عمر نشابة
من حقّ لا بل من الواجب المهني للصحافة المسؤولة أن تقدّم أمن المواطنين وسلامتهم على كلّ اعتبار آخر. وبما أن الدولة اللبنانية اليوم، ومنذ الأول من تشرين الأول 2004، وبكل أجهزتها الامنية والعسكرية والقضائية، قد أثبتت فشلها في حماية الناس، لا بدّ من البحث في تقنيات الفشل وعرضه على المواطنين، فهم من يسدّد الضرائب التي يُصرف منها لتغطية تكاليف الاجهزة الامنية والعسكرية.
منذ محاولة اغتيال النائب والوزير مروان حمادة لم يقوَ أي جهاز أمني أو قضائي أو عسكري على كشف المجرمين ولا على القبض عليهم ومحاسبتهم أمام القضاء. ومن المتوقّع أن تردّ المؤسسات الامنية على هذا الكلام بجوابين على الاقلّ: أولاً قد تكرر المراجع الامنية والعسكرية القول إن الامن العالمي يتعرّض لخطر الارهاب وإن الاجهزة الامنية في البلاد المتطوّرة لا تقوى على حماية مواطنيها من الهجمات الارهابية، وبالتالي إن اتهام الاجهزة الامنية اللبنانية بالتقصير والفشل اتهام ظالم. الردّ المنطقي على ذلك يستند الى الوقائع، اذ ليس هناك بلد في اوروبا أو اميركا أو حتى شمال افريقيا وجنوب شرق آسيا تعرّض لأكثر من 20 هجوماً إرهابياً أودت بحياة عدد كبير من المواطنين والوزراء والنواب والسياسيين والاعلاميين، فضلاً الاضرار الجسيمة في الاقتصاد والاملاك الخاصّة والعامّة، في أقلّ من ثلاث سنوات كما حصل في لبنان، وحتى لو أثير مثَل العراق أو افغانستان، فلا شكّ في أن الحالتين أثبتتا الفشل العسكري والامني حتى في حماية منطقة صغيرة كالمنطقة الخضراء في بغداد. أما الجواب الثاني للمؤسسات الامنية فهو يتعلق بإعلان 13 آذار الماضي عن القبض على أربعة أشخاص اعترفوا أمام الاجهزة الامنية بارتكاب جريمة تفجير حافلتين للركاب في عين علق يوم 13 شباط. لكن ذلك يطرح تساؤلات عديدة: لماذا، مثلاً، لم يصدر قرار اتهامي بحقّ الموقوفين في جريمة عين علق منذ ذلك الحين؟ وهل توصل التحقيق الى معلومات من خلال استجواب الموقوفين عن سائر أعضاء الشبكة الإرهابية التي يعملون لحسابها أو عن أمور أخرى تتعلّق بالانفجارات الإرهابية؟ وإذا كانت تلك هي الحال، فكيف استخدمت هذه المعلومات لحماية الناس من هجمات إرهابية أخرى؟ لقد وقع أول من أمس انفجار في منطقة البوشرية، هو السابع الذي يقع في منطقة المتن منذ انفجار نيو جديدة في 19/3/2005، والثاني في منطقة البوشرية بعد الانفجار الاول في 26/3/2005. فبعد انفجار البوشرية الاول وقع انفجار في النقاش يوم 12/7/2005(محاولة اغتيال الوزير الياس المرّ) وآخر في الزلقا في 22/8/2005. وفي 12/12/2005 أودى انفجار في المكلّس بحياة النائب والصحافي جبران تويني. أما الانفجار الاخير في المتن، الذي سبق انفجار مساء أول من أمس، فكان مزدوجاً وحصل في حافلتين كانتا تنقلان ركّاباً في عين علق يوم 12/2/2007.
الإخفاقات التقنية
لا تتناسب الإجراءات الامنية التي تفرض بعد حصول الانفجارات الارهابية كافّة، مع المعايير المهنية لجهة الحماية والتحقيق. اولاً تتأخّر القوى الامنية في الوصول الى مكان الجريمة لأسباب عدّة، إذ من المفترض تخصيص مروحية عسكرية لهذه الغاية تعمل على نقل فريق من المتخصصين في «إدارة مسرح الجريمة» الى اقرب نقطة، وتصوير المكان بدقّة من الجوّ. أما في ما يتعلّق بحماية موجودات مسرح الجريمة فلم تقم العناصر الامنية التابعة لمختلف الاجهزة بالاجراءات اللازمة لمنع إلحاق الضرر بما يمكن ان يتضمّن أدلّة جنائية. ولم يعمل الامنيون على تسجيل الاسماء والصفات والتوقيت لدخول الاشخاص الى مسرح الجريمة. كما لم يحدّد الاطار الجغرافي لمسرح الجريمة بشكل دقيق وبواسطة شريط اصفر أو أحمر. ولم تعمل الاجهزة على مسح مكان الجريمة ومحيطه بشكل مركّز. اذ وجدت أشلاء بشرية في مكان جريمة اغتيال النائب جبران تويني بعد أكثر من شهر على حصولها.
أما في ما يتعلّق بنقل الادلّة الجنائية التي عثر عليها وتحليلها، فيلاحظ الخبراء المخبريون ان طريقة رفعها وتوضيبها ونقلها لا تتناسب مع المنهجية العلمية، وخصوصاً في شأن الادلة المجهرية. وبالتالي تخفق التحاليل المخبرية بدورها في التوصّل الى نتائج تساعد على تقدّم التحقيقات.
أما المختبرات الجنائية فليس هناك مختبر جنائي واحد في لبنان يمكن اعتباره مؤهلاً تأهيلاً تقنياً كاملاً وفق المعايير المهنية الدولية.
وفي مجال أمني آخر، لم تزوّد الاجهزة الامنية تقنية تحليل الصور المستخلصة من كاميرات المراقبة، وبالتالي، تبقى الاستفادة محدودة من الكاميرات الموزّعة في الاماكن العامة وفي محيط أهداف الارهابيين المحتملة. فانفجارا الاشرفية وفردان الاخيران حصلا في منطقة مزروعة بكاميرات المراقبة الخاصّة. ومن المستبعد أن يكون المحقّقون قد استطاعوا جمع معلومات من الصور التي التقطت قبيل الانفجارين لأن التقنيات لهذه الغاية غير متوافرة.
الإخفاقات الاستخبارية
في الدولة اللبنانية اليوم عدد من الأجهزة والفروع والشعب الامنية من المفترض أن تكون جميعها متخصّصة في جمع المعلومات عن كلّ ما يهدّد أمن المواطنين وأمن الدولة. وتصرف أموال باهظة على تلك الاجهزة، لكن المعلومات التي تمكّنت من جمعها لم تكن بالقيمة المطلوبة ولم تتضمّن معطيات دقيقة سمحت بحماية المواطنين والوزراء والنواب والإعلاميين الذين استشهدوا وجرحوا في الانفجارات التي استهدفتهم في الفترة السابقة والتي لا تزال متواصلة.
أما في صدد المراقبة والتنصّت فقد فوجئ الخبراء بالاعلان عن اتصالات قامت بها مجموعة «فتح الاسلام» بـ«جند الشام». فهل يجوز ألا تعمد أجهزة الاستخبارات والمعلومات اللبنانية الى التشويش على هذه الاتصالات؟ إن القواعد الاساسية للمواجهة العسكرية والامنية تفترض تعطيل وسائل اتصال «العدو» داخل قواعده وبينه وبين مجموعات أخرى. لكن يبدو أن الاجهزة اللبنانية غير قادرة على ذلك، وهذا ما يسهم في إحباط مهامها ويهدّد سلامة الناس وسلامة المؤسسات الامنية والعسكرية.
إن إحدى المهام الاساسية للمخابرات هي اختراق المجموعات الإجرامية لإلحاق الضرر بها من داخل قواعدها. وهنا تطرح أسئلة عن سبب عدم تمكّن الاجهزة الامنية من زرع مخبرين أو عملاء لها بين صفوف «فتح الاسلام» أو «جند الشام» أو حتى الاستخبارات السورية التي تتهمها بعض الدوائر الرسمية اللبنانية بالوقوف وراء التفجيرات الارهابية.
الإخفاقات «العلاجية»
أما إجراءات الحماية فيبدو أنها غير فعّالة على نحو كامل. فليل أول من أمس كانت الدوريات الامنية منتشرة في كلّ مكان وكانت الحواجز تدقّق في السيارات وحتى في المشاة، ومع ذلك حصل انفجار البوشرية.
لذا من المفترض البحث عن إجراءات علاجية مختلفة تعتمد على شبكة أمنية متخصّصة في مكافحة الإرهاب من الناحية العلمية والاكاديمية الامنية بعيداً عن المظاهر العسكرية والسلاح الظاهر و«تشبيح» العناصر على الطريقة الميليشياوية.
المواطن يطلب الامن والسلامة، والمؤسسة التنفيذية الحالية لا تقوى على تأمين ذلك له اليوم. ما هو الحلّ في الانظمة الجمهورية الديموقراطية؟