strong>ليال حداد
  • المعركة تنطلق مجدداً من Face book... أربعة آلاف في حملة للمطالبة به

  • كلما أغلقت مؤسسات المجتمع اللبناني الطائفية الباب في وجه الزواج المدني، أطلّ من الشباك. آخر المعارك خاضها قلة عام 1998 داعين إلى تبني اقتراح رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي بالسماح بالزواج المدني الاختياري في لبنان، كانت المعركة خاسرة بالطبع، لكنّ المؤمنين بها لم يستسلموا... ها هم يطلقون معركتهم من جديد من الـ Face book

    «نحن نؤمن بأن الزواج المدني هو خطوة أولى نحو بناء الدولة المدنية التي تحفظ حقوق المواطن بغض النظر عن طائفته»، «نحن نؤمن بأن المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات في الزاوج»، «نحن نؤمن بأن كل ثنائي لبناني له الحق بالزواج في بلده بغض النظر عن الاختلاف الديني»... يبدو أن موقع Face book الإلكتروني صار هو البوابة الأسهل لفتح النقاش القديم في لبنان بشأن إقرار قانون يسمح بالزواج المدني الاختياري. فالمجموعة التي انشأها رياض حلاب وفدى أفيوني وربى أبو زيد في الموقع لدعم الزواج المدني استقطبت ما يقارب أربعة آلاف شاب وشابة في لبنان.
    الحديث عن خيارات مدنية وعلمانية يبدو «ضرباً من الجنون» في بلد ينحو أبناؤه نحو النزعات الطائفية المتشددة، لكن أعضاء مجموعة الزواج المدني يصرون على تحدي الآخرين ومتابعة مسيرتهم. معنويات مرتفعة جداً رغم الصعاب التي سيواجهونها، ويؤكدون أنها ليست معركة خاسرة. يقول نبيل شعيتو إن المجموعة ستطلق قريباً حملة إعلامية ومدنية للترويج للفكرة ولتعريف العالم بالزواج المدني بهدف الوصول إلى السلطات العليا، أي مجلس النواب والوزراء المخولين إقرار مشروع القانون «لا شيء مستحيل وكل الأحلام تبدأ من مكان ما لتتحقق».
    وستطلق المجموعة حملة للمطالبة مجدداً بالزواج المدني الاختياري، وستتضمن هذه الحملة خطوات تتم عبر الموقع الإلكتروني وفي الشارع اللبناني، وستدعو إلى مناقشة عناوين «حساسة جداً» كالوضع الطائفي المتأزم، وردة فعل الأهل على الزواج المدني، كتربية الأولاد في الزواج المختلط دينياًتقول نسرين طراد (من المجموعة) إنها ستواجه أهلها وستذهب إلى تركيا «لتعقد زواجاً مدنياً، حتى لو كلف الأمر خلافاً طويل الأمد مع الأهل. هل يُفترض بي أن أطلب من خطيبي أن يغير دينه؟ هذا أمر مستحيل... الزواج المدني وُجد ليكون الحل». ولا تكف نسرين عن طرح الأسئلة التي تظهر خللاً في القانون اللبناني، ومنها «كيف يمكن سلطة رسمية أن تعتبر الزواج المدني المقام خارج أراضيها شرعياً وتعترف به، فيما ترفض أن تشرعه في أرضها؟ الخلل والجهل واضحان».
    من ناحيته، يتحدث موريس قزي عن مشكلته مع «المجتمع اللبناني» بكامله، لا مع أهله فقط: «وضع لبنان الطائفي بغيض جداً ، ومجرد الحديث عن الزواج المدني يثير خوف المجتمع بكامله، وخصوصاً رجال الدين الذين يعملون على إقناع اللبنانيين بأن الزواج المدني هو إلحاد وكفر». يتحدث موريس عن موضوع الزواج المدني بحماسة كبيرة، فينتقد ما يراه شواذاً في المجتمع ويدافع عن معتقداته إلى حد الشجار مع معظم أهله، كما يقول.

