أنطوان سعد
رفعت زيارة العماد ميشال عون إلى ألمانيا، في هذا الظرف، من مستوى التشويق ليبلغ حده الأقصى في معركة الانتخابات الفرعية في المتن. فخلال غيابه، أظهرت الاستطلاعات أن التيار الوطني الحر وحلفاؤه سيفوزون بفارق يتراوح بين 7 و8 آلاف صوت، وتهافتت المساعي من أكثر من طرف للتوصل إلى توافق يجنب المتن والمسيحيين «معركة كسر عظم». والتشويق ليس بالنسبة إلى نتيجة الانتخابات، بل بسبب أمرين هما: هل ستنجح مساعي الوفاق، أم سيمضي الرئيس الأعلى لحزب الكتائب الرئيس أمين الجميل في ترشيحه إلى النهاية؟
تشير المعلومات الى أن الوساطة التي يقوم بها المطارنة سمير مظلوم وبولس مطر ورولان أبو جودة قد تخطت حدود الإشكالات التي وقعت بين الجميل وعون غداة اغتيال النائب بيار الجميل على خلفية عدم تمكين الثاني من تقديم واجب التعزية في وقت كانت المراكز التابعة لحزبه مستهدفة. فقد رفع المحاورون باسم عون، وفي مقدمهم النائب إبراهيم كنعان، سقف المعركة ووضعوه في إطار سياسي مرتبط بالنزاع الدائر بين السلطة والمعارضة حول صلاحيات رئيس الجمهورية وتهميش الدور المسيحي في المعادلة اللبنانية. وقد يكون وراء جعل الانتخابات الفرعية معركة سياسية بين الموالاة والمعارضة ثلاثة أهداف:
ــ عدم وضع الناخب المتني أمام الاختيار بين الرئيس الجميل، بما يمثله، مقابل الدكتور كميل خوري، الناشط الذي لا تعرفه سوى الدوائر العونية.
ــ إخراج المعركة من طابع التنافس بين حزبين مسيحيين ووضعها في خانة استرجاع حقوق المسيحيين من التحالف السني ــ الدرزي.
ــ إخراج المعركة من الطابع الشخصي وحسابات الربح والخسارة وعدم حفظ المقعد النيابي لحزب الشهيد الشاب الذي قضى في ظروف مأسوية.
وبذلك ترمي أوساط التيار الوطني الحر إلى تحديد السقف الواجب التعامل على أساسه مع عون بعد عودته من الخارج، محاولةً تحصين موقفه والدفاعات التي سيحتاجها، عندما ستتوافد عليه الوساطات المتعددة، وحصر التفاوض بمسألة واحدة: إلغاء الانتخابات الفرعية بانسحاب كل المرشحين في المتن لأنه سيحقق المطلب المسيحي العارم الداعي إلى تجنب معركة قاسية بين طرفين مسيحيين قد تكون لها تداعيات غير محمودة، وفي الوقت نفسه، سيحقق مطلب تكتل «التغيير والإصلاح» الرافض لتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية. ذلك أن التيار الوطني الحر لمس حرص الأوساط المسيحية والمارونية بالتحديد على عدم تعرض الرئيس الجميل لنكسة قوية للأسباب التالية:
1ــ رمزية الجميل كرئيس سابق للجمهورية، وزعيم حزب عريق، ووالد شهيد، ولهذه الرمزية المثلثة الأبعاد أهمية في زمن يعاني فيه المسيحيون من تقلص القيادات حجماً وعدداً.
2ــ الانزعاج من مبالغة العماد عون في تصوير كل انتصار انتخابي له كأنه دعم لا مشروط ومطلق له على كافة المستويات خصوصاً على مستوى طموحاته لرئاسة الجمهورية التي لا يبدو أنه مستعد للتوافق مع أحد حولها ولو أدى ذلك إلى الفراغ الرئاسي.
3ــ الانزعاج من نوعية غالبية نواب عون، كما من نوعية نواب التكتلات الأخرى، وعدم الرغبة في تشجيع الزعماء على المضي في هذا الأمر.
4ــ الاقتناع بأن المرحلة المقبلة التي قد تشهد ولادة تسوية جديدة تحتاج إلى أفضل ما عند المسيحيين للتفاوض وعقد الاتفاقات.
5ــ لا مصلحة بضرب الكتائب أو بإنهاك الجميل لأن البدائل المسيحية في الأكثرية خصوصاً تلك التي تشجع الأخير على خوض المعركة غير مُقنعة.
6ــ المعركة تعني الإنهاك والتشرذم والتشنج وهذا غير مفيد إطلاقاً مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي.
في المقابل، لا تخفي هذه الأوساط قلقها من أن يعتبر فوز الجميل انتصاراً للحكومة التي لها مآخذ كثيرة على أدائها على رغم أن الرئيس الأعلى للكتائب لم يدافع عن قراراتها المتعلقة بالعطل الرسمية والتعيينات في قوى الأمن الداخلي وتملك الأجانب والانضمام إلى عهد حقوق الطفل في الإسلام، ولم ينتقد بيان المطارنة الموارنة الذي أشار إليها. كما أنها قلقة من أن يُشكّل فوز الجميل تكريساً لمنطق الإقطاع ولإفلاس التجارب الحزبية والشخصيات المستقلة عند المسيحيين.
يتوقع الباحث يوسف الدويهي أن يشارك في الانتخابات الفرعية، إذا حصلت، نحو 47% من الناخبين المتنيين، وأن ينال الجميل ما يقارب 35 ألف صوت ومرشح عون نحو 43 ألف، غير أن 5 آب لا يزال بعيداً نسبياً وبإمكان مواقف من مثل «الخطوط الحمر» و«زي ما هيي» و«حروب الإلغاء» أن تفعل فعلها، وتجارب الأمس القريب خير دليل.