نهر البارد ـ نزيه الصديق طرابلس ـ عبد الكافي الصمد

مكاوي يعلن حصرية السلطة اللبنانية في البارد بعد المعارك وقوى التحالف تعتبره «مقدّمة للتوطين والتهجير»

تراجعت بشكل لافت حدّة القصف المدفعي والاشتباكات يوم أمس في مخيم نهر البارد، وسجل هدوء حذر على محاوره كافة، في أعقاب يوم من القصف العنيف والمتواصل، الذي استهدفت فيه مواقع مسلحي حركة فتح الإسلام، والملاجئ التي يتحصنون فيها في المربع المسيطرين عليه في الجزء الجنوبي الغربي من المخيم القديم.
وشهد المحوران الشمالي والشمالي ـــــ الشرقي اشتباكات متقطعة، وقصفاً مدفعياً من مرابض الجيش على أحياء المهجرين والدامون والبروة والمغاربة، ومحيط مركز ناجي الطبي، ومحيط مجمع مدارس الأونروا، إضافة إلى اشتباكات عند المحورين الغربي والجنوبي، فيما ساد الهدوء أجواء المخيم بعد عصر أمس، تخلله قصف واشتباكات متقطعة لبعض الوقت على حي سعسع، وقصف مدفعي على الأطراف البحرية من المخيم.
وفي ظل هذه الأجواء، تابع الجيش تقدمه البطيء والملموس، وسجل خروقاً نسبية على مختلف المحاور، وخصوصاً من خلال ثلاث نقاط تقدم عبرها من الشارع الرئيسي باتجاه مواقع المسلحين، وواصل تمشيط الأبنية والمواقع التي سيطر عليها، ونزع الألغام والفخاخ المتفجرة التي خلفوها وراءهم في محيط المربع الأخير الذي يسيطرون عليه، واستمر في بث النداءات من مكبرات الصوت التي تدعو المسلحين إلى الاستسلام، وتركهم عائلاتهم تقرر مصيرها بنفسها.
وعلى الرغم من عدم إطلاق الصواريخ من داخل المخيم حتى عصر يوم أمس، سجل نشاط ملحوظ في إطلاق رصاص القنص الذي استهدف فيه المسلحون طريق المنية العبدة الدولي، مستخدمين فيه رصاصاً من عيار 12,7 ملم، الذي يصل مداه إلى نحو 3 كيلومترات تقريباً.
وفيما اقتصرت الخسائر البشرية يوم أمس للجيش على ثلاثة جرحى، إصاباتهم طفيفة، تمكن عناصر الجيش من سحب جثة الجندي حسن غصن، من مواليد بلدة شمسطار في قضاء بعلبك، الذي استشهد يوم الأحد الماضي بعد انهيار مبنى مفخخ وشبه منهار، كانت قوة عسكرية قد عملت حينذاك على اقتحامه.
على صعيد متصل، أصدرت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بياناً أشارت في إلى أن الوحدات العسكرية تابعت «ملاحقة مسلحي فتح الإسلام، وقد تمكنت أثناء تقدمها من اكتشاف المزيد من الخنادق والمخابئ داخل الابنية، وضبطت بداخلها، كميات من الأسلحة الفردية وقاذفات «آر ـــــ بي ـــــ جي»، وذخائر متنوعة وصواعق ومتفجرات، فضلاً عن أجهزة مراقبة ووجبات طعام جاهزة».
وأوضح البيان تأكيد قيادة الجيش «أن لا عودة عن قرارها القاضي بالاحتكام إلى القانون والعدالة، وتنذر المسلحين مجدداً بعدم المراهنة على الوقت، وتذكرهم قبل فوات الأوان، بدعواتها المتكررة لهم بوجوب تسليم أنفسهم، وترك أفراد عائلاتهم يقررون مصيرهم بملء إرادتهم، لأن الاستمرار باحتجازهم وتعريض حياتهم للأذى، هو جريمة لا تقل شاناً عن جريمة الغدر بعشرات العسكريين، التي سوف يتحملون كامل المسؤولية عنها».
وفي سياق متصل، أوضح مسؤول فلسطيني رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار» أنّ «البقعة الجغرافية التي لا يزال المسلحون يسيطرون عليها أكبر مما يروّج». وتوقع أن «تشهد المرحلة المقبلة معارك أشد حدّة وشراسة من التي حصلت حتى الآن».