    محطات

    النقاش في موضوع الزواج المدني في لبنان سبق ولادة شبكة الإنترنت بعقود، فقد طُرح للمرة الأولى في لبنان عام 1910 حين نشرت صحيفة «البرق» استفتاء عن الزواج بين أبناء الطوائف المختلفة خارج إطار السلطات الدينية. وعام 1926 ظهر مشروع قرار عن المفوض السامي الأعلى هنري دوجوفينيل في الصحيفة الرسمية يعطي المحاكم المدنية صلاحية المقاضاة في قضايا الخلاف في الأحوال الشخصية، ويقلل من الصلاحيات القضائية الطائفية، في الأمور المتعلقة بالزواج. وقد قوبل هذا المشروع باحتجاجات واسعة من قادة الطوائف اللبنانية.
    وبالإمكان التوقف عند محطتين اتخذتا شكلاً رسمياً، أي إنهما طُرحتا على مجلس الوزراء، في تشرين الأول عام 1951 حين أعدت نقابة المحامين وقتها مشروعاً عرض على مجلس الوزراء ولم يعرض على مجلس النواب، ما أدى إلى إضراب المحامين ثلاثة أشهر. المشروع أُدرج على جدول أعمال مجلس النواب ولم يُدرَس حتى اليوم.
    أما المحطة الثانية فكانت عام 1998 حين طرح الرئيس الراحل الياس الهراوي المشروع، وحصل على أغلبية أصوات مجلس الوزراء (واحد وعشرين صوتاً من أصل ثلاثين وزيراً) إلا أنه أيضا لم يصل إلى مجلس النواب لمناقشته، وذلك بسبب الضجة الكبيرة التي أثارها رجال الدين وقتها الذين اتفقوا بشبه إجماع على معارضة مشروع إقرار قانون الزواج المدني الاختياري، رغم أن عدداً كبيراً من الأحزاب اللبنانية وافق عليه.
    وثمة تحركات مدنية وحزبية كثيرة في تاريخ لبنان، فالحركة الوطنية (أي الأحزاب اليسارية العلمانية المناهضة للمشروع الطائفي في لبنان والأحلاف العالمية اليمينية) ضمنت برنامجها طروحات من أجل دولة علمانية ديموقراطية وعروبية، ومن أجل مجتمع مدني، وكان الزواج المدني الاختياري من أبرز البنود. وفي عام 1960 طالبت عدة جمعيات مدنية علمانية بإقرار القانون، وذلك من خلال تظاهرات شعبية. وفي عام 1975 طرح الحزب الديموقراطي الموضوع في مجلس النواب، إلا أنه لم يناقش جدياً. وفي عام 2002 أعدت «حركة حقوق الناس» صيغة قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية. غير أن كل هذه المحاولات لم تؤخذ بعين الاعتبار ولم تناقشوالحجة الأبرز للمدافعين عن إقرار هذا القانون هي أن لبنان وقّع على «شرعة حقوق الإنسان» التي تضمن حرية الزواج، كما أن لبنان يلتزم عدداً من المواثيق الدولية التي تسمح بالزواج المدني وحرية المعتقد والارتباط، وأبرزها ميثاق هيئة الأمم الذي وقَّع عليه لبنان عام 1945، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقع عليه لبنان عام 1972، إضافة إلى غيرها من المعاهدات الدولية.
    إلى جانب ما سبق، يضمن الدستور اللبناني في مقدمته حرية المعتقد والممارسة، وذلك في الفقرة «ج» من مقدمته، وفي المادة السابعة التي ضمنت «تمتع الجميع بحقوقهم المدنية»، والمادة التاسعة التي أكدت احترام «حرية الاعتقاد المطلقة» وضمنت «للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية».
    اسأل مُجرباً
    « الزواج المدني كان الحل» بهذه العبارة تختصر ميسه كنعان تجربتها الزوجية. ميسه مسلمة شيعية، وزوجها مسيحي ماروني. لم يقبل ذووهما بارتباطهما، فـ«طارا إلى قبرص وعادا بعد أسبوع زوجاً وزوجة»، وتروي ميسه: «في البداية كان الأمر صعباً جداً، أهلي رفضوا أن يتكلموا معي، حتى إن أبي أراد أن يتبرأ مني، والأمر نفسه حصل مع زوجي، إلا أنه بعد مرور سنة على الزواج استطعت إقناع أهلي بخياري». ويتحدث جورج، زوج ميسه عن الصعاب التي واجهها بعد الزواج: «معظم الناس لا يفهمون ما هو الزواج المدني، فأهلي في بادئ الأمر اعتبروا أني أعيش مع زوجتي مُساكنة، وليس كأي عائلة، إذ إن الزواج المدني برأيهم باطل رغم أن الدولة تعترف به». ويضيف: «إلا أني بعد فترة أطلعت أهلي على القانون المدني الذي تزوجنا في ظله أنا وميسه وعن حسنات هذا القانون وعن إمكان بقاء كل منا على دينه دون حاجته إلى اعتناق دين الآخر، ومع الوقت اقتنعوا، أو ربما ادّعوا الاقتناع لتعود علاقتنا طبيعية».
    تجربة ميسه وجورج مشابهة لمعظم التجارب التي عاشها من اختار عقد الزواج المدني في لبنان، إلا أن استثناءات عديدة موجودة. علي ورزان مسلمان، وقد قررا عقد زواج مدني في تركيا بموافقة ذويهما، ويقول علي: «قناعاتي أنا وزوجتي حتمت علينا الزواج المدني. إني أناضل من أجل قانون لبناني مدني، ومن أجل إقرار الزواج المدني الاختياري، ولن أُخالف هذه القناعة في أي شأن من شؤون حياتي».
    يعتقد علي بأن أهله وأهل زوجته لم يُعارضا خيارهما «ربما لأننا من الطائفة نفسها، يعترض الأهل على هذا الخيار حين يكون الراغبان بالزواج من طائفتين مختلفتين، هو اعتراض على الارتباط بمن ليس من طائفتهم، وليس اعتراضاً على شكل الزواج».




