ثائر غندور
اهتزّ الوضع الأمني في لبنان مجدداً، وعادت ظاهرة أمن الأحياء إلى الواجهة في أغلب شوارع المدينة. فانعدام الثقة بأجهزة الدولة، والقلق مما يمكن أن تحمله كل ليلة من انفجارات، جعلا من الشباب والطلاب الحرّاسَ الجدد. كيف يقوم الحرّاس بالدور المطلوب منهم في ظل الاستحقاقات الأكاديمية؟
تنتشر أخبار تفكيك العبوات كالنّار في الهشيم بين الشباب. فقد تحوّلت خبرية بعض المفرقعات المدوّية إلى «انفجار عبوة في عين الرمانة»، ليتبين لاحقاً أنّها مجرد قنبلة صوتية عند تقاطع كنيسة مار مخايل. يسيطر القلق على حياة الشبّان حتى بات الوضع الأمني حجة إضافية للأهل، كي يطلبوا من أبنائهم التزام المنزل، إضافة إلى ضرورة إيلاء دروسهم الأهمية القصوى فـ«الامتحانات على الأبواب». تقول أم بسام لابنها الذي يُفترض به أن يقدّم في شهر حزيران امتحانات شهادة الثانوية العامة: «كل يوم في انفجار، لوين رايح». يردّ بسام على أمه قائلاً: «بدك انفجر بالبيت»، ويضيف: «أصلاً ممكن يلغوا الامتحانات الرسمية وينجحونا كلنا». لا تقتنع الوالدة بحجة ابنها الذي يمضي ساعات النهار أمام التلفزيون وشاشة الكومبيوتر حتى يتابع الأحداث «وما يكون مثل الأطرش بالزفة». يبدو بسام مقتنعاً بأنّ «الله هو الذي يقرر ما إذا كان سيموت أو لا»، لذا فهو يؤكد أنّه لا يخاف من أي شيء: «قد أموت في المنزل وقد أنجو من الموت إذا كنت خارج المنزل وحصل الانفجار تحته». هكذا يفلسف الأمور. أما والدته فلن تكون راضية «لكنني أدعو الله أن يوفّقه». إلّا أنّ أم بسام لا تدري أن ابنها يحرس الحي ليلاً مع عدد من رفاقه بطلب من أحد الأحزاب.
يجلس بسام مع أصدقائه في أحد المقاهي في الحي. يملك الشباب دراجتين ناريتين، ويحمل أحدهم مسدساً. «وإذا لاحظنا شيئاً نتصل بمسؤول المنطقة لنخبره ونطلب الدعم»، يقول قائد المجموعة الذي آثر عدم ذكر اسمه. يبدو أنّهم غير مقتنعين بقدرة القوى الأمنية على ضبط الوضع الأمني.
يحمل بسام كتابه وينزل إلى المقهى ليجلس مع الأصدقاء. يفضّل الجلوس في الداخل حتى لا يلاحظه الأهل «فهم يعرفون أنّه يدرس عند صديقه». يؤكد أنهم يقتنعون بنظريته لأنه يدرس مواد علمية صعبة ولذلك هو بحاجة إلى مساعدة صديقه. النرجيلة هي الجليس الدائم ووسيلة لتبدو جلساتهم طبيعية.
يدرس بسام أحياناً في المقهى. يأتي دوره للقيام بالدورية على الدراجة النارية. يجلس وراء السائق وينطلقان. يجولان في زواريب الحي. يراقبان أدق التفاصيل فهم يحفظان «الحفر في الشوارع والنباتات الصغيرة الموجودة»، كما يقول بسام. يتأكدان من السيارات الموجودة، وإذا لاحظا وجود سيارة غريبة عن الحي يستعلمان عنها بأسلوبهما الخاص: من يملكها؟ هل يزور أحداً؟ وغيرها من الأسئلة. غالباً ما يجدان أجوبة عن هذه الأسئلة. وإذا لم يجدا جواباً: «نراقب السيارة ونبلّغ مسؤول المنطقة». وعندما يمر أحد الغرباء عن الحي سيراً على الأقدام بعد الساعة العاشرة، يلحقه اثنان على الدراجة النارية من دون أن يتركاه يلاحظ شيئاً. ينفي بسام حصول أي حادثة مع أحد، «لأننا نحترم الناس»، ويؤكد أنّ أهالي الحيّ يُباركون عملهم. ولا يعتبر وأصدقاءه هذا الأمر انتقاصاً من سيادة الدولة أو تعدّياً على الدور المفترض أن تقوم به «لأنها فشلت في حمايتنا». ولدى السؤال عمّا إذا كانت هذه التصرفات تعزّز فكرة «الأمن الذاتي» التي سادت بين فئة من اللبنانيين أو تدفع بطروحات الفيدرالية إلى الواجهة؟ يسكت الشباب. لحظات ويجيب أحدهم: «يا أخي ما تزيدا علينا، مش نحنا اللي منعمل فيدرالية. نحن بكل بساطة بدنا ما يطلع انفجار في الحي».
تنتهي دورية بسام. خمس عشرة دقيقة كانت كافية. لا شيء غير اعتيادي اليوم في الحي. يعود إلى كتاب الرياضيات. يعالج عدداً من المسائل الصعبة الواردة في دليل الامتحانات السابقة. يعتبر نفسه ذكياً «حرام ضيّع على حالي سنة ولكن هناك واجب تجاه أهل الحي. إذا لم نقم نحن بحمايتهم من سيقوم بذلك؟»، بسام ورفاقه واثقون بدورهم في حفظ أمن الحي، والدليل أنه لم تحصل أي حادثة أمنية حتى اليوم، لكن لا يقوم جميع الأصدقاء بالأمرين معاً، الحراسة والدراسة.