وفي هذا المجال، أوضح مطّلعون على الأوضاع الجغرافية والتوزّع العمراني في مخيّم نهر البارد أنّه «يضم 13 ملجأ، فضلاً عن ملاجئ مدارس الأونروا، وأنّ هذه الملاجئ بُنيت في أوقات متفاوتة منذ السبعينات، وأنّ معظم هذه الملاجئ موجودة في نطاق المخيّم القديم، ما يعني أنّ المسلحين يستفيدون منها في قتالهم الجيش اللبناني إلى أبعد الحدود».
وأشار هؤلاء إلى أنّ الملاجىء الـ13، التي تراوح مساحة كلّ منها بين 150 إلى 200 متر مربع، موزّعة على الشكل التالي: ملجأ قرب التعاونية، ملجأ قرب «جبهة النضال»، ملجأ قرب محلّة بهلول، ملجأ قرب مركز «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة»، ملجأ قرب منزل ناصر إسماعيل، وملجأ قرب مسجد الشيخ علي، إضافة إلى 7 ملاجئ موجودة في محيط المقرّ السابق لحركة «فتح الانتفاضة» الذي سيطرت عليه حركة «فتح الإسلام» بعد الإعلان عن نفسها، وهو المقرّ الذي يُعرف بـ«مقر التنظيم».
في مقابل ذلك، أوضح مسؤول حركة «فتح الانتفاضة» في الشمال خليل ديب أبو ياسر لـ«الأخبار» أن «استمرار القتال في مخيم نهر البارد ليس لمصلحة الجيش، وأنه لا بدّ من حسم المعركة، مع ما يتطلبه ذلك من دفع أثمان باهظة»، مشيراً إلى أن «الحسم سيسهم في ردّ الاعتبار إلى الجيش، وهو الذي حقّق حتى الآن نموذجاً قتالياً لم يحققه أيّ جيش عربي».
واستبعد أبو ياسر إمكان التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة، لافتاً إلى أنّ «الحلّ السياسي بعد كلّ ما حصل أصبح وراءنا، وخصوصاً أنّ من قاموا بالمبادرات لم يكونوا على مستوى المسؤولية والصدقية مع الطرفين».
إلى ذلك، برز أمس تصريح رئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني خليل مكاوي الذي أكد أنه عندما تنتهي حالة «الإرهاب» الموجودة في البارد في غضون أيام، سيعاد بناء المخيم، وسيكون أمنه بعهدة الدولة اللبنانية فقط. وأضاف أن المخيم سيكون بعهدة الدولة اللبنانية «والأمن سيكون عائداً للدولة لا إلى تنظيمات فلسطينية مسلحة كما كان الحال سابقاً». وقال مكاوي: «هناك مشاريع كبيرة تحضر لتحسين حياة الفلسطينيين داخل المخيمات من إنشاء وتحسين البنى التحتية والصحة والتعليم وغيرها». وأضاف: «نقوم بالتحضير، ومنذ الآن لإعادة بناء مخيم نهر البارد بالبقعة الموجود فيها، وبشكل ،إن شاء الله، يسمح بأن يكون مختلفاً عن وضعه القديم المزري ومن دون الشوارع، وسنحاول إعادة بنائه بشكل بيئي أفضل يفسح في المجال لمساحات خضراء».
وتعقيباً على تصريحات السفير مكاوي أصدرت قيادة تحالف القوى الفلسطينية في لبنان بياناً أشارت فيه إلى أن مكاوي «يحاور فريقاً فلسطينياً محدداً وينسق معه، متجاهلاً تحالف القوى الفلسطينية الذي يضمن ثمانية فصائل فلسطينية، لذا إن أي كلام يصدر عن لجنة الحوار لا يلزمنا بشيء». ورأت «أن موقفه يخالف مقررات مؤتمر الحوار الوطني اللبناني التي تنص على تنظيم السلاح داخل المخيمات لا نزعه»، مشيرة إلى أن التصريح «يندرج في سياق تطبيق القرار 1559 الذي يتجاهل حق العودة ويتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تعاملاً أمنياً وليس سياسياً وهذا يفتح المجال لمشاريع التوطين والتهجير».