    أيها اللبناني قل كلمتك

    يُصادف الباحث في شوارع بيروت عمن يسألهم رأيهم في الزواج المدني آراء مختلفة، ومتناقضة وغريبة أحياناً، وهنا عينة مما قد يسمعه:
    ديانا هيكل (42 سنة): «قد يكون حلاً لما يعانيه متحابان من دينين مختلفين».
    جو موسى (35 سنة): «هو إلغاء لمناسبة دينية من المفترض أن يكون الله شاهداً عليها، لذلك أنا أرفض الزواج المدني، الزواج هو أولاً وأخيراً سر من أسرار الكنيسة» .
    محمد سلامة (54 سنة): «أنا ضد الزواج المدني، فإذا شرعناه يصاب المجتمع بانحلال أخلاقي كما هي الحال في الدول الغربية».
    جانيت قسيس (76 سنة): «شو يعني زواج مدني، زواج رجلين من بعض؟».
    علي الحاج علي (28 سنة): «أؤيد الزواج المدني، وإلا فكيف بإمكان دولتنا أن تتقدم وأن نتخطى الطائفية».
    شيرين سروجي (57 سنة): «آخر همي، قبل التفكير بالزواج المدني لماذا لا نجد حلاً للبطالة ولارتفاع سعر البنزين؟».
    نبهان داغر (43 سنة): «حسب البطريرك شو بقول، هو يمثل المسيحيين، ونحن وراءه».
    كريستيان زيدان 19سنة: «المشكلة برجال الدين وبالطائفية، فالزواج المدني سيضر بمصالحهم، لذلك هم لا يقبلونه، أما أنا فحتماً معه».
    مريانا حداد (36 سنة): «شو هالسؤال أكيد ضد، إن الزواج المدني يجعل الارتباط كما لو كان وثيقة تجارية، وليس ارتباطاً إنسانياً».
    سلام الأحمدي (53 سنة): «يجب ألا يعاد طرح الموضوع، في المرة الأخيرة التي طُرح خلالها قامت الدنيا ولم تقعد، وإذا أُعيد طرحه الآن إذا وافقت عليه المعارضة، فالموالاة لن تقبل، والعكس صحيح، أي إنه سيتحول إلى سجال سياسي».