جوزف سماحة
عادت لغة الحرب ترتفع في اسرائيل. كان ذلك متوقّعاً. فمع إعلان «وقف العمليات العدائية» ساد البحث في دروس ما حصل وكيفية الإعداد لجولة قادمة أشدّ عنفاً وأكثر اتساعاً. ولكن التقدير الأوّلي كان أنّ «قرع الطبول» سيتأخّر بعض الشيء.
ثمّة إجماع على القول إن الحرب أسفرت عن هدنة. ليس بمعنى الهدنة الفاصلة بين «وقف العمليات» و«وقف إطلاق النار»، بل الهدنة الناجمة عمّا بعد وقف إطلاق النار. لكن يبدو، يوماً بعد يوم، أنّ الوضع هشّ جدّاً، وأن الالتباس قابل لأن يتدهور.
أسباب الهشاشة عديدة. منها:
أوّلاً ــ اندلاع الأزمة الداخلية في إسرائيل، التي تطاول المستويات كلها. تنشأ عن هذه الأزمة، التي تخيّم التحقيقات واحتمالاتها عليها، مصلحة مباشرة لدى السياسيين والعسكريين في التأزيم حدّاً أدنى وفي القتال حدّاً أقصى. يمكن أن ننسب اللغة التصعيدية المستعادة في تل أبيب الى رغبة في الضغط من أجل تغليب منطق محدّد في تطبيق 1701. لكن الحقيقة أننا لسنا أمام «لغة» فقط بل أمام احتلال جزئيّ قائم، وحصار مستمرّ، واستفزازات لا تُحصى أبرزها، حتى الآن، ما حصل في البقاع. سيكون صعباً على إسرائيل هذه المرة أن تتحدّث عن «حرب اضطرارية»، لكن ليس من السهل عليها أن تتقبّل، لفترة مديدة، حالة الالتباس التي تعيشها.
ثانياً ــ ظهرت إشارات من الإدارة الأميركية إلى الاستعداد للتعاطي بواقعيّة مع النتائج. وإلى إعطاء مهل لتحقيق الأهداف. إلا أنّ شيئاً جوهريّاً لم يتغيّر في نهج هذه الإدارة التي كانت وستبقى على عداء مستحكم مع «الواقعية». فلقد كان مثيراً للسخرية، مثلاً، تركيز جورج بوش وكوندوليزا رايس على أن اللبنانيين المعنيّين بآثار العدوان سيكتشفون بسرعة الوجه السلبي للمقاومة. وبما أنّ ذلك لم يحصل فقد استعيدت، فوراً، ترنيمة الصراع بين الحريّة والإرهاب، في ما يشبه الدعوة الصريحة إلى استئنافه.
لا تزال الولايات المتحدة في موقع الراغب في كسر شوكة المنطقة. كان في وسعها، لو أن إدارة أخرى تحكمها، أن تضع نتائج الحرب في سياق افتتاح عهد التسويات. إلا أنها في غير هذا الوارد وذلك في ما يخصّ أزمات الشرق الأوسط كلها. إن هدنة لبنانية هشّة في بيئة إقليمية تعيش توتّرات متصاعدة هي هدنة معرّضة للانهيار.
ثالثاً ــ أوضحت الأيام القليلة الماضية حدود القدرة التي تملكها قوى لبنانية داخلية على الاستفادة القصوى من العدوان. لم تستطع هذه القوى ترجمة «العمل الإسرائيلي الناقص» الى مرتكز لاستكمال الانقلاب السياسي. وهي ترى أنّ ما يمكنها أن تجنيه أقلّ ممّا وعدت نفسها به. أكثر من ذلك، اضطُرّت هذه القوى إلى اللجوء إلى فزّاعة «الانقلاب السياسي» المضاد لها من أجل الدفاع عن «الستاتوكيو». ولقد كان لافتاً كم عبّرت عن توقها إلى استثمار أيّ انتصار إسرائيلي وكم ضربت طوقاً تحريميّاً لمنع المقاومة من استثمار مفاعيل الصمود. علماً أنّ هذه المفاعيل لا تتجاوز الدعوة إلى بناء دولة جديّة، وعلماً أنّ ما نشهده من فوضى عارمة في أعمال الإغاثة وإعادة الإعمار، يؤكّد مدى الحاجة إلى مثل هذه الدولة. لقد قاومنا العدوان بمثل ما نحاول به إزالة آثار العدوان، لكنّنا تلقّينا هزيمة مريرة.
رابعاً ــ ازداد التشرذم في الوضع العربي الرسمي، وازداد انكشاف النظام العربي أمام الرأي العام. وينطبق ذلك، حتى الآن، على الجبهات التي تزايد في امتثالها والتحاقها وعلى تلك التي تزايد في ممانعتها ومقاومتها.
علينا أن نضع هذه الخـــلـفيّات في ذهننا ونحن نراقب هذا التعثّر في تشكيل القوة الدولـيـة. إنّه تعثّر يراد منه الإيحاء أن في الإمكـان تجديد الإجازة لإسرائـيل لتجرّب ثانيـة في أن تأخذ حرباً ما لم تستطعه حربها الأولى وما لم تستطعه سلـماً بواسطـة الحلف غير المقدس الراعي للعدوان، والمتواطئ معه، او المتحفّز لجني نتائجه.

جوزف سماحة
21 آب 2006