strong> راجانا حميّة
اكتملت الخطوة الأخيرة لطلّاب السنة الثالثة ـــــــ قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة ـــــــ الفرع الأوّل في الجامعة اللبنانيّة قبل أن تكتمل صورة مسرحهم. سنتان في «الروشة» وثالثة في «الحدث» ولم يجد طلّاب المسرح مكاناً يحتضن طموحاتهم، ويعوّضهم «الخشبة المتينة» التي تصنع مبدعين. إلاّ أنّهم، وإن كانوا قد لملموا «خشبات» الروشة، فقد أبدع «أبناء الحياة»، كما سمّاهم رئيس القسم فائق حميصي، في صنع خشبة تسعفهم في تقديم عرضهم الأخير في التحكيم النهائي في المعهد. ورغم المصاعب التي يواجهها هؤلاء الطلّاب مع «البلاط» والخشب، لا يزال هناك من يمتعض، وإن كان من المواكبين للمعاناة «أف، شو هالصوت، علّوا عن الأرض» ... فعبثاً يبحثون عمّن يفهمهم.
في عرضهم الأخير، حاول الطلّاب أن يبتكروا من معاناتهم و«خشبتهم» العبثيّة عروضاً لا يتقنها سواهم، أو بالأحرى لا يفهمها من لا يعيش هذه المعاناة، كما أوضح الطالب عبده شاهين. وقد كان لهم ما أرادوا، وحدهم وزملاؤهم ولجنة التحكيم عرفوا ما يجري داخل القاعة، إذ مزجوا في عروضهم الأخيرة بين عبثيّة «يونيسكو» وعبثيّة المطالب التي رافقتهم في سنوات الدراسة. وقد «سرق» الطلّاب في العرض العبثيّة، مع بعض المشاهد الواقعيّة التي فرضتها الحالة الأمنيّة التي يمرّ فيها البلد. جسّد كميل وأحمد في الجزء الأوّل «صدّوم وعمّورة»، الرواية المقتبسة من الكتاب المقدّس، و«رقصة الموت»، الانقسامات «المستعصية». بدآ بتصوير الانقسام انطلاقاً من العلاقة بين الرجل والمرأة، ومن نزعة الرجولة عند الأوّل والنظرة الدونيّة عند الثانية «إذا بدّك تكون رجّال، بدّك مرا ما ترفع صوتها بوجهك»، «أنا فاشل... أنا منّي شي، كيف بدّي كون شي؟». فقد صوّر كميل وأحمد من خلال العمل حالة الضياع التي تعيشها الدول اليوم، أوالانقسامات التي يشهدها بلدنا الصغير، وربّما في أي مكانٍ آخر في العالم. مشهد ثانٍ، مزج فيه عبدو ولمى «التخريف الثنائي» و«لعبة الموت»، أظهرا في عرضهما المزدوج بشاعة العالم وبساطته، حيث يعيش الناس من أجل التفاصيل، يتشاجرون لأسباب تافهة، متناسين عالماً آخر من المجازر. غير أنّ الحرب ليست موجودة فقط خارج العلاقة الثنائية، فقد تكون حرب التفاصيل الصغيرة شبيهة بشراستها بما يدور خارجاً. وهناك أيضاً عبثيّة الموت أو لعبة الموت التي تحكم أيّ حياة «المي بتولّد السكّري والسكري المرض والمرض الموت... العالم ليس سوى ديكور مسرح وكل مسرحيّة تنتهي بموت أبطالها... بموت واحد، بموت التاني والتالت والرابع، بضلّن يموتوا».
لم يستغرب علي كورجولّي ما يجري في عالمه «الذي تتصارع فيه النفوس وتضمحلّ فيه الأحلام». ويقول: «نحن لا نعيش في عالمٍ غريب الأطوار»، وقد حاول من خلاله عرضه البسيط أن يظهر معاناة الناس داخل النظام، مستعيناً بصورة «المحقّق» وضرباته من دون الخوض في تفاصيل الكلمة. وفي «المستأجر الجديد» ليونسكو العابث، سردت فاطمة ورلى تفاصيل واقعية صنعتها «الثورة الصناعيّة ولم تنته»، بدأت بأغراض شقّة صغيرة لتنتهي بخلق أزمة للبلاد، ولا تزال مستمرّة إلى الآن وإن كانت في البلد الصغير قد ظهرت على شكل تواريخ شبيهه بـ«14 شباط و8 و14 آذار ونهر البارد»، وهناك في فلسطين أو العراق بأشكال مشابهة. أمّا سامر قبيسي فقد اقتبس نصّه المرتجل «حرفياً» من «فتح الإسلام»، سامر الذي استعان برواية «الملك لير» البريطاني انتهى باعترافٍ في «الكرنتينا» مع صديقه كورجولّي والجيش اللبناني «كلبشونا وأخذوا علي بسبب لحيته... أنت مين... فتح الإسلام... وإنت بتعرفه».