عرفات حجازي
«الاتفاق ممكن بين اللبنانيين، بل بات قريباً». بهذه العبارة، اختصر وزير خارجية إيطاليا ماسيمو داليما محادثاته مع المسؤولين في لبنان، مستنداً إلى الأجواء التي لمسها خلال لقاءاته في العاصمتين السورية واللبنانية، من دون أن يتحدث عن تفاصيل محدّدة. لكنه لفت الى تطورات مهمة ستحصل في الأيام المقبلة من شأنها أن تكسر حال الجمود بين الفرقاء، وتؤسس لمرحلة جديدة.
وتقول مصادر سياسية واكبت محادثات داليما في دمشق وبيروت إن الرجل عاد من زيارته للعاصمة السورية بانطباعات إيجابية ومشجّعة في شأن الملف اللبناني، وإن الرئيس بشار الأسد أبدى استعداده لدعم لبنان حين تتألف حكومة وحدة وطنية تعمل على إنهاء الأزمات المتلاحقة. وأوضحت المصادر أن حكومة الوحدة الوطنية كانت العنوان الأبرز في المحادثات التي أجراها داليما مع المسؤولين اللبنانيين، وهو سأل الرئيس نبيه بري عن كيفية معالجة هذا العنوان، ولماذا لا تبادر المعارضة الى الرد على دعوات الحوار، مستفسراً عن دعوته الى استقالة الحكومة.
وكان جواب بري «إننا أمام جملة من المواقف التي صدرت عن هذا الفريق بصورة متناقضة. فالبيان الصادر عن قوى 14 آذار تحدّث عن حكومة وحدة وطنية بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ثم أعقبت ذلك بساعات مواقف صحافية وتلفزيونية أطلقها رئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري تحدّث فيها عن استعداده للحوار حول كل القضايا بما فيها حكومة الوحدة، ثم أطلّ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في مقابلة تلفزيونية مبدياً استعداده لبحث الوضع الحكومي مشترطاً التوافق على سلة قضايا بدءاً بالقرار 1701 مروراً بمقررات مؤتمر الحوار والنقاط السبع والعلاقات مع سوريا وترسيم الحدود و«باريس 3»، وحصرية السلاح في يد القوى الشرعية ما جعلنا أمام خلطة عجيبة من المواقف والشروط، بحيث بتنا لا نعرف ماذا يريد فريق السلطة: هل يريدون توسيع الحكومة أم يريدون حكومة جديدة؟ أم أنهم يريدون ترحيل المناقشة فيها الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي». وأبلغ بري داليما: «أنا لا مبادرات جديدة عندي الآن. لقد قمت بما يمليه عليه ضميري ومصلحة بلدي وأطلقت المبادرة تلو الأخرى، إذا أرادوا توسيع الحكومة وبدون شروط مسبّقة فنحن حاضرون لهذا التوسيع غير المشروط وفقاً لما سبق أن طرحوه أي صيغة 17/13، والأمر لا يحتاج الى بيان وزاري جديد. أمّا إذا أرادوا مناقشة بيان وزاري جديد فليبادر السنيورة الى الاستقالة ونحن حاضرون لنناقش في كل الأمور، علماً بأنني من المتمسكين بالنقاط التي حسمناها على طاولة الحوار. أما في ما خص الاستحقاق الرئاسي، فأنا بادرت منذ فترة طويلة الى تحديد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وما زلت عند رأيي باستحالة إجراء الانتخابات من دون تسوية سياسية، فالمعادلة السلبية القائمة على امتلاك الأكثرية لورقة الانتخاب يقابلها امتلاك المعارضة لورقة النصاب الذي حُسم على أساس الثلثين، سواء بالدستور أو بالعرف والممارسة، وبالتالي سيستحيل على أي فريق أن يحسم الموقف لمصلحته ما يحتّم الوصول الى توافق على الرئيس المقبل الذي يمثّل بوابة الوفاق على جميع القضايا المختلف عليها، وفي هذا الشأن موقفي متطابق مع موقف البطريرك نصر الله صفير لجهة خيار الرئيس التسووي واعتماد خيار الثلثين لافتتاح جلسة الانتخاب للرئيس الجديد».
أما الموضوع الثالث فكان قانون الانتخاب. وهنا فوجئ الوزير الإيطالي عندما بادره بري بالقول ان هذا الموضوع «حُسم، فنزولاً عند رغبة البطريرك صفير الذي ما فتئ منذ سنوات يشدّد على وجوب اعتماد القضاء كدائرة انتخابية مشيت في خياره، علماً بأن الجميع يدرك أن حركة أمل مع لبنان دائرة انتخابية واحدة ومع النسبيّة. ولكن عندما وجدت أنّ المسيحيين يشعرون بالغربة داخل الوطن، لم أقف عند هذا الموضوع، وأقنعت زملائي في المعارضة بأن نسير في القضاء وهذا ما حصل، اللهمّ إلا إذا رفض فريق السلطة هذا الأمر، عندئذ يُسدون خدمة إليّ وإلى المعارضة».
وعلى هامش هذه المواضيع الثلاثة ناقش داليما مع بري موقف بلاده الداعي الى توفير الحماية للقوات الدولية وإبعادها عن الصراعات الجارية، لكون إيطاليا تمثّل العصب الأساس لهذه القوة، وبالتالي يجب السهر على توفير الأمن السياسي لهذه القوات. وهنا طمأن رئيس المجلس الزائر الايطالي إلى أن «لا خوف على وجود القوات الدولية سوى من مصدرين: إسرائيل، وتنظيم القاعدة وما تناسل منه من تنظيمات متطرفة»، لافتاً الى العلاقات التاريخية القائمة منذ سنوات طويلة بين القوات الدولية وأهالي الجنوب «حيث تقاسموا التضحيات معاً وسقط لهم شهداء وجرحى، ولا ينسى الجنوبيون ما قدّمت إليهم اليونيفيل من خدمات إنسانية وصحية واجتماعية، وإذا ما حصلت إشكالات فردية من حين لآخر فسرعان ما تتم معالجتها بسرعة». وأكد بري لداليما دعم حركة «أمل» و«حزب الله» لتنفيذ القرار 1701، وأهمية عدم الخروج عن نصوصه الواضحة.
في المحصّلة ثمة حالة دولية وعربية ضاغطة في اتجاه تأليف حكومة وحدة وطنية أو توسيع الحكومة على قاعدة مشاركة حقيقية تكون المدخل الى الحل وإجراء انتخابات رئاسية على أساس توافقي وتطويق مضاعفات الوضع الأمني غير المستقر بقرار وطني واحد.