strong>تركّز هذه الدراسة التي ننشرها، على حلقتين، على الإخفاقات الاستخبارية الإسرائيلية، كما ظهرت خلال حرب تمّوز. تتناول الحلقة الأولى، الضعف في مجال جمع المعلومات، وتأثير ذلك على الوسائل القتالية والدفاعية، ومعرفة حجم مقاتلي حزب الله. أمّا الحلقة الثانية، فتركّز على مجالَيْ معالجة المعلومات ونقلها، قبل أن تتطرّق إلى بعض التوصيات
أرغمت المواجهة الأخيرة في لبنان إسرائيل، مرة أخرى بعد سنين طويلة، على المواجهة العسكرية على جبهتي قتال، الجنوبية ضد حماس والشمالية ضد حزب الله.
في كلتا الحالتين، كانت دولة إسرائيل هي التي قرّرت التصعيد، ردّاً على عمليات هجومية ضد قوات جيشها ومواطنيها. وفي كلتا الحالتين، غُطي الخروج إلى المعركة من خلال الافتراض أن للجيش القدرة على إنهاء المهمة بنجاح.
القرار بعمل عسكري مكثّف في غزة، اتُخذ بعد خطف الجندي جلعاد شاليط، من منطلق الرد بقوة على العملية وعلى الخطف الذي نظر إليه الجمهور الإسرائيلي كتجاوز للخط الأحمر. ورغم المفاجأة، كان الجيش الإسرائيلي مستعداً خلال فترة قصيرة لتصعيد عملياته وفقاً لقرار المستوى السياسي. وعندما تلقى المصادقة، عمل بحزم واستغل تفوّقه النسبي الواضح.
ناقش صانعو القرارات في إسرائيل إمكان أن يقدم حزب الله على محاولة للعمل في القطاع الشمالي، وكان التقدير أن الأمر سيكون حدثاً مدروساً ومسيطراً عليه. وعندما فتحت المعركة ضد حزب الله بعد خطف الجنديين، بدا أن الجيش سيظهر مرة أخرى نفس السيطرة والتفوق النسبي لجيش نظامي قبالة مقاتلي عصابات. تم تدمير بنى تحتية ومستودعات أسلحة لحزب الله، وبدا أن معلومات الاستخبارات الاستراتيجية التي تم الحصول عليها قبل الحرب، قد وفت بالغرض.
مع مرور الأيام، تطلبت المعركة مزيداً ومزيداً من القوات العسكرية، وكلما تقدمت المعركة ظهرت فجوات ما بين التوقعات والقدرات، وظهرت نقاط ضعف، صعّبت على الجيش استكمال النصر وإنزال هزيمة مُرة بحزب الله، كما تحقق في الساحة الجنوبية. أسباب تلك الفجوات ونقاط الضعف كثيرة، بدءاً من قدرة الجيش وصولاً إلى قدرات الخصم.
يركز هذا المقال على فهم الفجوة بين المطلوب والموجود، على المستوى الاستخباري التكتيكي، كما انعكس خلال قتال القوات البرية. وهذا المقال يستعرض ويضرب الأمثلة على ضعف الاستخبارات كما تبيّن شمالاً، وذلك في ثلاثة مجالات مركزية: مجال جمع المعلومات، مجال البحث، ومجال معالجة المعلومات ونقلها وتحويلها للمعنيّين. وفي الختام، نعرض تفسيراً، ممكناً، لهذا الضعف، وإلى جانبه توصيات.

