إبراهيم الأمين
لم يعد موضوع المواجهة القائمة الآن شمالاً محصوراً بجدول أعمال محلي. وهذه واحدة من خبرات فريق 14 آذار الذي سرعان ما يجد رابطاً بين ما يقوم به في لبنان وما يرضي الأسياد الكثر في الخارج القريب والبعيد. ومرة جديدة تظهر الأجندة الخاصة بمحور الرباعية العربية والولايات المتحدة الأميركية، ما يفتح الباب أمام تصعيد داخلي يصب في السياق نفسه. إذ إنه خلال وقت قصير للغاية ينتقل تصنيف فتح ـــــ الإسلام من تنظيم أمني صغير الى تنظيم له أبعاده الإقليمية والدولية. وتبدأ المعلومات بالورود عن خططه للقيام بانقلاب أمني وعسكري ليعلن بعده عن إمارة إسلامية في الشمال. ثم تتوالى المعلومات عن روابط بينه وبين المخابرات السورية، وقد يظهر علينا من يقول إنه على صلة بإيران والله أعلم. إلا أن الحقيقة الوحيدة القائمة الآن، تنحصر في الحرب القاسية والدامية القائمة في مخيم نهر البارد التي تترافق مع تهديدات بأعمال عدائية في كل لبنان من جانب تنظيمات ومجموعات بينها وبين فتح ـــــ الإسلام شبه عقائدي وقواعد اجتماعية مشتركة، وهي تهديدات يأخذها الجمهور على محمل الجد بأكثر مما يظهر في سلوك القوى الأمنية، رغم أن الأخيرة تتحدث عن عمليات إحباط مستمرة لعمليات أمنية وعسكرية ذات طابع إرهابي.
وإذا كان الخطاب السياسي لفريق 14 آذار يحصر الأمر موضعياً في المواجهة القائمة الآن بين الجيش من جهة وفتح ـــــ الإسلام من جهة ثانية، فإن الضغط على الأهالي من الجانبين لن يفيد في منع الأسئلة عن أمور كثيرة. صحيح أنه ليس في لبنان من له وزن سياسي أو اجتماعي أو ديني مستعد لأن يشفع لفتح ـــــ الإسلام، وصحيح أن الشارع الفلسطيني الشعبي والسياسي ليس في موقع نصرة هؤلاء على ما يطلبون، إلا أن طبيعة المعارك القائمة والتورط المستمر للجيش في مخططات قد تفتح الباب أمام أهوال كبيرة، تفرض العودة الى الأسئلة وإلى البحث عن رابط حقيقي لا وهمي بين ما يدور الآن على الأرض وبين ما يفكر فيه الأميركيون ومن معهم في المنطقة ولبنان. وليس منطقياً أبداً في هذه اللحظة أن يأخذ الجمهور بمطلب وليد جنبلاط القائم على فكرة: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
أولاً، تُظهر المعطيات الميدانية أن هناك عناصر سعودية تتولّى مواقع مهمة ونافذة داخل فتح ـــــ الإسلام والقوى المتواصلة معها، وأن لهؤلاء صلات قوية بالمجموعات التي تتولى إدارة جانب من عمليات تنظيم القاعدة اللوجستية في المنطقة والمتعلقة بنقل إمدادات بشرية ومالية وعسكرية الى العراق، أو تدريب مجموعات استعداداً لأعمال في مناطق أخرى غير العراق، وأن الشبكة التي كُشف عنها في السعودية أخيراً كانت تعمل على مشروع أكبر بكثير مما أُعلن عنه قبلاً، وأن لديها ترابطاً مع مجموعات منها من هو موجود في العراق وفي لبنان أيضاً. وفي هذا الإطار تمارس السعودية ضغطاً جدياً لأجل الوصول الى هؤلاء، ويفضل أن يُساقوا أحياءً الى السلطات السعودية التي لا تهتم بما يفعلونه في لبنان بل بحجم صلتهم بالمجموعات الأخرى وخصوصاً الناشطة في السعودية، وثمة التزام جدي من جانب فريق 14 آذار للرياض كما للأردن بالوصول الى نتائج في هذا المجال، وثمة ضغط أميركي في هذا السياق أيضاً.
