عمر نشابة
بعد تعذّر التوصّل إلى إجماع كافّة فئات المجتمع اللبناني، وبسبب الخلافات حول دستورية القرارات الحكومية والرئاسية، وهو ما أدى الى عدم انعقاد مجلس النواب لإقرار مشروع إنشاء محكمة ذات طابع دولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الأخرى (إذا ثبت تلازمها «وفقاً لمبادئ العدالة الجنائية» بحسب نظام المحكمة)، صدر قرار تحت رقم 1757 عن مجلس الأمن في جلسته في 30 أيار 2007 ينشئ المحكمة الخاصّة بلبنان بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ورأى مجلس الامن أن الاتفاقية الدولية بين لبنان والأمم المتحدة بهذا الشأن قائمة، وأن مشروع نظام المحكمة سارٍ وهو جزء من القرار 1757 الملزم. وينصّ نظام المحكمة على بعض الإجراءات الأساسية بخصوص عمل المحكمة والاستعدادات اللازمة لانطلاقها تمهيداً للخطوات المقبلة بعد تحديد هولندا البلد المضيف. وبناءً على نظام المحكمة وعلى معلومات خاصّة بـ«الأخبار» لا بدّ من التوقّف عند ثلاث نقاط لافتة:
استعجال تعيين القضاة اللبنانيين
ينصّ القرار 1757 الذي صدر في 30 أيار 2007 على أن المحكمة الخاصة بلبنان تنشأ اعتباراً من 10 حزيران 2007، «ما لم تقدم حكومة لبنان قبل ذلك التاريخ إخطاراً بموجب المادة 19 (1) من الوثيقة»، وتنصّ الفقرة الأولى من المادة 19على أن اتفاق إنشاء المحكمة «يبدأ في اليوم التالي لإخطار الحكومة الأمم المتحدة خطياً باكتمال الشروط القانونية لبدء النفاذ». لكن ذلك لم يحصل، إذ لم تتمكّن حكومة فؤاد السنيورة من إعلان أن «الشروط القانونية» قد اكتملت، وبالتالي تمّ تجاوز مجلس الأمن برئاسة المندوب الاميركي زلمان خليل زاد، للشروط القانونية اللبنانية لإنشاء المحكمة. وفي غضون ايام تلت العاشر من حزيران سارع وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى إلى إرسال لائحة بالقضاة الـ12 اللبنانيين المرشحين لتولّي مهمات في المحكمة الخاصة إلى مجلس الوزراء الذي أرسلها بدوره إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
قد يكون استعجال وزير العدل ومجلس القضاء إرسال الأسماء بسبب الحماسة التي يشعر بها أكثر اللبنانيين لاقتراب كشف حقيقة قتلة الحريري، لكن البعض قد يرى ذلك من باب السذاجة ويحبّذ البحث في الأسباب الحقيقية لاستعجال الحكومة، علماً أن نظام المحكمة لا يحدّد مهلة زمنية ملزمة لتعيين القضاة اللبنانيين. حصلت «الأخبار» على معلومات من مصادر متابعة، تفيد بأن استعجال إرسال لائحة القضاة يعود لإصرار جهات حكومية على إتمام هذا الأمر سريعاً خشية حصول تغيير حكومي قد يسبّب تجاذبات بين الوزراء بما يخصّ اسماء بعض القضاة على اللائحة. وبغضّ النظر عن صواب تلك «الخشية» أو عدمه، فإن استعجال تشكيل لائحة القضاة وإرسالها إلى الأمين العام لأسباب سياسية تتعلّق بقطع الطريق على المنحى التوافقي الداخلي لجميع الفئات المحلية على أسماء القضاة، أمر يخالف الجهود التي يفترض أن تُبذل لتأمين عدالة المحكمة الدولية وصدقيتها.
