يخيّم شبح التداعيات الأمنية في مخيمي نهر البارد وعين الحلوة على المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة في الشمال وصيدا والجوار، فيما يستمر تأكيد الإدارة التربوية على إجراء الامتحانات الرسمية والنهائية في مواعيدها المحددة، وعلى الرغم من أنّ وزارة التربية والتعليم العالي أنجزت الاستعدادات اللوجستية والإدارية المتعلقة بالامتحانات، فإنّ واقع المؤسسات التربوية يشير إلى سيطرة الهاجس الأمني على كل ما عداه. وقد أفاد مراسل «الأخبار» في طرابلس عبد الكافي الصمد أنّ مدارس خاصة عدة أنهت العام الدراسي من دون أن تجري الامتحانات النهائية، مكتفية باعتماد نتيجة الفصل الدراسي الأخير، وخصوصاً في مدرستي الإنجيلية والروم الأرثوذكس للبنات في منطقة الزاهرية، بعدما آثر الأهالي عدم إرسال أبنائهم، لكون المنطقة مسرحاً للاشتباكات التي تدور بين الجيش اللبناني ومسلحي فتح «الإسلام». ويقول أحد أولياء الطلاب الذي رفض ذكر اسمه، «أفضل أن يخسر ابني عامه الدراسي على أن أخسره أنا». وما يندرج على المدارس الخاصة في تلك المنطقة يندرج على المدارس الرسمية فيها، وفي المناطق المجاورة، كالتبانة مثلاً، حيث تكاد نسبة غياب الطلاب تصل إلى الثلثين تقريباً، ما يطرح سؤالاً جدياً: «إذا كانت المدارس الخاصة قد لجأت إلى حل سريع وعملي، وأنهت عامها الدراسي، فماذا سيفعل مديرو المدارس الرسمية، وما هي خطوة قباني لمعالجة هذه المشكلة؟».
أما في منطقتي المعرض وأبي سمراء، فإن غالبية المدارس الخاصة قرّبت مواعيد امتحاناتها، ومن المقرر أن يكون الأسبوع الجاري هو الأخير لمعظمها، بعدما كانت الدراسة في السابق تمتد إلى نهاية شهر حزيران، مع إعطاء فترة كافية للطلاب للاستعداد الجيّد للامتحانات.
وإذا كان الوضع كذلك في طرابلس، فإنّ أغلبية المدارس الرسمية والخاصة في المنية وعدد من بلدات عكار القريبة من مخيم نهر البارد، لا تزال أبوابها مغلقة منذ أسبوعين.
أما الطلاب القادمون من عكار للدراسة في فروع الجامعة اللبنانية في طرابلس أو في الجامعات الخاصة فيواجهون مشكلة عدم قدرتهم على الخروج من منطقتهم بسبب الوضع الأمني المتدهور في منطقة العبدة، حيث المعبر الوحيد لأهالي المنطقة ما يزال محفوفاً بالمخاطر على نحو كبير. وقد أشارت والدة إحدى التلميذات سونيا كفروني، في هذا الإطار، إلى أنّها اضطرت إلى المخاطرة والعودة مع عائلتها إلى طرابلس، سالكة طريقاً فرعياً ترابياً وعراً، لتقدم ابنتها امتحانات شهادة البكالوريا الفنية، بعدما «رفض المسؤولون تأجيلها». إلّا أنّ المدير العام للتعليم المهني والتقني يوسف ضيا أوضح «أننا لم نلغ الامتحانات، لكننا سنأخذ بعين الاعتبار الأوضاع وسنعيد إجراءها للمتخلفين».
وبالنسبة إلى كليات الجامعة اللبنانية في الشمال، فقد أعلن مديرو كليات العلوم والصحة العامة وإدارة الأعمال والعلوم الاقتصادية استئناف الدراسة بدءاً من اليوم الثلاثاء. كما أرجأ عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتور أحمد حطيط الامتحانات في طرابلس، التي كانت مقررة في 11 حزيران الجاري إلى 19 منه، بسبب الظروف الراهنة، وعدم قدرة جميع طلاب الشمال على الوصول إلى الكلية. وأُرجئت امتحانات معهد العلوم الاجتماعية التي كانت مقررة أمس، إلى الإثنين المقبل.
في الجنوب، أفادت مراسلة «الأخبار» سوزان هاشم أنّ التلامذة والطلاب حُرموا أمس من ارتياد مقاعدهم الدراسية وإجراء امتحاناتهم النهائية. فقد أُرجئت الامتحانات التي كانت مقررة أمس في معهد العلوم الاجتماعية ـــ الفرع الخامس في صيدا، إلى الأسبوع المقبل، وخصوصاً أنّ مبناها قريب من مخيم عين الحلوة، فيما لم يصدر أي قرار بهذا الصدد عن باقي الجامعات التي ستبدأ امتحاناتها الأسبوع المقبل. وقد توقفت الدروس نهائياً في كلية الصحة العامة.
أما المدارس التي كانت على موعد مع وداع العام الدراسي فقد أقفلت أبوابها بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، فيما انتاب القلق بعض الأهالي الذين امتنعوا عن إرسال أولادهم إلى المدرسة، إذ ترى أم محمود «أنّه لا مكان للعلم في بلدنا»، متسائلةً: «من سيضمن عودة أولادنا الذين لا ذنب لهم بما يحصل سالمين»؟ وأكدت أنّها لن تسمح لابنها بالذهاب إلى المدرسة قبل أن تهدأ الأمور ولو كلّف الأمر خسارة عامه الدراسي». أما التلامذة الذين لازموا منازلهم للاستعداد للامتحانات، فهم يعدّون الأيام لانتهاء العام الدراسي قبل أن تتطور الأمور سلباً. وتقول فرح جمول، في هذا الصدد، «نريد أن ينتهي هذا العام كيفما اتفق، فقد كان مثقلاً بالمشاكل الأمنية والسياسية».
(الأخبار)