مهى زراقط
لم ينجح الهدوء الذي خيّم على مخيّم عين الحلوة، أمس، في التخفيف من مخاوف أبنائه... وفي وقت حافظ فيه عناصر الجيش اللبناني على استعداداتهم للردّ على أي اعتداء من عناصر «جند الشام» كانت الأخيرة تتجوّل في منطقة «التعمير» شاكية «الظلامة» التي يتعرّض لها إخوانها في «فتح الإسلام»

لم ينم أهالي مخيّم عين الحلوة، ليل أول من أمس. والهدنة التي أعادت من نزح منهم عند الساعة التاسعة مساءً لم تستمرّ أكثر من ثلاث ساعات قضاها الفلسطينيون يركضون بين البيوت والشوارع التي لجأوا إليها قبل أن تفتح أبواب البلدية لاستقبالهم. وعلى رغم الهدوء النسبي الذي شهده المخيّم، أمس، فإن حركة النزوح استمرّت، وعاد عدد من الذين هربوا لإخراج المزيد من اللوازم التي يحتاجون إليها في رحلة تهجيرهم الجديدة.
هؤلاء النازحون شكّلوا الصورة الأولى التي التقطها الصحافيون بعدما يئسوا من محاولات إقناع الجيش اللبناني السماح لهم بدخول المخيّم.
هذا الواقع شهده المدخل الشرقي للمخيّم، القريب من منطقة «التعمير». على بعد خطوات قليلة اندلعت النار التي أدّت إلى استشهاد عنصرين من الجيش اللبناني، وتضاربت المعلومات حول عدد ضحايا «جند الشام» وإن أخرجت سيارة إسعاف صباحاً جثمان سمير حسنين الذي أكد أهل المخيم انتماءه إلى «عصبة الأنصار»، علماً بأن العصبة لم تشارك في المعارك «قد يكون أصيب عن طريق الخطأ» يقول كثيرون ممن التقيناهم.
هناك كانت أجواء الاستنفار الأمني تسيطر على الجميع. كلّ تحرّك للجيش يفسرّه الصحافيون والمواطنون إنذاراً لبدء جولة جديدة من المعارك التي يدلّ عليها الرصاص الكثيف المنتشر في المكان قبل أن يجمعها عدد من الفتيان في كيس «للذكرى».
كان يجب انتظار يأس عدد من الصحافيين قبل القيام بمحاولة تسلّل ناجحة إلى المخيّم، نتبعها بمحاولة شرعية بعد الحصول على إذن من مديرية المخابرات في صيدا. ما إن نتجاوز حاجز الجيش اللبناني حتى نجد أنفسنا أمام حاجز للكفاح المسلّح يرشدنا عناصره إلى مكتب رئيسهم أبو علي طانيوس.ويقودنا الأخير إلى مكتبه من دون أن يفارق سلاحه الفردي يده اليسرى، والهاتف الخلوي اليد اليمنى، يجيب عن اتصال يسأل عن الضحايا فيؤكد أنه لا معلومات نهائية لديه، يذكر اسمين: سمير حسنين ويحيى السعيد، وجريح اسمه عبد الناصر دواليالواقع كما يراه هو: «لقد ربط «جند الشام» معركتهم بمعركة نهر البارد، لا يمكنهم أن يتخلّوا عن زملائهم في «فتح الإسلام» ويطالبون بوقف إطلاق النار هناك وفتحوا النار على الجيش على هذا الأساس».
ويؤكد أنه «حتى الآن لم تدخل « فتح» المعركة بشكل مباشر، نحن نحاول أن نحصر المعركة من مواقعنا. ونؤكد أننا مع سيادة الدولة اللبنانية كاملة، ولايجوز أن يكون هناك خارجون على القانون».
غير بعيد عن مراكز الكفاح المسلح، نجد نظمية داوود جالسة على أرض مطبخها مع جارتها سوسن ابراهيم، وركوة القهوة. نظمية بقيت وحدها في البيت بعد أن غادر أهلها وأخواتها الفتيات «بقي إخوتي الشباب هنا وبقيت لأساعدهم».
تؤكد أنها قضت ليلة مرعبة بسبب القصف الذي بدأ عند منتصف الليل واستمرّ إلى الفجر، ثم عاد وبدأ عند السادسة صباحاً «البيت غير آمن، نحن قرب مركز «فتح» وإذا قرّروا مهاجمتهم فسنتعرّض مباشرة للقصف» تقول وهي تشير إلى جدار يفصل بيتها عن مركز فتح.
