نهر البارد ـ نزيه الصديقالبدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

بيـــوت جاهـــزة ومؤقّتـــة للنـــازحين ووجودهـــا قــرب المخيّـــم مطلـــب أســـاسي لهـــم


ارتفعت سخونة الاشتباكات وحرارتها في مخيّم نهر البارد أمس، ووصلت الى درجة لم تبلغها منذ اندلاعها بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم فتح الإسلام قبل 67 يوماً؛ وأوحى القصف المدفعي العنيف والمركّز الذي بدأ قرابة الرابعة من فجر أمس، أن الجيش قد دخل المرحلة النهائية لحسم الوضع على الأرض.
وكان القصف المدفعي العنيف والبعيد المدى من مرابض الجيش، قد دار على مختلف محاور القتال حول المربّع الذي لا يزال المسلحون يتحصّنون فيه، عند الناحية الجنوبية الغربية من المخيم القديم، واستُخدمت فيه المدفعية الثقيلة من عيار 82 ملم، و120 ملم، و130 مل، و155 ملم، ومدافع غير مرتدة من عيار 106 ملم، وتراوح معدل سقوط القذائف بين 35 ـــــ 40 قذيفة في الدقيقة الواحدة، وكان صداها القوي يصل الى مناطق واسعة من الشمال.
وأوضح سير المعارك يوم أمس أن الجيش واصل توغّله تحت غطاء مدفعي كثيف في أنحاء المخيم، ووسع رقعة سيطرته فيه، مضيّقاً الخناق على المسلحين ومقلّصاً رقعة انتشارهم، ومدمّراً عدداً من منصات إطلاق الصواريخ، ومحقّقاً إصابات في صفوفهم، وخصوصاً في المحور الشمالي ـــــ الشرقي في محيط مركز ناجي العلي الطبي، حيث دارت أعنف الاشتباكات وأشدّها قساوة.
وأفيد أن الجيش اقتحم ملجأً للمسلحين في محيط مدارس الأونروا، وعثر داخله على كميات من الأسلحة والذخائر، فيما تواصل القصف على أحياء سعسع التحتاني والبروة والجاحولي ومحيط التعاونية وحي الدامون والسوق القديمة والجزء الشمالي من حي صفوري.
وأوضح مصدر عسكري أن الجيش «يقترب من المرحلة النهائية لحسم المعركة، ووضع خططاً لتوسيع رقعة انتشاره، وعزّز مواقعه بالعدد والعتاد والعدة»، مرجّحاً أن «لا يزيد عدد من بقي في صفوف المسلحين داخل المخيم على 60، والمدنيين على 40».
غير أن مسلّحي فتح الإسلام استمروا مقابل ذلك في إطلاق الصواريخ باتجاه المناطق المحيطة بالمخيم، وأفيد عن سقوط أكثر من 12 صاروخاً في بلدات المنية ودير عمار وقعبرين وضهر حدارة وعرقة، وعلى منزل خير الله برغل في بلدة قبة بشمرا، من غير أن توقع أضراراً بشرية، إضافة الى إصابة شخصين في بلدة ببنين في عكار بجروح طفيفة نتيجة إصابتهما برصاص طائش.
وفي الوقت الذي لم يسجل فيه وقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش، أفيد عن تعرض بعض الجنود لإصابات طفيفة، وهو ما فسّر حركة دخول وخروج عدد من سيارات الإسعاف من المخيم عدة مرات.
في مقابل ذلك، أوضحت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن الجيش «تمكّن في الأيام الماضية من سحب 23 جثة لمسلحي فتح الإسلام من أرض المعركة، تبين بعد فحصها والتدقيق فيها أن 7 منها تعود إلى أشخاص سعوديين، وأن الباقين لبنانيون أو فلسطينيون».
وبعد عصر أمس، خفّت حدّة الاشتباكات على نحو لافت، وتبين أن ذلك يعود الى طلب رابطة علماء فلسطين من الجيش إعطاءها فرصة أخيرة للدخول الى المخيم، والتفاوض مع المسلحين «بهدف إنقاذ حياة من بقي من مدنيين فيه أوّلاً، ومحاولة إيجاد حل في اللحظة الأخيرة ينقذ ما بقي من المخيم»، حسب ما أشار مصدر في الرابطة لـ«الأخبار».
وفي مخيم البدّاوي، تسارعت في الآونة الأخيرة وتيرة المشاورات واللقاءات بين مسؤولي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا»، ومسؤولي الفصائل والهيئات الفلسطينية في الشّمال، بهدف إيجاد حلول لمشاكل الإيواء والسكن لأكثر من 30 ألف شخص نزحوا من مخيّم نهر البارد.
