طارق ترشيشي
مع اقتراب بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، بدأت أوساط سياسية تتساءل عن جدوى المساعي والمبادرات الهادفة إلى تحقيق توافق بين الموالاة والمعارضة على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ما دامت عملية تأليف هذه الحكومة، في حال الاتفاق عليها، تستغرق أسبوعين على الأقل، في وقت لن يكون فيه عمرها أكثر من شهر ونصف شهر، لأنها ستصبح مستقيلة دستورياً لدى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية.
ويقول سياسي مطلع إن العائق الأساسي الذي حال، ولا يزال، دون حصول اتفاق بين الموالاة والمعارضة على إنهاء الأزمة بينهما هو الحذر وانعدام الثقة المتبادلان والمنقطعا النظير بينهما. فالموالاة، أو «قوى 14 آذار» تريد في مقابل قبولها بتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون فيها الثلث المعطل للمعارضة، أن تعطى ضمانات مسبقة بأن المعارضة لن تعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية إذا لم يتم الاتفاق على رئيس، لتحكم البلاد بعد ذلك بثلثها المعطل في الحكومة، إلى أن يتم الاتفاق على رئيس للجمهورية. وتخشى الموالاة في هذه الحال أن تدخل البلاد في الفراغ وتصبح دولة بلا رأس وتنقسم مؤسساتها العسكرية والأمنية والإدارية. وإذ يسأل فريق 14 آذار عن «سر» إصرار المعارضة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تحكم لمدة شهر ونصف شهر فقط، يقول، بحسب ما يُنقل عن بعض أوساطه البارزين: «إذا كانت نيات المعارضة سليمة، فلماذا لا تدخل في اتفاق مع الموالاة على رئاسة الجمهورية، ويتم بعد ذلك تأليف حكومة وحدة وطنية في بداية عهد الرئيس الجديد؟».
في المقابل، ترى المعارضة أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ورقة ضغط تستخدمها الموالاة ضدها لتضع فريق 8 آذار أمام خيارين: إما القبول برئيس للجمهورية من صفوف 14 آذار، وإما تولي الحكومة السنيورية السلطة كاملة في حال تعذُّر الاتفاق على الرئيس العتيد. لذلك تطرح المعارضة استقالة حكومة السنيورة أو توسيعها لتصبح حكومة وحدة وطنية، حتى لا يعود لأي فريق أي مكسب على الآخر، وتصبح اللعبة السياسية متوازنة إلى أن يتم الاتفاق على رئيس جمهورية جديد.
ويعتقد هذا السياسي البارز أن معالجة أزمة فقدان الثقة بين الجانبين باتت تتطلب مخرجاً من «كفالة كبرى»، بمعنى آخر، إن كل فريق يحتاج إلى «كفالة راعيه». فقوى 14 آذار تحتاج إلى «كفالة» الولايات المتحدة وحلفائها، وقوى 8 آذار تحتاج إلى «كفالة» سوريا وإيران.
ويرى السياسي نفسه أنه ليس في الأفق الآن أي حلول للأزمة، وأن الحل الوحيد والمرحلي يمكن أن يكون بإبقاء الهدوء السائد وكسب الوقت خلال مرحلة هي أشبه بـ«الوقت الضائع» إلى حين بدء المهلة الدستورية في 23 أيلول المقبل، بحيث يمكن عندها تسريع المساعي والمحاولات للاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية في مطلع هذه المهلة، وخصوصاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد حدد 25 ايلول موعداً لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، حتى إذا لم يحصل هذا الاتفاق وتعطلت العملية الدستورية الخاصة به، يكون أمام رئيس الجمهورية متسع من الوقت لمباشرة الإجراءات اللازمة لتأليف الحكومة التي يمكنه أن يسلمها سلطاته إلى حين الاتفاق على الرئيس العتيد. وفي المقابل يكون هناك متسع لإجراء مزيد من المساعي للتوصل إلى صيغة توافقية على إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في 23 أيلول المقبل.
ويرى السياسي البارز أن التحرك الفرنسي الذي لم يرقَ بعد إلى مستوى المبادرة المتكاملة يندرج في سياق إمرار مرحلة الوقت الضائع السائدة المتوقع أن تستمر حتى 23 أيلول المقبل، لأنه عندما تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية ولا يعود هناك إمكان للبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية أو عادية، ويصبح مجلس النواب هيئة ناخبة ولا يمكنه القيام بأي عمل تشريعي إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
لذا فإن فريق المعارضة أبلغ الموفد الفرنسي جان كلود كوسران أنه يتمسك بتأليف حكومة الوحدة الوطنية مدخلاً إلى الحل المطلوب للأزمة، فيما تبلغ من الموالاة أنها تريد تزامناً بين الحكومة وانتخابات الرئاسة. وكانت النتيجة أن المعارضة لم تقبل اقتراح الموالاة، ولا الموالاة قبلت اقتراح المعارضة. وبقي السؤال: من أين سيبدأ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مهمته في بيروت غداً؟