نادر فوز
مشاهد مسرحية وسيناريوهات لم يتنتهِ من كتابتها شربل رامورابي، فتركها لأصدقائه وزملائه، علّهم يكملونها ويتذكرون دوماً «الشاب الطيّب والمساعد لطلاب الفنون ـ 2»

«أنا أخدت من حزبك إفادة، بس ولادي ما أخدوا من مدرستهم إفادة. فإفادة حزبك ما إلها ولا أي إفادة». بهذه العبارة يختتم شربل رامورابي أحد سكيتشات «فراجيل»، مسلسل ساخر أعدّه رامورابي وصديقه سامر السعيدي.
«خُلصوا زَيتاتو»، «مَشيئة رَبّنا»، «هيك مَكتِبلُو»، تكثر العبارات التي نبرّر فيها الموت. وأسهل ما يمكن البوح به على مقربة من أهل «الفقيد» وأصدقائه هو عبارة «ارتاح». إلاّ أننا نبقى غير مقتنعين بها، على الأقل في حالة رامورابي، وهو ما يوافق عليه السعيدي، «لا لم يسترح، بدأ لتوّه في عمله ونجاحه وعطائه وإنتاجيّته».
أحيا الأصدقاء الذكرى الأربعين لشربل رامورابي، المتخرّج في عام 2000 من قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة ـــــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية، وذلك في المعهد ـــــ فرن الشباك. حضروا، دخلوا القاعة الكبرى، تعانقوا، قبّل بعضهم بعضاً، تذكروا بعض المشاهد مع شربل، بكوا عند سماع الكلمات والشهادات، تفاعلوا مع بعص مشاهد الفيلم الذي يتحدث عن فقيدهم، خرجوا بعدها لاستعادة حياتهم الطبيعية محاولين نسيان ساعة من الزمن أعادتهم أكثر من أربعين يوماً إلى الوراء حين كان «الرامورابي» يملأ أوقاتهم. كمعظم متخرّجي الفنون، بقي لرامورابي هاجس الانخراط في سوق العمل. وزاد الأمر سوءاً عدم حصوله على «الهوية اللبنانية»، إذ إنّه من أب مدغشقري وأم لبنانية، فنقصته هذه «الإفادة» ليكون متساوياً مع باقي زملائه في البطالة.
شربل، من مواليد الدكوانة في 19 تشرين الأول عام 1978، درّس المسرح لتلامذة الـMont La Salle والـSaint Coeur، وعمل في مسلسلات عدة على الشاشة المحلية أبرزها «الحلّ بإيدك» و«حكايا» (New TV)، و«السجينة» (LBC)، إضافةً إلى كتابة نصوص وإخراج مسرحيات أهمها «فتح سكون»، «عالدورة» و«عالمقعد ورا». وشارك في تمثيل أعمال أخرى منها «آل صفر»، «معاقون». على رغم غياب «الهوية اللبنانية»، مثّل رامورابي لبنان في مهرجانات دولية عدة أهمها «مهرجان الدراما الإغريقية» في قبرص حيث نال وزميلته ديامان أبو عبّود الجائزة الأولى عن عمل «سبعة قادة على أبواب طيبة» لإخيليوس.
تحدث خلال اللقاء الممثل جان قسيس، مسؤول قسم المسرح في الفنون ـــــ الفرع الثاني جان داوود، دازيريه دكّاش باسم طلاب دفعة تخرّج رامورابي، نجاة رزق باسم شركة «فاير هورس» للإنتاج حيث عمل شربل أخيراً، شقيقته جورجيت باسم العائلة، إضافةً إلى كلمتين لرابطة قدامى المعهد. بعد الكلمات عُرض روبورتاج «شربل رامورابي ــــ دائماً في البال»، الذي أعدّه كل من المخرج بهيج حجيج وسامر السعيدي وجوسلين أبي جبرايل وكارمن ضومط بالاشتراك مع «فاير هاوس» ورابطة قدامى الفنون ــــ2. وتضمّن الفيلم العديد من الشهادات، أهمها ما ذكره الفنان نقولا دانيال عن الاتصال الأخير بشربل: كانت أول عبارة أطلقها الأخير «عمرك أطول من عمري أستاذ»، وعلّق دانيال «لو كنت أعلم أنّ عمري أطول من عمرك لما اتّصلت بك».
أما الفنانة كارمن لبّس، فاختصرت الموضوع أيضاً «كل الأماكن لك، وحيث أنت اليوم لست بحاجة إلى جنسية أو انتماء إلى أي بلد أو دين». وبحسب لبّس كان رامورابي مصرّاً على البقاء في لبنان على رغم كل شيء، «مؤمناً بأنّ الأمور ستتيسّر». تيسّرت الأمور مع شربل، فبدأ العمل في «فاير هورس» وبمرتّب عال، إلا أنّ هناءه لم يدم كثيراً، فقضى في حادث سير «سخيف» فجر نهار الأحد 17 حزيران الماضي على أوتوستراد الزلقا.
قبل وفاته، كان رامورابي ينهي كتابة فيلم طويل بعنوان «كيف يعني بدّو القمر»، وبقي ما يقارب ثلاثين مشهداً. يتحدث سامر السعيدي عن صعوبة إكمال الفيلم، مشيراً إلى أنّ شركة «فاير هورس» عرضت عليه إكمال كتابته وتبنّت إنتاجه، وأنّ عدداً من المخرجين عرضوا إخراجه. «لا يمكن أحداً إكمال ما بدأه آخر، وخصوصاً أنها أفكار ومشكلات وعلاقات شربل بمحيطه»، يقول سامر. ويتحدث السعيدي عن «Fragile»، المسلسل الذي عمل وشربل على كتابته، ويتحسّر: «قبلت إحدى الشاشات المحليّة عرضه». حاول شربل وسامر في «فراجيل» إظهار مواقف عديدة من المجتمع اللبناني وأنماط عيشه وتفكيره، إلا أنّ بعض المشاهد «المباشرة»، بحسب سامر، يستحيل عرضها على التلفاز، «فقررنا عرضها في عمل مسرحي وبقي علينا إيجاد التمويل اللازم». وفي محاولة أخرى، كان الصديقان بدآ بكتابة مجموعة من السكيتشات ضمن Prova، فأنهوا الحلقة الأولى منه.
كبرت المشاريع وهزل التمويل، والأهم إكمال «كيف يعني بدو القمر»، ولو كان الأمر صعباً.