وحتّمت تكثيف عقد الاجتماعات جملة مخاوف وهواجس، عبّر عنها في الأيّام القليلة الماضية عدد من مسؤولي الأونروا والفصائل على السواء، وتمحورت حول نقطتين أساسيتين، هما: أولاً ضرورة إيجاد سكن بديل وسريع للنازحين المقيمين في مدارس مخيّم البداوي، والمدارس الرسمية في مدينتي طرابلس والبدّاوي، قبل بدء العام الدراسي المقبل بعد نحو شهرين، وعدم ترك الأمور على غاربها إلى ذلك الحين، لأنّ عدد العائلات المقيمة في هذه المدارس يربو على ألف عائلة، ولأن إخراجها منها بلا تأمين بديل مناسب أمر غير سهل أبداً، وسيؤدّي إلى وقوع مشاكل لا مصلحة لأحد فيها.
أمّا النقطة الثانية الأساسية والهامة التي نوقشت في الاجتماعات، فتناولت مخاطر إبقاء أوضاع النازحين الاجتماعية والمعيشية على ما هي عليه الآن، بانتظار انتهاء العمليات العسكرية في مخيّم نهر البارد، لأنّه حتى لو انتهت هذه العمليات قريباً، فإنّ عودة النّازحين إلى بيوتهم لن تكون سريعة، نظراً للدّمار الكبير الذي لحق بالمخيم، عدا عن أنّ عمليات تنظيفه من الألغام والمتفجّرات ستحتاج إلى وقت ليس بالقليل، ما يعني أنّ بعض النازحين «سيضطرون تحت عبء أوضاعهم إلى تصعيد تحركاتهم الاعتراضية، مع ما سيسفر عنه ذلك من خضّات اجتماعية وأمنية قد تخرج عن السيطرة»، حسب ما أشار لـ«الأخبار» أحد مسؤولي قيادة فصائل المقاومة الفلسطينية في الشمال.
إزاء هذا الوضع، وبعد سلسلة اقتراحات ودراسات مستفيضة، باشرت الأونروا ابتداءً من أول من أمس، عبر محامين موكّلين عنها، التوقيع على عقود استئجار عقارات جديدة في محيط مخيّمي نهر البارد والبدّاوي (12 عقاراً متفاوتة المساحة والحجم)، من أجل وضع نحو 6,500 وحدة سكنية عليها، لتكون بديلاً سكنياً مؤقتاً للنازحين، بعدما وقّعت الأونروا في موازاة ذلك عقد شراء أوّلياً لهذه الوحدات من شركات تركية وروسية ويونانية، وإثر حصولها على ضوء أخضر سعودي وإماراتي لتمويل هذه العملية.
وعلى الرغم من أنّ الأونروا لا تزال تتكتم حول هذا الموضوع، ويرفض مسؤولوها في الشمال الإفصاح عن أي أمر يتعلق به، فإنّ مسؤولاً فلسطينياً مطّلعاً أوضح لـ«الأخبار» أنّ هذه «العقارات ستكون في محيط المخيّمين حصراً، بعدما رفضنا اقتراح توزيع هذه الوحدات السكنية على أكثر من منطقة لبنانية حسب اقتراح سابق، الأمر الذي اعتبرناه عملاً يهدف إلى تشتيت الأسر وتفكيكها، ويضرب النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمخيّم، ويقلّل من احتمال العودة إليه مجدّداً بعد إعماره»، مشيراً إلى أنّ «أحد هذه العقارات، وهو الأكبر من بينها، يقع في بلدة العبدة، على بعد كيلومترين اثنين شمال مخيّم نهر البارد بالقرب من معمل للسكر، وأنّ هذه العقارات تلحظ مبدئياً، بناء مساكن جاهزة قادرة على إيواء ما يزيد قليلاً على 6 آلاف عائلة نازحة، إلى جانب بناء مدارس ومستوصفات فيها».
وإذ أشار المسؤول الفلسطيني المطّلع إلى أنّ الأونروا «ستقوم بعرض نموذج مصغّر لهذه المنازل أمام تجمّع المدارس في مخيّم البدّاوي الأسبوع المقبل على الأرجح، من أجل إطلاع النازحين عليها»، فإنّه شدّد على ضرورة أن «تراعي هذه البيوت العادات والتقاليد الاجتماعية المحافظة لأهالي المخيّم».