نهر البارد ـ نزيه الصديق
تميّز اليوم الرابع عشر من الاشتباكات الجارية في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة «فتح الإسلام» بتحولات بارزة على الأرض، وبتمكّن الجيش من بسط سيطرته على المفاصل الرئيسية عند مدخلي المخيم الشمالي في العبدة والشرقي في المحمرة، إضافة الى دخوله مواقع عدّة للمسلحين في هذين المحورين، ووضع يده عليها.
واذا كان يوم أمس قد شهد تراجعاً في الاشتباكات، قياساً بما حصل يومي الجمعة والسبت اللذين شهدا واحدة من أعنف جولات القصف، وتحليق الطيران الحربي اللبناني فوق المخيم على علو منخفض، ومحاصرة الزوارق الحربية اللبنانية للمخيم من جهة البحر، فإن أبرز ما تحقّق ميدانياً على الأرض أمس كان إجبار الجيش اللبناني مسلحي «فتح الإسلام» على التراجع مسافة قدّرتها مصادر أمنية بنحو 500 متر، عند المدخل الشرقي للمخيم قرب بلدة المحمرة، وإبعاد نيران قنّاصتهم عن الطريق الدولي الذي يربط عكار بباقي المناطق اللبنانية، وهو ما سمح لحركة السير عليه بالتحسّن، وأن تصبح أكثر أماناً.
فضلاً عن ذلك، فقد شهد يوم أمس احتدام المعارك على المحاور الداخلية للحدود القديمة للمخيم، بعد تراجع المسلحين اليه، وعمدهم حسب مصادر أمنية الى تلغيم الأبنية التي انسحبوا منها، وكذلك الأمر مع جثث المسلحين والحيوانات المنتشرة في الشوارع والأزقة.
وأفادت المعلومات أن شهداء الجيش اللبناني بلغوا في اليومين الماضيين 9، إضافة الى سقوط قرابة 20 ضحية بين المدنيين داخل مخيم نهر البارد، فيما بقيت المعلومات قليلة ومتناقضة عن حجم الخسائر البشرية التي تكبّدتها حركة «فتح الإسلام» في صفوفها بسبب تعذّر الاتصالات وصعوبتها مع المقيمين داخل المخيم.
وقالت مصادر أمنية إن مقاتلي فتح الإسلام الذين تعهّدوا القتال حتى الموت أبدوا مقاومة شديدة، فيما قصف الجنود مخيم نهر البارد وعزّزوا مواقعهم الجديدة على المداخل. وقال أحد سكان المخيم لرويترز عبر الهاتف «ليس هناك متر مربع لم تضربه قذيفة. لا يمكن أن نترك المبنى الذي نحن فيه بغضّ النظر عن الشارع لمعرفة مدى الدمار».
وفيما اعتُبر تهديداً غير مباشر لقوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان قال المتحدث باسم المتشدّدين ابو سليم طه لـ «رويترز» ليل السبت إن بارجة لقوات اليونيفيل انضمت إلى القتال وقصفت مخبأً للمدنيين وأوقعت إصابات. ونفت قيادة الجيش مديرية التوجيه هذا الادّعاء جملةً وتفصيلاً ولا سيما أن هذا الأمر لا يندرج ضمن مهمة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وبالتالي فإنها ترفض أي تدخل عسكري في هذا الشأن من أي جهة كانت». ودعمت قيادة اليونيفيل بيان قيادة الجيش اللبناني ونفت بدورها جميع الادعاءات التي تقول إن قواتها البحرية تشارك الجيش في قصف مخيم نهر البارد؛ مؤكدة أن لا علاقة لها بشكل قاطع بالتطورات التي تحصل داخل المخيم وخارجه لأن دورها محصور ضمن القرار 1701 الذي ينص على مساعدة السلطة اللبنانية بمنع تدفق الأسلحة غير الشرعية عبر البحر. وأوضحت أن انتشار القوات الدولية البحرية على طول السواحل اللبنانية لا يزال كما هو ولم يحدث أي تغيير في مهماتها. من جهته، عبّر قائد قوات اليونيفيل الجنرال كلاوديو غراسيانو عن «تضامنه الكامل مع رفاق السلاح في الجيش اللبناني تجاه أحداث الشمال التي نتابعها عن كثب»، مقدماً إلى قيادته «أحرّ التعازي لسقوط عدد من الشهداء».
في ظل هذه الأجواء، رجّحت معلومات الأونروا أن يكون عدد المدنيين الباقين داخل المخيم بحدود 7 آلاف، فيما قدّرت مصادر اللجان الشعبية عددهم بما لا يقل عن 11 الف مدني، لم يسعفهم الحظ في النزوح منه، من بينهم نحو 150 مُقعداً. وكان لافتاً أن الرئيس فؤاد السنيورة قدّر عدد المدنيين الموجودين في المخيم بـ3100 مدني في مقابلة مع تلفزيون العربية السبت الفائت!.
وكانت أنباء من داخل المخيم قد تحدثت عن سقوط قذيفة أصابت ملجأً تحت طابقين، بعدما أوت اليه عدة عائلات، من غير أن يُعرف مصيرهم على وجه الدقة. فيما أعلن الجيش أنه امتنع عن الرد على مسلح من «فتح الإسلام» «يستهدفنا من على مئذنة مسجد الحاووز المجاور للتعاونية داخل المخيم احتراماً لقدسية المكان».
كما تحدثت الأنباء عن تردّي الأوضاع المعيشية والصحية في المخيم على نحو خطير، حيث لم يبق فيه إلا طبيب واحد يعمل بلا أي إمكانات، وأن هناك افتقاراً على نحو واسع إلى الخبز والماء والمواد الغذائية وحليب الأطفال والأدوية، وهو الأمر الذي دفع جهات عدة الى ضرورة إرساء هدنة موقّتة لساعات من أجل إجلاء الجرحى والمدنيين ودفن القتلى وإدخال طاقم إنقاذ طبي وإغاثي كامل.