نتجه شرقاً باتجاه منطقة البراكسات، التي تعدّ خارج المخيّم نسبياً ولم تتعرّض للقصف. هناك نستعيد بعض مظاهر الحياة. يدعونا محمد (13 سنة) إلى محادثة أهله الذين كانوا يشربون الشاي في انتظار اتصال هاتفي يعلمهم بالتطوّرات «لا يوجد كهرباء في المخيّم منذ منتصف ليل أمس، وبالتالي لا يتاح لنا سماع الأخبار» .
أم وسام كانت تشتري اللوبياء من محل للخضر فتح أبوابه ليبيع بضاعة الأمس «كيف سأذهب إلى الحسبة لأشتري البضاعة والوضع على ما هو عليه»، يقول ساخراً من سؤالنا عن كيفية إدخال الخضر إلى المخيم.
لا إجابات واضحة عن هوية «جند الشام». هذه المنظمة التي ظهرت إلى العلن منذ سنتين تقريباً حسبما يفيد الأهالي.
ويتراوح تقديرهم لعدد عناصرها بين 40 شخصاً و300 «انتقلوا إلى داخل المخيم قبل ستة أشهر، والكلّ يعرف أن (النائب) بهية الحريري هي من دفع لهم تعويضات ليغادروا البيوت التي كانو يقيمون فيها» يقول رجال تجمعوا في إحدى الساحات.
بعد أن استقروا في «التعمير» التفت الأهالي إلى تحركاتهم الغريبة. «كانوا يستفزون الجيش بين وقت وآخر، وخصوصاً بعد أحداث نهر البارد، شعرنا بأن شيئاً ما سيحصل».
ويؤكد أحد أبناء المخيم أن عناصر جند الشام «ليسوا كثراً لكن الجماعات التي تموّلهم قوية»، محملاً المسؤولية للأغنياء السعوديين «يأتون إلى هنا بحجة إقامة مشاريع وينظمّون الشباب في صفوفهم».
لكن هذه المعلومات تبقى في إطار التكهنات، لأنه لا أحد يعرف الحقيقة، أو يعرفها ولا يريد قولها كما يعبّر أبو علي طانيوس. والحال هذه تأتي إجابة نظمية الأصدق تعبيراً عن الواقع: «لا أعرف عنهم أكثر مما يعرفه الآخرون خارج المخيّم، أنا لا أذهب إلى منطقة التعمير حيث يتواجدون، لكنني أسمع أنهم من جنسيات مختلفة: لبنانيون، وسوريون ولا يوجد بينهم الكثير من الفلسطينيين». هي تسمع أيضاً أن عددهم غير كبير «لكنه يتضاعف عندما تحصل مشاكل، إذ يأتي شباب من أماكن مختلفة لمساندتهم».
هذا الواقع يجعل ما يحصل اليوم أصعب من الاجتياح الإسرائيلي بحسب أم وسام: «سواء متنا اليوم بقصف الجيش أو بقصف جند الشام، فالطرفان أولادنا». تتابع: «أما من يموت في فلسطين فيموت شهيداً».




وصايا عناصر الجيش لأهاليهم يبدو من ردة فعله أنها لم تتذكّر ما أوصاها به، يرتبك لأنه لا يريد أن يطيل الاتصال حفاظاً على «وحدات» الهاتف، فيقول بعجلة: «لا تتذكرين؟ الآن بعدما أقفل الخط معك حاولي التذكّر». وعندما يشجعه اللادقي لأن يأخذ راحته ويحكي يسألها: «أين الأولاد؟ أريد أن أحكي مع أحدهم... هل يدرسون جيداً؟ انتبهي إليهم».
في هذه الأثناء يقترب عنصر آخر، في منتصف العشرينات من عمره، ويقف على مقربة من زميله. يشعر وائل بأنه يريد الاتصال أيضاً فيعطيه الهاتف. «إيه ماما، أنا بخير، لا تقلقي» يبدأ كلامه ثم يسألها عن شقيقه الذي يخدم في منطقة غير بعيدة أيضاً «هل اتصل بك؟ هو بخير؟ طيّب لا تقلقي، ما في شي ماما. الوضع الآن مستقر... أطمئنك عني كلما استطعت».