صيدا- خالد الغربي
الجيــش اللبــناني يرفــع درجــة التأهّــب و 220 عائلــة نزحــت إلى دار البلديــة


لم تخيّب عبارة «على الفحم» التي ذيلت بها محلات الشامية في تعمير عين الحلوة ظنّ واضعيها فقد تكفلت قذيفة مدفعية جراء الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في وقت مبكر من فجر أمس بين الجيش اللبناني وعناصر جند الشام في محلة التعمير ومخيم الطوارئ بجعل جزء من المحل وأثاث منزل بهجت أبو زينب الذي يعلوه فحماً ورماداًَ، بعدما سخّن البارد جبهة عين الحلوة التي شهد محيط مخيمها اشتباكات عنيفة استُخدمت فيها كل أنواع الأسلحة الرشاشة والصاروخية، وكان لافتاً إدخال الجيش لسلاح مدفعيته في المعركة حيث استخدم كثافة نيران عالية في المعركة، وقامت مرابضه البعيدة عن ساحة القتال ومدافع الهاون بدكّ المواقع والمنازل التي استخدمها مقاتلو جند الشام، وهي المرة الأولى التي يُضطر فيها الجيش الى استخدام المدفعية البعيدة، في هذه المنطقة منذ معركته مع المقاتلين الفلسطينيين شرق صيدا عام 1991 عندما انتشر الجيش في هذه المنطقة. وقد استمرت الاشتباكات حتى ساعات الصباح الأولى وذكرت المعلومات أن الاشتباك الليلي تخلّلته مواجهات عن قُرب، انعدمت أحياناً الى بضعة أمتار فقط، واستُأنف الاشتباك لكن بشكل محدود جداً عن السادسة وليستمر نصف ساعة ليخيم بعدها الهدوء الحذر على الوضع طيلة نهار أمس، وبانتظار الحلول السياسية طرحت فكرة تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة للانتشار في مخيم الطوارئ ولضبط عناصر جند الشام وضبط الانفلات وعدم التطاول على الجيش اللبناني، وقد سقط للجيش شهيدان هما جورج عقل وعمر الحاج، فيما قتل أحد عناصر عصبة الأنصار الإسلامية الذي لم يكن مشاركاً في القتال حسب تأكيدات فلسطينية كما جرح عدد من المدنيين وقد طاول الرصاص عمق الأحياء السكنية في صيدا كما أفيد عن سقوط قذيفة بالقرب من السرايا الحكومية.
ولوحظ أن الجيش اللبناني استقدم تعزيزات الى محيط مخيم عين الحلوة تحسّباً لأي تطورات قد تحصل، فيما أبقت حركة فتح على انتشارها لجهة المخيم حيث وصل عناصرها إلى حاجز الجيش اللبناني لضمان المفرق الفوقاني لمخيم الطوارئ وبدا أن حاجز الجيش عند مدخل المخيم كأنه حاجز مشترك بينه وبين الفلسطينيين، وأبعد الجيش ظهراً مندوبي وسائل الإعلام والفضائيات الى مكان أبعد من المكان الذي اعتادوا التجمّع فيه.
صمت تبادل إطلاق النار وذهب الليل وتكشّف الصباح عن معركة كانت محتدمة وكأن بقعة الزيت المنتشرة على طول امتداد الشارع التحتاني المتسربة تعكس بقعة انتشار المعركة، وكل شيء يوحي بذلك، لكن الأضرار كانت كبيرة في بعض المنازل التي أصيبت مباشرة بالقذائف وكذلك المحالّ والسيارات وشبكة الكهرباء، وآثار القذائف والرصاص بادية بكل اتجاه على جدران المباني والشرفات والزجاج المتطاير بعدما نخره الرصاص الذي كانت طلقاته الفارغة تنتشر بكثافة على الطريق، والشعار المرفوع في أحد أزقة التعمير ومفاده بأن «أبو الغضب مر من هنا» ينبئ حقيقةً بأن الغضب مر من هنا.
كلام كثير تسمعه من مجموعة من أبناء المحلة كانت تنتظر قدوم عائلة بهجت أبو زينب بعدما أبلغوها عبر الهاتف بإصابة منزلها، ومن هذا الكلام أن الحق ليس على الطليان هذه المرة «ياخيي مين جاب جند الشام ومين موّلهم وصاروا بهذه القوة؟، بدنا نرتاح تعبنا كتير».
