أنطوان سعد
نفت مصادر مطلعة المعلومات التي جرى التداول بها خلال الأسبوع الماضي عن أن التوجه الذي برز لدى الجيش اللبناني للحسم العسكري في مخيم نهر البارد، سببه الخشية من امتداد رقعة المواجهات لتشمل مخيم البداوي. وأوضحت أنها تستبعد كثيراً أن يلجأ المسلحون إلى فتح حرب في المخيم المذكور لأربعة أسباب أساسية:
1 ـــــ لا توجد في مخيم البداوي التحصينات والمستودعات والأنفاق، كما في نهر البارد، التي تمكّن من الصمود أمام أي نوع من المواجهات العسكرية.
2 ـــــ يُحكم الجيش اللبناني سيطرته الكاملة على المخيم، ويمسك بكل المواقع الاستراتيجية المشرفة عليه التي تمكّنه من الحسم بطريقة خاطفة ومن دون كلفة بشرية.
3 ـــــ أبدى محيط البداوي، وخصوصاً في المنية، منذ اندلاع المواجهات المسلحة في نهر البارد، تحذيراً جدياً لسكان المخيم من أي تصرف تشتمّ منه محاولة لمساندة تنظيم «فتح الإسلام» أو إشعال قتال لتخفيف الضغط عنه أو ما شابه ذلك. وقد تأكد سكان مخيم البداوي من جدية هذا التحذير في التظاهرة التي قام بها بعضهم قبل نحو أسبوعين.
4 ـــــ إن الحزم الذي أبداه الجيش في تدمير المخيم على رؤوس عناصر «فتح الإسلام» وما نجم منه من عملية نزوح وأوضاع إنسانية صعبة على رغم عدم سقوط خسائر في صفوف المدنيين، جعل سكان المخيمات كلها، وليس فقط سكان مخيم البداوي، يمارسون ضغوطاً على التنظيمات التي قد تفكر في القيام بأي تصرف معادٍ للجيش لكي تقلع عن كل ما قد يعرّض سلامتهم للخطر.
لقد تمكن الجيش من الإمساك بالوضع العسكري على كل الأراضي اللبنانية ومن تعميم جو من الثقة بقدراته على تأدية الدور المطلوب منه للمرة الأولى منذ حرب المخيمات سنة 1973. ويعود الفضل في ذلك «إلى الخطاب الوطني الجامع الذي يتبناه الجيش منذ فترة طويلة وبخاصة منذ انسحاب القوات السورية سنة 2005»، وفق المصادر المطلعة المشار إليها التي تضيف: «ما دام خطاب المؤسسة العسكرية جامعاً ستبقى صفوفها متراصة وموحدة وقادرة على مواجهة الصيف والضيف وغدرات الزمان، كما يقول المثل الشعبي، وعندما يخرج هذا الخطاب عن الإجماع يصبح الخطر كامناً».
غير أن ثمة عاملين لا يقلّان أهمية عن الخطاب الوطني الجامع، هما إجماع القوى السياسية اللبنانية على دعم الجيش في شكل أو آخر، وإجماع الدول العربية على اعتبار تنظيم «فتح الإسلام» إرهابياً، بما في ذلك سوريا المتهمة بمساعدة هذا التنظيم من جانب قوى الأكثرية. ولا بد من الإشارة بالتحديد إلى دور تيار «المستقبل»، المعني الأول بهذه القضية، باعتبار أن تنظيم «فتح الإسلام» سني وينشط في محيط محسوب على التيار. فلو أن كل القوى السياسية اللبنانية دعمت الجيش باستثناء هذا التيار لما كانت النتيجة نفسها على الإطلاق، وخصوصاً في هذا الظرف الجيو ـــــ سياسي الذي تهب فيه الرياح المذهبية كالهواء الأصفر. وكذلك لا بد من الإشارة إلى دور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الداعم في شكل غير مشروط للجيش في المعارك الدائرة. وقد كان السياسي الوحيد، ممن درجت تسميتهم أخيراً الصف الأول، الذي شارك شخصياً في معظم المآتم التي حصلت في منطقته الانتخابية من دون تمييز لجهة طائفة شهداء القوات المسلحة اللبنانية.
وفي اعتبار بعض الضباط المتقاعدين من الجيش، أن هذا الإطار السياسي الجامع هو ما كان ينقص الجيش سنة 1973 كي يقوم بالحسم ضد التنظيمات الفلسطينية التي كانت تقاتله. فالجيش كان موحداً وخطابه جامعاً في ذلك الحين، لكن أداء بعض السياسيين وموقف الدول العربية هو ما فوّت على لبنان فرصة إخضاع هذه التنظيمات وإلزامها باحترام القوانين اللبنانية وشروط اللجوء كما هو حاصل في البلدان العربية التي استقبلت لاجئين فلسطينيين. ويذكر هؤلاء الضباط حادثتين لهما دلالة كبيرة على وحدة مؤسسة الجيش في تلك الأحداث: الأولى عند اتخاذ قرار قصف المخيمات بالطائرات الحربية، يومها تقدم ضابطان مسلمان من قائد الجيش العماد إسكندر غانم طالبين الاشتراك في العملية لإعطائها صبغة وطنية. أما الحادثة الثانية، فكانت بعد صدور الأوامر بوقف العمليات الحربية نهائياً، وفّر ضباط مسلمون تغطية لبعض الوحدات المقاتلة التي لم تتوقف عن القتال وكادت تخضع للتحقيق بتهمة عدم تنفيذ الأوامر.
لا تقل معنويات الجيش اليوم عما كانت عليه سنة 1973، وقد دلت على ذلك آلاف الطلبات التي وردت إلى قيادته من ضباط ورتباء وأفراد من كل الطوائف يريدون الالتحاق بالوحدات المقاتلة في نهر البارد.