ثانياً، تظهر التحقيقات ذات الطابع السياسي لما يجري في نهر البارد أن هناك من يدير اللعبة من خلف الستارة، وثمة خيط قطع في اللحظة الأخيرة بين هذه المجموعات ونافذين من قوى سياسية وأمنية لبنانية وعربية وجدت أنه لا يمكن تحويل نشاط هذه المجموعات باتجاه خصوم هذه القوى في لبنان وفي المنطقة أيضاً. وتُظهر المعطيات في هذا الخصوص، أن عمليات التعبئة التي جرت في الأوساط الشعبية التي خرج منها العشرات، منهم مقاتلو هذا التنظيم، كانت تصبّ في هذا الاتجاه، وليس صدفة أو انه سؤال عن سبب عدم توجّه هذه المجموعات وحتى ما نشر منسوباً الى تنظيم القاعدة في المنطقة بالسؤال التكفيري الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أو الى قادة تيار «المستقبل» أو إلى القوى التي تقود الحملة السياسية خلف حملة الجيش العسكرية، بل على العكس فإن هناك حملة مركّزة على «الصليبيين» مع تفصيلات وردت في اتصالات الوساطات وفي بعض البيانات بالتركيز على قيادة الجيش واعتبارها قيادةً صليبية، وحتى التعرّض للعماد ميشال عون باعتباره «صليبيّاً وحليفاً للمجوس» وإشارات أخرى من النوع الذي ينتهي باعتبار ما يحصل «حملة ضد أهل السنة من أجل منع تفوقهم على الآخرين من القوى المحلية من الصليبيين والشيعة». وكل هذا الكلام على وضوحه السياسي يكشف رغبة في تفادي أي مواجهة ذات طابع سني ــــ سني، وهو أمر مهم وجدي، وعسى أن ينتهي بمنع نشوب مثل هذه الفتنة.
ثالثاً، إن توريط الجيش في هذه المعركة أظهره في موقع ضعيف للغاية ومن زوايا عدة، فهو من دون قيادة سياسية موحدة بسبب الانقسام القائم في لبنان، وهو يشعر بحرج كبير إزاء «الود المفاجئ» الذي يأتيه من قوى 14 آذار التي تعتبره منذ زمن بعيد وثبّتت موقفها النقدي منه بعد تظاهرات المعارضة في كانون الثاني الماضي، ويبدو أن التأييد المطلق الذي تقوم به قوى 14 آذار لا يتصل ببرنامج يخالف برنامجها هي، الأمر الذي عطّل هامش المناورة أمام قيادة الجيش وجعلها مضطرة إلى السير في الخطة القائمة بغية رد الاعتبار من جهة وبغية التوصل الى وضعية تحمي الجيش من الانهيار السياسي وبالتالي التقني، علماً بأن باب المساعدات المقررة للجيش لم يفتح إلا مع تورط الجيش في معركة لم يكن هو من وقّتها وليس هو من بمقدوره إقفالها من طرف واحد. وبالتالي، فإن ما تفترضه قوى 14 آذار من التوريط القائم للجيش الآن، هو جعل رد الاعتبار الى هيبته رهن نجاحه في عمل عسكري كبير، وهو ما سوف يؤدي عملياً الى خوص معركة غير محدودة الاتجاهات، وبالتالي فإن النتيجة التي تريدها قوى 14 آذار هي نقل الجيش من موقع الحياد الإيجابي حالياً لمصلحة المعارضة الى موقع الحياد السلبي، على أمل أن يساهم ذلك معطوفاً على «الانتصار» في مشروع المحكمة الدولية وعلى الدعم الدولي المفتوح في بناء قوى ضغط تساعده على النجاح في إيصال رئيس للجمهورية من فريق 14 آذار، وبالتالي إلحاق الجيش بالركب السياسي والأمني التابع لقوى 14 آذار.
إلا أن كل ذلك لا يفيد في الإجابة عن سؤال أساسي: هل بمقدور أحد الحسم الآن بأن المعركة آيلة الى الانتهاء قريباً وبنتائج كالتي يتوخّاها الجيش. وهل يُحصر الأمر في الإطار القائم حالياً أم يتطلب نقل المواجهة قريباً الى داخل المخيّمات الفلسطينية ولو تحت عنوان «إزالة الآثار» وهل نكون أمام كرة متدحرجة تفرض على الجيش لاحقاً تحقيق التوازن من خلال توجيه ضربة الى قوة من لون طائفي آخر؟.