محل «سمانة» أبو سعد نسب نال نصيبه أيضاً وعمل صاحبه على سحب ما بقي صالحاً من مواده الغذائية وغير عابئ بإسداء صديق له نصيحة «شو عم تعمل مش عارفين إذا بترجع بتشتعل بدور الخبيط، ع شو مستعجل، طوّل بالك»، لكن أبو سعد لا يكترث كثيراً للنصيحة ويفتح وجع معاناته ويصرخ «راح نصف المحل بقذيفة أصابته... الله بقولها الله يساعدنا مين بيعوض علينا».
مواطن من آل الشامية قال «بيوتنا خربت مين بيعمّرها» الحل بيد «الدولة ولازم تخلصنا من هؤلاء الزعران». منزل محمود حجازي القريب من خط السكة أصيب هو الآخر بقذيفة هاون كانت كفيلة بتدمير جزء من المنزل الذي لم يتم أساساً الانتهاء من العمل به. وفي مخيم الطوارئ كانت الأضرار المادية جسيمة حيث اندلعت النيران في عدد من المنازل والمحال التجارية.
سياسياً، تكثفّت الاتصالات واللقاءات أمس بهدف التوصل إلى اتفاق لتطويق ذيول الاشتباكات وضمان عدم تجددها وخصوصاً أن اتفاقات شبيهة لم تصمد وكانت تسقط قبل أن يجف حبر بيانات التهدئة. فقد تمكنت لجنة المتابعة المنبثقة من هذه القوى من صياغة اتفاق نقلته على شكل مبادرة إلى قيادة الجيش في الجنوب في ثكنة زغيب وإلى فاعليات صيدا، ولا سيما النائبين بهية الحريري وأسامة سعد. ثم عادت إلى المخيم وعقدت اجتماعاً انتهى إلى تكليف قوى أمنية من عصبة «الأنصار» وحركة «أنصار الله» و«الحركة الإسلامية المجاهدة» مهمتها الحؤول دون حصول أي اعتداء على الجيش وضبط عناصر «جند الشام» التي انسحبت من شوارع حي الطوارئ لتنتشر مكانها هذه القوى التي ستتخذ لها نقاط مراقبة ثابتة داخل حي الطوارئ وعند مدخليه الشرقي والغربي.
من جهتها، عززت حركة «فتح» و«الكفاح المسلح» من انتشارهما في شوارع المخيم الرئيسية، في وقت حافظ فيه الجيش اللبناني على تدابيره الأمنية وتعزيزاته على طول المنطقة المحاذية للتعمير وعند مداخل المخيم.
وأكد المشرف العام لقوات حركة «فتح» في المخيم منير المقدح هذا الاتفاق، وأمل «أن تتمكن القوة من ضبط الوضع بشكل كامل، بما يضمن عدم حصول أي اعتداء جديد على الجيش اللبناني»، معلناً «أن بياناً سيصدر في هذا الخصوص يدعو النازحين للعودة إلى منازلهم، فتعود الحياة إلى طبيعتها داخل المخيم وفي منطقة التعمير».
وأكدت مصادر عسكرية أن الجيش باستخدامه لقوة نار عالية أراد أن يُفهم المعنيين أنه لن يتساهل في وقف الاعتداء عليه وعلى كرامة جنوده.
واستعادت أمس ساحة مبنى بلدية صيدا جزءاً من صورتها خلال عدوان تموز إذ نزحت مئات الأسر من محلة التعمير ولاسيما منطقة خط السكة ومن داخل مخيم عين الحلوة. وأعلن رئيس بلدية صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري أن البلدية استضافت أعداداً كبيرة من النازحين حيث بلغ عدد العائلات التي باتت ليلتها في حرم البلدية 220 عائلة معظمهم من سكان مخيم خط السكة ومخيم الطوارئ في التعمير ـــــــ عين الحلوة أو من منطقة بستان اليهودي داخل المخيم، أما القسم الأكبر من النازحين من منطقة التعمير ومخيم عين الحلوة فقد باتوا ليلتهم عند أقاربهم في مدينة صيدا وضواحيها. وقال نديم خضر الأسمر الذي نزح مع عشرة أطفال: نتمنى أن لا يطول الوضع ونعود الى منازلنا، بينما ريتا ابنة الخمس سنوات راحت تطلب من والدها إحضار ألعابها. وأمس شيع الجيش اللبناني شهيداً من شهيديه هو عمر الحاج من أمام مستشفى حمود في صيدا وأقيمت له مراسم وداعية من رفاق السلاح. وكانت مدارس صيدا وجامعاتها قد أقفلت أمس بسبب الأوضاع الأمنية.