العقبات في مجال جمع المعلومات

قدرات جمع المعلومات الكبيرة والعالية التي أظهرها جهاز الشاباك والجيش في الصراع مع الإرهاب الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة، لم تأخذ ترجمتها على الجبهة الشمالية، سواء بسبب التدريج الثانوي لتنظيم حزب الله في القائمة، أو بسبب تقليص الموارد لجمع المعلومات في لبنان، أو بسبب مصاعب مفهومة في إدخال عملاء إلى داخل تنظيم حزب الله. فقد قلَّت بشكل ملموس قدرات جمع المعلومات التي كانت في أيدي الاستخبارات عن هذا التنظيم وعمله وانتشار قواته.
ثمّة غياب لمصادر بشرية تقدم المعلومات في الزمن الصحيح، ومُنع عن الاستخبارات عرض ناتج مناسب على المستوى التكتيكي. مثلاً، بقيت راجمات الصواريخ ذات المدى القصير فاعلة، دون أن ينجح الجيش بإيقاع ضرر حقيقي بها، وهكذا أيضا لُمس نقص في كل ما يتعلق بنتائج الإحباطات، أي استخدام منظومة الاعتراض، خلافاً للنتائج التي حققها الشاباك في الضفة والقطاع.
لم تنشأ الفرصة لإيجاد ربط ضروري بين طائرة تقصف من الجو وهدف على الأرض، كما يحصل في غزة من خلال الاستخدام شبه الضروري للمصادر البشرية ودورها في عملية الربط.
المهم أن نشير إلى أنه ليس في كلامنا تقليل من المصاعب الحقيقية الماثلة أمام مشغل العملاء عن بعد، وخصوصاً على خلفية الشك الطبيعي في حالة الحرب، إلا أن دولة إسرائيل أثبتت في الماضي إبداعاً حتى في مواجهة عقبات من هذا النوع.
وسيلة جمع معلومات أخرى من الجدير دراسة نتاجها في وقت الحرب، هي التشويش الموكل إليه مهمة السيطرة على اتصالات العدو.
لقد حرص حزب الله على مستوى عال من الأمن الميداني والتشفير، خشية قيام إسرائيل بالتنصت عليه، كما قال نصر الله في خطاب له في أيار من هذا العام، وقد وجدت الاستخبارات مصاعب في هذا المجال.

العقبات في مجال البحث

من مهمات وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية واستخبارات قيادة المنطقة الشمالية، أن تركز وتحلل وتقدر قدرات حزب الله. ويهدف التقدير، قبل أي شيء، إلى أن يقدم للمستوى السياسي معلومات دعم للقرار. وما لا يقل أهمية، دورها في أن تقدم للقوات المقاتلة معلومات دقيقة عن العدو الواقف أمامها.
يبدو أنه في عدة مجالات، أخفقت «أمان» واستخبارات المنطقة الشمالية، في تقديراتها لقدرات حزب الله.
في الوسائل القتالية: فشلت الاستخبارات في تعقب الوسائل التي تدفقت من إيران وسوريا إلى حزب الله قبل الحرب. ولذلك، فقد بقيت ثقوب سوداء كثيرة حول نوع وطبيعة الوسائل التي كانت بحوزته. ومن بين الأسباب التي تفسر هذه الحقيقة، طرق النقل والإمداد، والبعد الجغرافي، والتشديد على قواعد الأمن الميداني التي يحرص عليها حزب الله. ويظهر أن ذلك كان كفيلاً بتحويل المعلومات المجمّعة لدى الاستخبارات إلى قيمة محدودة فقط.
في الملاك والقيادة: في تقديرات سابقة للحرب، قبل القتال، لم يكن لدى الجيش نظرة واضحة إلى ملاك قوات حزب الله وحجمها. وقد تراوحت الأرقام ما بين 2000 مقاتل فعلي، كما كان معروفاً قبل عقد من الزمن، و8000 عنصر في التنظيم كله. اليوم، ولاحقاً بعد القتال، فإن الاعتقاد السائد هو أن الطاقة البشرية لدى حزب الله أكبر من ذلك، رغم الضربات الموجعة التي تلقاها.
فجوة إضافية، ظاهرة للعيان، هي رسم خرائط ومعرفة السلسلة القيادية. فقد حافظ حزب الله على الغموض بشأن قادته وصلاحياتهم وانتشارهم الجغرافي. ومن عُرف منهم هما أكبرهما، حسن نصر الله وعماد مغنية، اللذان وضعا على لائحة المرشحين للاغتيال.
في طرق القتال والدفاع: وجد جيش الدفاع، الذي دأب على تنفيذ تدريبات قتالية مستندة إلى معرفة العدو، والذي بنى مراكز تدريبه ومناوراته العسكرية العصرية، وفقاً لنموذج واقعي، وجد نفسه يقاتل في لبنان في «مناخ عمل» غير معروف... المحميات الطبيعية، ومنظومة أنفاق وتحصينات مموهة، ومنظومات التحصينات الأفقية ووحدات الإطلاق اللاسلكية، وضعت تحدياً صعباً أمام الجيش أثناء القتال. وللمقارنة، في القطاع الفلسطيني، قدمت الاستخبارات معلومات دقيقة عن الطرق القتالية والدفاعية للعدو، وتدربت الوحدات القتالية على هيكليات قتالية مماثلة.
(غداً حلقة ثانية وأخيرة)




الكاتب : يوعاز هندل

(باحث في الشؤون العسكرية، رائد احتياط في وحدة الشييطت (13) التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي)

المصدر

معهد أبحاث الأمن القومي (جافي سابقاً) التابع لجامعة تل أبيب

اجزاء ملف "إخفاقات الاستخبارات التكتيكيّة في حرب لبنان":
الجزء الأول | الجزء الثاني