قانا ــ آمال خليل
استبق ذوو شهداء مجزرة قانا الثانية، الزمن لاستعادة اللحظات الحزينة التي أفقدتهم 27 من أبناء حي الخريبة وجرحت أكثر من ثلاثين؛ لا يزال من يتابع فيهم علاجه إلى الآن وحتى أمد ليس بقريب. لم ينتظروا حلول اليوم، ذكرى وقوع المجزرة، بل أحيوها قبل يوم واحد، ربما لئلّا يُشغلوا اليوم سوى بحزنهم وحدهم من دون كاميرات وزوّار وخطابات.
حول القبور التي صارت شواهدها وروداً، توزّع الآباء والأمهات والإخوة؛ كل منهم اقتسم قبر أحبّته. واكتمل المشهد: أحياء وأموات وصور ناطقة؛ لكل مواطن قبر، لا بل في قانا لكل مواطن ثلاثة قبور أو خمسة أو حتى عشرة. هذه منى كمال. لا تزال في حيرتها منذ عام، ماذا ستقول لزوجها محمود هاشم عن الصبيان الثلاثة الذين غدرت بهم المجزرة بعدما أمّنها عليهم وغاب في جهاده. لم تكن تعلم حينذاك أن محمود سبقهم قبل عشرة أيام وهو في انتظارهم ليلحقوا به. فلا عليها، قبره يقابل قبورهم والحديث بينهما طويل.
وإلى قانا، توافد عدد من الناشطين الأجانب، بوفاء عالي الجودة فاق الصنع المحلي. حضورهم كان لافتاً عوّض بعضاً من النسيان. براين كنان الصحافي الإنكليزي، عاد إلى الجنوب خصيصاً لإحياء الذكرى وحمل إكليله الحزين معه.
بالرغم من ذلك، أريد للاحتفال أن يثبت أنه الشرعي في ضوء الاحتفال الذي تقيمه اليوم لجنة استُحدثت أخيراً اسمها «لجنة تكريم شهداء قانا الثانية». ورأى ذوو الشهداء أن شرعيته «يستمدها من وجودنا فيه ورعاية حزب الله له وهذا يكفيه». وتخلّلت الاحتفال كلمات تخطّت المناسبة إلى السياسة، فتحدث باسم حزب الله الوزير محمد فنيش الذي رأى «أن المعطّل للجهود والمبادرات هو تلك التدخلات السافرة التي تريد إملاء المواقف على اللبنانيين، لتحول دون توافق قواهم الأساسية، وفقاً لمنطق يقحم أزمة الاحتلال الأميركي في العراق في معادلة الصراع السياسي في لبنان، والهدف واضح: المساومة على دور المقاومة ونهجها». ثم كانت كلمة لرئيس لجنة تخليد ذكرى شهداء مجزرة قانا الأولى النائب عبد المجيد صالح الذي مثّل حركة أمل والذي قال «إننا نحيي هذه المناسبة على وقع قصف من نوع آخر تمارسه الحكومة الفاقدة للشرعية بحق شعبها وهي المسؤولة عن الشهداء والجرحى وإعادة إعمار البيوت المدمرة»، متسائلاً «عن أهداف نكران النصر الكبير الذي حققته المقاومة واستمرار الحديث عن مسؤولية الحرب». كذلك كانت كلمة لرئيس بلدية قانا محمد عطية وقصائد شعرية للشاعر المصري عبد الرحمن يوسف.