راجانا حميّة
لم تثنِ أحداث نهر البارد التلامذة الفلسطينيين المهجّرين عن تحدّي المعوّقات والضياع الذي عايشوه طوال فترة الإعداد لامتحاناتهم الرسميّة في شهادة الثانويّة العامّة، مشتّتين بين منازل الأقارب والمخيّمات القريبة. وعلى الرغم من الظروف المأساوية التي حكمت على معظم هؤلاء التلامذة الاستعانة بكتب الأصدقاء، بعدما «محت» ركام منازلهم آثار كتبهم، خاض هؤلاء امتحاناتهم، ونالوا معدّلاتٍ متميّزة. ففي قراءة عامّة لنتائج امتحانات شهادة الثانويّة العامّة، تمكّن تلامذة الفروع الأربعة (الاجتماع والاقتصاد، الآداب والإنسانيات، علوم الحياة والعلوم العامّة) من تسجيل نسبة نجاح تراوح بين 80 و95%. في فرع الآداب والإنسانيات، تقدّم إلى الامتحانات 24 طالباً، فاز منهم 19 طالباً، أي بنسبة 79,1%. ووصلت النسبة في فرع الاجتماع والاقتصاد إلى 82,6%. أمّا في فرع علوم الحياة، فقد استطاع 67 طالباً، من أصل 70 تقدّموا إلى الامتحانات، من النجاح بمعدّلاتٍ مميّزة «بين جيّد وجيّد جدّاً»، باستثناء حالة رسوب واحدة، إضافة إلى طالبيْن لم يتقدّما للامتحانات. وقد طاولت النسبة في الفرع 95,7%. وفي العلوم العامّة، قاربت النسبة 95وإذا كان تلامذة شهادة الثانوية العامة قد استطاعوا «الفرار» بنتائجهم على رغم الأوضاع الأمنيّة السيّئة في مخيّماتهم، إلاّ أنّهم يشكون اليوم صعوبة الدخول إلى الجامعات إذا ما استمر الوضع الأمني والاقتصادي على حاله. ففي دراسةٍ ميدانيّة أجرتها المؤسّسة الفلسطينيّة لحقوق الإنسان «شاهد»، في العام الماضي، عن الصعوبات التي يواجهها الطالب الفلسطيني، بدا أنّ أوضاع الطلّاب تخطّت مسألة المستوى العائلي المتردّي، إلى ثلاث مواجهات أخرى يخوضها الطلّاب مع صندوق الطالب الفلسطيني والجامعة اللبنانية والأونروا. ففي ما يتعلّق بصندوق الطالب الفلسطيني، أظهرت الدراسة أنّ تقديمات الصندوق تراجعت بشكلٍ كبير، بسبب توقّف تقديم المنح للطلّاب الفلسطينيين في جامعات أميركية أو أوروبية، وفي جامعات الدول العربية، والمنح من دول مصر والأردن ومن الضفة الغربية وقطاع غزة، وبيّنت أنّ الصندوق يستثني جامعات وفروعاً واختصاصات محدّدة من المنح، إضافة إلى رفع معدل العلامات في الجامعات من 60% إلى 75%، وإعطاء أصحاب معدل 75% من العلامات 70% من قسط الجامعة فقط.
وتعزو الدراسة تراجع الدعم إلى أسبابٍ عدّة منها سياسي، وخصوصاً من دول الخليج، بعد قرار منظمة التحرير الفلسطينية الوقوف إلى جانب العراق في غزوه للكويت، فضلاً عن أنّ الاتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية لا يحبّذان مساندة «مشاريع دعم الطالب الفلسطيني» على نطاق واسع. يضاف إلى ذلك هروب منظّمة التحرير الفلسطينية من تحمّل مسؤولياتها من خلال الاتحاد العام لطلبة فلسطين. وبالنسبة إلى الأونروا، فقد طوّرت خدماتها لتشمل الطلّاب الجامعيين، بعدما كانت مقتصرة على الخدمات التربوية للطلّاب حتى المرحلة الثانوية، إلاّ أنّ زيادة التقديمات لا تتناسب والحاجة الفعلية للجميع.
وفي السنوات الأخيرة، انتهجت الأونروا سياسة تقديم منح للطالبات من دون الطلاب، ولكن ضمن معايير معينة تختلف باختلاف ما هو متوافر من موازنات في هذا الخصوص، أو تخضع وفقاً لسياستها وشروط الدول المانحة، إلاّ أنّها سرعان ما عدّلت في شروطها لتشمل الطلّاب أيضاًَ، فكان توقيتها خاطئاً في العام الماضي، ولا سيّما أنّ معظم الطلاب كانوا قد التحقوا بجامعاتهم.
أمّا في ما يخصّ العام الحالي، فلم تستقر الشروط بعد إلى الآن بسبب أوضاع البارد. وفي الجامعة اللبنانية، يُضطر الطلّاب إلى الالتحاق بكليات الآداب والعلوم الإنسانية لسببين يتعلّقان بانخفاض نسبة رسم التسجيل إلى حدود 250 ألف ليرة لبنانية، وعدم تمكّن معظم الطلّاب من الالتحاق بالجامعات الخاصّة. أمّا بالنسبة إلى الأطر الطالبية، فلا توجد أرقام محددة يمكن الانطلاق منها لمعرفة حجم المساهمة في مساعدة الطالب بشكل عام والجامعي بشكل خاص، غير أنّ المؤكد أن الدور الذي تقوم به هذه الأطر ضعيف
جداً.