طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
هل يمكن اعتبار ارتفاع حدّة الاشتباكات العسكرية في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة «فتح الإسلام»، منذ يوم الجمعة الماضي، دليلًاً على أنّ قرار إنهاء وجود هذه الحركة والقضاء عليها عن طريق الحسم العسكري قد اتُّخذ، وأنّه سينفّذ على الأرض ميدانياً وبخطى متسارعة، بعدما وصلت المساعي السياسية والسلمية التي بذلها أكثر من طرف لإيجاد مخرج وحلّ للأزمة إلى الحائط المسدود؟
هذا السؤال كان الشغل الشاغل لغالبية المتابعين لما يجري في مخيم نهر البارد، إذ بعد دخول الاشتباكات أسبوعها الثالث، بدت صورة الوضع في المخيم مقلقة جداً لأكثر من طرف لبناني وفلسطيني على السواء، نظراً لما ينطوي عليه استمرار الوضع على ما هو عليه من مخاطر جمّة، يأتي على رأسها الهمّ الأمني الذي بات يستدعي معالجة سريعة له قبل استفحاله، وبالتالي انفلاته من عقاله وعدم السيطرة عليه، شرط أن يرافق معالجة الجانب الأمني غطاء سياسي واسع من أجل لملمة تداعياته واحتوائها، وهو غطاء لا يزال متوافراً حتى الآن، لبنانياً وفلسطينياً ودولياً.
غير أنّ مصادر فلسطينية متابعة أشارت لـ«الأخبار» إلى أنّ «القرار اللبناني السياسي باقتحام مخيم نهر البارد من أجل القضاء على ظاهرة حركة «فتح الإسلام»، غير واضح، وهو لم يتخذ بعد، أقله علناً»، مستبعدة اللجوء إلى اعتماد مبدأ الحسم العسكري من جانب الجيش اللبناني لأنّ هذا الخيار «جُرب في السابق ولم ينجح، ولأنّ فيه استدراجاً للجيش إلى مواقع أخطر وأكثر تعقيداً مما هي عليه الآن، لأنّ العملية منذ بدايتها لم تكن بريئة، عدا أنّ التوافق الفلسطيني الداخلي على بلورة حلّ سياسي، أو حتى عسكري، لمؤازرة الجيش وإيجاد مخرج (استسلام المسلحين، ترحيلهم إلى الخارج، أو غير ذلك من أفكار حلول) يحفظ ماء وجه الجميع غير متوافر حالياً، وهو أمر يزيد الوضع تعقيداً وتأزّماً».
وإذ قالت هذه المصادر: «استطعنا تجاوز الصراع اللبناني ــــــ الفلسطيني بعدما رفع الجميع بلا استثناء الغطاء عن هذه المجموعة، وتجاوزنا كذلك ارتدادات قصف مخيم نهر البارد في باقي المخيمات، أقله حتى الآن»، فقد أكدت أنّ «فرصة الوصول إلى حلّ سياسي وسلمي سريع للأزمة ما تزال متاحة، لأنّ الجهود التي بذلتها وساطات متعددة لم تأخذ فرصتها كاملة، ولأنّ نتائج الحسم العسكري، بشرياً وسياسياً وأمنياً، كبيرة جداً، ولا يمكن أحداً أن يتحملها».
في ظلّ هذه الصورة المعقدة، والمتداخلة مع أكثر من ملف، وبعدما وصلت الأمور إلى طريق مسدود، سارعت أطراف لبنانية وفلسطينية، خصوصاً بعد التطورات الأمنية والعسكرية على الأرض، إلى اغتنام فرصة «النجاح» الذي حققه الجيش ميدانياً، والعمل باتجاه «إنضاج تسوية» ما تحت الضغط، بحيث ينتج منها «إيجاد المخرج الملائم، ولو في حدّه الأدنى، الذي يجنّب المدنيين المزيد من الدّماء والدّمار، ويكون عبره الجيش قد استعاد قدراً من هيبته التي لا يرضى أحد الانتقاص منها، بعدما أثبت هذا الجيش وطنيته وقوميته»، مشيرة إلى أنّ «أبلغ دليل على ذلك أنّ كلّ التحركات الاحتجاجية التي شهدتها المخيمات الفلسطينية الأخرى، لم تتناول الجيش اللبناني بسوء، وأنّ معظم الانتقادات وُجّهت هي إلى قيادات فلسطينية ولبنانية وعربية ودولية».
غير أنّ هذه الأطراف اللبنانية والفلسطينية المعنية، التي أبدت خشيتها من «إطالة أمد الأزمة، مع ما لذلك من استنزاف للجيش ولقدراته، بعد إدخاله في معركة ليست معركته، وهو أمر عملت وتعمل عليه جهات لبنانية وفلسطينية وإقليمية لأسباب معروفة»، رأت أنّه «إذا تضاءلت فرصة التوصل إلى حلّ سياسي وسلمي سريع للمشكلة، وعدم قبول مسلحي «فتح الإسلام» بالتنازل أمام مطالب الجيش اللبناني، المتعلقة تحديداً بتسليم المطلوبين الرئيسيين في قضية الاعتداء على عناصره، فإنّ اللجوء إلى خيار الحسم العسكري واقتحام المخيم سيكون عندها أمراً لا مفرّ منه، وذلك عبر عملية عسكرية سريعة وواسعة، بعد تفريغ المخيم من المدنيين الباقين فيه، وإيجاد أماكن لاستقبالهم فيها، لأنّ الجيش إذا ما تراجع أمام هذه الظاهرة، فإنّها ستكبر وتنمو مثل كرة الثلج، مع ما يمثّله ذلك من خطورة على الوضع اللبناني والفلسطيني تحديداً».
وحذرت هذه الأطراف ذاتها، في موازاة ذلك، من أنّه «إذا لم يصر إلى استغلال اللحظة الحالية، وهي لحظة مناسبة أكثر من أيّ توقيت آخر لإخراج الجميع من مأزقهم، فإنّ الاتجاه نحو اعتماد الحسم العسكري واقتحام المخيم، يعني أنّ مخطط توريط الجيش قد نجح، وأنّ ارتدادات ما سيحصل في باقي المخيمات الفلسطينية وفي أوساط الحركات الإسلامية اللبنانية ستكون كارثية على الجميع، وتحديداً السلفية منها، فضلاً عن الخلايا المرتبطة بـ«فتح الإسلام» والتي يشاع أنّها ما تزال نائمة ويخشى تحركها إذا ما تطورت الأوضاع نحو الأسوأ».