان مَن ارتكب جريمة اغتيال بيار الجميل، يطرح السؤال الثاني من الثلاثية التي أثارها النائب فرنجية: مَن غطّى الجريمة؟ وهو السؤال الذي يجد مرادفاً مطابقاً له في السؤال المقابل: مَن حاول ويحاول «لفلفة» ملف التنظيم الأصولي السني «فتح الإسلام»؟ وبالتالي مَن أعلن عند اندلاع المعارك أن لا مسلحين سعوديين بين التنظيم، ليتبيّن لاحقاً أنهم بالعشرات؟ ومَن حاول تسليم هؤلاء إلى الرياض، وهل أخضعوا للإجراءات القانونية اللبنانية، وهل تم التحقيق معهم في القضايا الجرميّة الحاصلة؟
علماً أن هذا السؤال يستولد مجموعة أخرى سابقة من الأسئلة، فكيف دخل هؤلاء السعوديون إلى لبنان؟ ومَن فرض منذ 15 عاماً وحتى اليوم إجراء إعفائهم من سمات الدخول؟ خصوصاً أن معلومات موثوقة تشير إلى أن جهات روحية غير لبنانية، كانت توصي جهات مماثلة في الداخل اللبناني، بمساعدة هؤلاء على التمركز في لبنان وبدء عملهم السلفي الطابع، وذلك منذ عقد كامل.
والسؤال نفسه يقود أيضاً إلى سلسلة لاحقة، من نوع الاستفسار عن التحقيق في اغتيال «أبو جندل» في طرابلس. ولماذا سكت ذووه عن الموضوع، بعد التهديد التلفزيوني الشهير لوالده؟ واللافت في هذا السياق أن جهات إعلامية تتبادل شريطاً مصوّراً لشخص تطلق النار عليه وتتم تصفيته بدم بارد، تلي ذلك صيحات «الله أكبر». ويتم التداول بأن لهذا الشريط علاقة ما باغتيال «أبو جندل» نفسه غداة انفجار قضية «فتح الإسلام ـــــ غيت» داخلياً وخارجياً.
ويبقى السؤال الأخير من ثلاثية الديمان اليوم: مَن حاول استغلال جريمة اغتيال بيار الجميّل؟ وفي هذا السياق تكرّ سبحة المشاهد المؤلمة منذ 21 تشرين الثاني الماضي، تاريخ وقوع الكارثة وحتى اليوم، مروراً بالمداهمة المتلفزة لشقة شارع المئتين في 20 أيار، وبالتفجيرات المتنقلة الحريصة على أرواح المواطنين، وصولاً إلى اغتيال المغفور له وليد عيدو في 13 حزيران الماضي. والسلسلة المترابطة هذه، تثير النقاط الآتية:
ـــــ مَن الذي صودف تمتعه بالجهوزية الكاملة للانقضاض على ميشال عون إعلامياً وسياسياً وعلى الأرض، بعد لحظات على وقوع الجريمة؟ ومَن الذي تولّى تحريض الوالد والوالدة الثاكلين فوق رأس شهيدهما؟
ـــــ كيف ظلّت التفجيرات التي تلت اندلاع معارك البارد، والتي تنقّلت في مناطق غير مأهولة نسبياً، دون اكتشاف أي خيط؟
ـــــ كيف توقفت هذه التفجيرات فجأة بعد اغتيال عيدو ولماذا؟ وهل يمكن الاستنتاج أن الهدف منها، كما من جملة الشائعات الأمنية المكثّفة التي رافقتها، كان مجرد التحضير للاغتيال الثاني الذي أدّى مباشرة إلى قرار الانتخابين الفرعيين؟
ـــــ وللمناسبة، وكمحصّلة للأسئلة المترابطة، أين أصبح القرار الظني في جريمتي عين علق، وأين أصبح التحقيق في الرواية المفبركة لانفجار الزلقا قبل عامين، وفي سيارة جبران تويني، وفي مَن ترك فردة حذاء على سيارة سمير قصير وفي عشرات الثغر السود في كل الأيام السوداء الماضية؟
أصاب النائب فرنجية خير إصابة يوم أمس، فهناك مَن يرتكب الجريمة، وهناك مَن يغطيها، وهناك مَن يستفيد منها.