النظام الطائفي 6 مكرّر يساوي 12 قاضياً
«يعيّن الأمين العام القضاة اللبنانيين للعمل في الدائرة الابتدائية أو دائرة الاستئناف أو ليعمل أحدهم قاضياً مناوباً، وذلك من قائمة تتألف من اثني عشر شخصاً تقدمها الحكومة بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى» (الفقرة 5 من المادة 2). لا ينصّ نظام المحكمة ولا نصّ الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة على سبب تأليف لائحة القضاة اللبنانيين من 12 اسماً بدل 10 مثلاً أو 20. ولا يمكن الأمم المتحدة التي ترفض المعاهدات الدولية الصادرة عنها التمييز بين الناس على أساس طوائفهم ومذاهبهم ومعتقداتهم، أن تطلب أو تبارك إجراء رسمياً يقتضي اختيار قضاة المحكمة على أساس توزيعهم الطائفي. لكن يبدو أن الرقم 12 لم يأت بالصدفة، إذ إنه مؤلّف من 6 قضاة مسيحيين و6 مسلمين وكأن «العدالة» تتطلّب ذلك، ولا بدّ من أن الخبراء القانونيين في الأمم المتحدة كما في لبنان، يعلمون أن المعيار الطائفي، مثل معيار الجنس، لا يندرج ضمن المعايير المحدّدة بحسب أسس العدالة لاختيار القضاة، بل يفترض أن تُعتمد معايير النزاهة والاستقلالية والكفاءة والخبرة وحدها دون الدخول في مسألة عدم إدراج قاض من الطائفة السنّية (مثلاً) في اللائحة، حتى لو كان أكثر نزاهة وكفاءة واستقلالية من قاض من المذهب الكاثوليكي (مثلاً) بسبب التوازن الطائفي المذهبي. لكن للأسف، نقل مصدر مطّلع لـ«الأخبار» أن لائحة القضاة اللبنانيين التي أُرسلت إلى الأمم المتحدة تتضمّن 2 من الموارنة و2 من الروم الأرثودكس واثنين من الكاثوليك و3 من السنّة و2 من الشيعة ودرزياً واحداً. بينما ينصّ الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء محكمة خاصة على أنه «يتعيّن أن يكون القضاة اشخاصاً على خُلق رفيع، وأن تتوافر فيهم صفات التجرد والنزاهة، ويتمتعوا بالخبرة القانونية الواسعة. ويتعين أن يتمتع القضاة بالاستقلال في أدائهم لوظائفهم، ولا يجوز لهم أن يقبلوا أو يلتمسوا توجيهات من أي حكومة أو من أي مصدر آخر.» (الفقرة 4 من المادة 2). ولا تذكر الطائفة أو المذهب أو الدين. هل تنبّه رئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة نيكولا ميشال لهذا الأمر؟ وألا يمكن الطعن بشرعية المحكمة بناءً على الاعتبارات الطائفية التي سبقت تعيين القضاة؟
معايير قبول الأدلّة والشهود
إن نظام المحكمة الخاصّة بلبنان ينصّ على أن المحكمة «تتلقى الأدلة التي تم جمعها في ما يتصل بقضايا خاضعة لنظر المحكمة الخاصة قبل انشاء المحكمة، وقامت بجمعها السلطات الوطنية في لبنان أو لجنة التحقيق الدولية المستقلة وفقاً لولايتها المحددة في قرار مجلس الأمن 1595 (2005) والقرارات اللاحقة. وتقرر دوائر المحكمة مقبولية هذه الادلة عملاً بالمعايير الدولية المتعلقة بجمع الادلة. ويعود لدوائر المحكمة تقويم اهمية هذه الادلة.» (المادة 19) رغم وضوح مضمون هذه الفقرة، علمت «الأخبار» من مصدر مطّلع أن بعض المعنيين في التحقيقات القضائية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري يعتقدون أن في إمكان المحكمة قبول بعض «الادلّة» التي كان قد ذكرها رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس في التقريرين الاولين للجنة والتي يُعدّ عدد منها مخالفاً لـ«المعايير الدولية». ورأى هؤلاء أن المحكمة قد تعتمد على المادة 21 التي تنصّ «في الحالات غير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، تطبق الدائرة قواعد الإثبات التي من شأنها أن تؤدي بأفضل السبل إلى البت العادل في المسألة المعروضة عليها والتي تتناغم مع روح النظام الاساسي ومبادئ القانون العامة». لكن يبدو أن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن كلّ «الدلائل» التي ذكرها ميليس في تقريريه «منصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات».