strong>إبراهيم عوض
  • داليما يحض بري والسنيورة على الاتفاق وينصح بعدم «تأجيج المشاعر» ويؤكد أن لا حلّ لأي من مشاكل المنطقة من دون دمشق

    استبق وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما زيارته الى بيروت، التي استمرت ساعات أمس، بالاعلان من دمشق عن حمله «عناصر مشجعة ومفيدة» الى المسؤولين اللبنانيين من شأنها أن تساهم في إيجاد الحلول للأزمة التي يعيشها لبنان، مشدداً على ضرورة تشجيع الحوار

    وصل وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما إلى بيروت أمس بعدما أجرى في دمشق محادثات مطولة مع الرئيس بشار الأسد والتقى كلاً من نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم. واستهل زيارته الى لبنان بلقاء الرئيس نبيه بري قبل ان يتوجه الى السرايا حيث استقبله الرئيس فؤاد السنيورة، ثم زار من البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري.
    وفيما اكتفى الوزير الإيطالي بعد لقائه بري بالقول ان البحث تناول وحدة اللبنانيين وحكومة الوحدة الوطنية، اكد في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع السنيورة على تضامن بلاده مع لبنان «كدولة وقوات مسلحة تعرضت لهجوم من قبل قوة إرهابية ترتبط بتنظيم القاعدة»، وحض بري والسنيورة على «العمل من اجل الوصول الى اتفاق يكون قادراً على الخروج بلبنان من الركود السياسي والمؤسساتي».
    وسئل داليما ما اذا كانت لسوريا مسؤولية عما يجري في لبنان من تفجيرات وعصابات إرهابية وهل يمكن أن تلعب روما دور الوسيط بين السلطة والمعارضة في لبنان؟ فأجاب: «السلطات السورية تنفي أي تدخل لها في ما يعني أعمال منظمة «فتح الإسلام» وهي تعتبر أن وجود عناصر أو منظمات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في لبنان تهديد أيضاً لسوريا (...). ونحن نشجع كل أشكال التعاون للحيلولة دون تسلل مجموعات إرهابية أصولية الى المنطقة. ناقشنا هذا مع القيادات السورية وتحدثنا عن تعاون ممكن على هذا الصعيد مع لبنان والمجتمع الدولي، وبدأنا بالفعل تعاوناً من أجل إحلال الاستقرار في العراق، لذا أرى مؤشرات إيجابية، وأوضحنا للسلطات السورية بأننا نريد تقييم الاعمال وليس فقط التصريحات.
    وهل يتفهم الموقف السوري فور إعلان المحكمة الدولية والذي اعتبر أن القرار سيؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار في لبنان، وهل ينقل رسائل إيجابية من سوريا الى الحكومة اللبنانية؟ أجاب: «كوني زرت سوريا لا يعني أني الناطق باسم الحكومة السورية، وأتمنى ان التوصل خلال الايام المقبلة الى اتفاق بين القوى السياسية اللنبانية، وأعتقد أن هذا سيكون المؤشر الأوضح الى أن القرار 1757 لن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في لبنان. وبشكل عام ليس واجبي المشاركة في سباق التصريحات، وأنصح الجميع بعدم تأجيج المشاعر». وأضاف: «هم (السوريون) ليسوا بالطبع سعداء بقرار مجلس الامن الدولي لكن القرار اتخذ وعلينا التطلع الى المستقبل، وأعتقد أن سوريا تفهم أن هناك نوعاً من المقايضة الممكنة معها لأننا نريد التعاون السوري ونريد من سوريا أن تكون جزءاً من الحل، ليس فقط للبنان بل في الشأن العراقي والفلسطيني واللبناني، ونحن بحاجة الى سوريا لكي يستتب الاستقرار في العراق (...)».
    وهل هناك فعلاً تدفق للأسلحة من سوريا إلى لبنان؟ أجاب: «لم أتكلم عن تدفق أسلحة من سوريا إلى لبنان بل قلت أنه برغم الحصار كان هناك تدفق أسلحة إلى لبنان، وقوات «اليونيفيل» ليس من مهامها مراقبة الحدود اللبنانية ــ السورية ولكن الحدود بين لبنان وإسرائيل، ومسألة الحدود مع سوريا هي من واجب القوات المسلحة اللبنانية، ولكننا قلنا أكثر من مرة أن الاتحاد الأوروبي مستعد للمشاركة بالدعم التقني من أجل هذا الأمر. وعرضنا هذه المسألة أثناء زيارتنا لدمشق وكيفية تحسين سبل المراقبة، ووزير الخارجية السوري شدد في مؤتمره الصحافي المشترك مع قبل مغادرتي دمشق على انزعاج السوريين من عناصر «القاعدة» التي تتسلل من العراق إلى سوريا وربما منها إلى لبنان، هو أكد لي أنهم حاولوا وضع حد لهذا التدفق، وقد كانت هناك مواجهات انتهت بمقتل بعض العناصر واعتقال عناصر اخرى ولكنهم، كما قال، ليسوا دائماً قادرين على منع تسلل مثل هذه العناصر من العراق».
    وسئل السنيورة عن اتهام حكومته لسوريا بالتورط في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فيما الوزير داليما أتى للتو من سوريا، وما اذا كانت هناك فرص لحوار جديد مع دمشق؟ فأجاب: «لم توجّه حكومتنا اتهاماً الى السلطات السورية، وهذا الامر ملك التحقيق وملك العدالة(...). أما في ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية ــ السورية، فإن اللبنانيين والحكومة اللبنانية راغبون حقاً في نسج علاقات ودية وصحيحة مع سوريا».
    وعن دعوة المعارضة الى استقالته، قال: «الحكومات تبقى طالما أنها ما تزال تحظى بثقة المجلس النيابي واللبنانيين (...) اما بالنسبة للاستقالة فهي ليست عملاً مستحيلاً وبالإمكان أن تحصل، لكن لا بد أولاً من التوافق بشأن ما بعد الاستقالة وليس بأخذ البلاد إلى المجهول».

    دمشق

    وفي العاصمة السورية قال وزير الخارجية وليد المعلم في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الإيطالي «إن عناصر فتح الإسلام تعبر الأراضي السورية تحت مسميات مختلفة من العراق إلى لبنان، وإن 24 عنصراً منهم في السجون السورية، بينهم سوريون ولبناني وتونسي» وأكد أنهم «يخدمون أهدافا واضحة لتنظيم القاعدة الذي ينشط مع فروعه عقب غزو الولايات المتحدة للعراق لزعزعة أمن واستقرار المنطقة». وشدد على أن سوريا «أكدت مرارا على أن لا علاقة لها بهذا التنظيم وأن قوات الأمن السورية اشتبكت في مواجهات مع عناصره حين حاولوا المرور من الأراضي العراقية إلى سورية». كما اعتبر هذا التنظيم أحد فروع تنظيمات «القاعدة» مثله مثل «جند الشام» الذي حاول ارتكاب عمليات إرهابية في سوريا». وقال ان «هذا التنظيم لا يمت بصلة للقضية الفلسطينية ويضر بها وأن اتهام سورية به يخفي حقيقة من يدعم هذا التنظيم في لبنان و من رعاه ولماذا».
    من جهته قال داليما انه يمكن لكل منا «أن يقوم بمساهمته للتوصل الى أتفاق فيما بين الأطراف اللبنانية». وأبدى خشيته من وجود عناصر أصولية مرتبطة بـ «القاعدة» في لبنان. وقال: «منذ البداية حددنا الخطر الأكبر على قواتنا وأيضا خطر احتمال تسلل عناصر إرهابية كهذه إلى داخل أراضي المخيمات وتمكنا من اتخاذ الإجراءات اللازمة». وأشار إلى أن هذه الإجراءات «تقوم على بندين وهما التعاون التام مع القوى الفلسطينية لعزل هذه العناصر والتعاون مع الجيش اللبناني وكل مكونات الشعب اللبناني». وأضاف «رغم وجود خلافات سياسية داخل لبنان هناك اتفاق على دعم القوات (الأمنية) اللبنانية وهو تضامن تحظى به قوات «اليونيفيل» التي ينظر لها كقوات صديقة». وقال: «نحن في لبنان نتحمل مسؤولية بالغة الأهمية حيث يوجد نحو 3000 جندي إيطالي في قوات «اليونيفيل». المشاكل تبدو واضحة أمام أعيننا فعلينا أن نطبق القرار 1701 ونساعد لبنان على تجنب أن يؤدي التهديد الإرهابي إلى زعزعة استقراره».
    ونفى داليما أن تكون محادثاته في لبنان تشمل «حزب الله»، مشيراً الى أن «الوقت لا يسمح بزيارة كل القوى السياسية ولكن أعتقد أن هذه الزيارة كافية لتقييم الوضع». وقال انه سيلتقي العماد ميشال عون في روما اليوم أو غداً.
    وتطرق المعلم الى موضوع انشاء المحكمة الدولية فقال: «نحن ميزنا بين التحقيق والمحكمة وقد تعاونا مع التحقيق الدولي لأننا نريد معرفة الحقيقة أما قراءتنا لموضوع المحكمة فهو مختلف إذ نعتقد أن مجلس الأمن وفي سابقة خطيرة حل محل مجلس النواب اللبناني». وإذ كرر أن «هذا شأن لبناني وليس شأنا سوريا» تمنى «أن يصل اللبنانيون إلى إجماع وطني حول نظام المحكمة».
    وقال المعلم الذي وصف محادثات داليما مع الأسد والشرع ومعه بـ «المثمرة» إن «مواقف البلدين تجاه التحديات التي تواجه المنطقة متقاربة» وأن سوريا وايطاليا «تحرصان على الجيش اللبناني رمز الوحدة الوطنية في لبنان». وقال «بحثنا موضوع العراق وسبل دعم العملية السياسية، كما بحثنا قضية الصراع العربي الإسرائيلي وسبل تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط». وأضاف «عبر الطرفان عن دعمهما لمبادرة السلام العربية وكذلك حكومة وحدة وطنية فلسطينية وتحريم الاقتتال بين الفلسطينيين وأهمية التشاور بينهم لوقف النار والتأكيد على أهمية تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي له ورفع الحصار الجائر عنه». وشدد المعلم على أن الجانبين «عبرا عن ضرورة تشجيع الحوار بين الأطراف اللبنانية للتوصل إلى حل يحقق أمن واستقرار لبنان».
    وقال داليما إنه «لا يمكن حل أي مشكلة في المنطقة بدون مشاركة فاعلة من سورية» مشددا على «الخطوات الهامة» التي بدأت من مؤتمر شرم الشيخ حول العراق والذي التقى فيه المعلم وزيرة الخارجية الاميركية كونداليسا رايس.
    وعلمت «الأخبار» من مصدر سوري أن داليما، وخلافاًَ لما اشاعه بعض وسائل الإعلام، لم يأت حاملاً مطالب، بل جاء ليستمع الى وجهة النظر السورية بشأن القضايا التي تهم المنطقة وفي مقدمها عملية السلام والوضع في الاراضي الفلسطينية وفي العراق ولبنان، والبحث في كيفية التعاون لمواجهة المرحلة الراهنة المحفوفة بالمخاطر والتحديات.
    وفيما ذكر المصدر أن الجانبين السوري والإيطالي يملكان رؤية متقاربة لجميع المسائل والمواضيع التي جرى طرحها، لفت الى ان الخلاف الوحيد بينهما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث أعلنت سوريا رفضها التعاون معها واكدت إيطاليا دعمها لها، مع الاشارة الى التنويه الايطالي بالتعاون السوري مع التحقيق الدولي.
    وكشف المصدر السوري المطلع انه جرى الاتفاق بين سوريا وإيطاليا على العمل معاً، كل من جانبه، لحث الاطراف اللبنانية على معاودة الحوار في ما بينها للخروج من الأزمة الراهنة، وأبدى الطرفان حرصهما على الأمن والاستقرار في لبنان وعلى ضرورة الحفاظ على سلامة ومناعة الجيش اللبناني.