strong> ثائر غندور
هل لا تزال فلسطين حاضرة في وجدان تيار المستقبل؟ يدور النقاش في إحدى غرف مركز جمعية شباب المستقبل في القنطاري (قصر الرئيس بشارة الخوري سابقاً) حول القضية. يحتدم النقاش بين أحد الشبّان الناشطين في الجمعية وآخر يحمل دكتوراه في العلوم السياسية من إحدى جامعات الولايات المتحدة الأميركية. فالأول والدته فلسطينية، والثاني هو ابن أحد وجوه التيار الإعلامية التي «تزعم» أنّها تنتمي إلى مدرسة القومية العربية. يقول الدكتور في العلوم السياسية، إنّ على شباب التيار ألّا ينسوا «أنهم فلسطينيو الهوى؛ والقدس هي قضيتهم المركزية». يسأله أحدهم: «كيف نكون فلسطينيي الهوى ونحن متحالفون مع القوات اللبنانية التي تتبنى خطاباً أميركياً بالكامل؟». يتلعثم الدكتور ويحاول أن يردّ بلغة عربية ركيكة، لكنّه لا يقنع الموجودين.
وقعت هذه الحادثة منذ حوالى ثلاثة أسابيع؛ منذ ذلك الحين لم يزر الشاب نصف الفلسطيني مركز جمعيته، رغم أنّه يتبوّأ المسؤولية في إحدى كليات الجامعة اللبنانية. يمضي أيامه بين الدراسة والتدريس «والتسكّع» مع أحد زملائه الفلسطينيين الهارب من مخيم نهر البارد.
لم يتغيّر مزاج الشباب المستقبلي في بيروت كثيراً بعد أحداث نهر البارد وإقرار المحكمة الدولية. لكن نخبة من الطلاب الجامعيين الذين دخلوا إلى التيار من أجل بناء دولة مستقلة وقوية، أصيبوا بخيبة. يُمكن ملاحظة الأمر من خلال الطريقة التي يتعاطون فيها مع إقرار المحكمة، إذ يبدو أنّهم لم يقتنعوا كثيراً بها، وقد قال أحد الناشطين السابقين في التيار في هذا الصدد: «الله يعين الرئيس الشهيد... ما راح ياخذ حقه حتى ببماته». لم تجرؤ هذه المجموعة على الحديث العلني عمّا يجول في خاطرها من تساؤلات، وحاولت مرات عدّة فتح نقاشات جانبية مع عدد من الشباب الجامعيين. «لكن لا يبدو أن النقاش يُمكن أن يصل إلى نتيجة وخصوصاً أنّ الشباب يقعون ضحية عملية غسل دماغ تجرى كل يوم، تمنعهم من التفكير في ما يُملى عليهم». يقول أحد الشباب المعترضين على الواقع الحالي لتيار المستقبل.
ويلخص الشاب أسباب اعتراضه بموقف التيار غير الواضح مما يجري في فلسطين؛ كما أنّ العلاقة مع حركة حماس التي أثبتت الانتخابات أنها تُمثّل أغلبية الشعب الفلسطيني ليست في أفضل حالاتها. ويتساءل: «هل اتخذ تيار المستقبل قرار التنازل عن قناعة الرئيس الشهيد بأن فلسطين لأهلها ولا يجوز التنازل عنها؟».
فلسطين هي المحرّك الأساسي لهؤلاء الشبّان الذين يقرأون موقف القوات اللبنانية مما يجري في نهر البارد، لكنّهم لا يستطيعون أن يفهموا كيف يتماهى تيار المستقبل مع القوات إلى أقصى الدرجات. يختلف الشباب حول الأمر، فبعضهم يرى أنّ الخطأ بدأ عند التحالف مع القوات اللبنانية «فنحن كسنّة في هذا البلد لا يُمكن أن نتحالف معهم»، فيما يبدو موقف الآخرين أقل راديكالية: «كان يُمكن أن يأخذ التيار موقفاً مغايراً عن موقف القوات، تماماً كما تميّز حزب الله عن العونيين».
هنا النقطة الثانية الخلافية مع تيار المستقبل. هؤلاء الشبّان يُفاخرون بأنهم خاضوا السنة الماضية معركة الدفاع عن التيار في الجامعات، انطلاقاً من مواقف الرئيس الحريري الإيجابية من المقاومة. هم يعتبرون أنفسهم شركاء بالتحرير عبر الغطاء السياسي الذي وفّره الرئيس الشهيد للمقاومة. يرفضون أن يصادر أحد هذا الرصيد لسنّة لبنان وتيار المستقبل تحديداً.
ينتقد الشباب حزب الله على كثير من المواقف، يحمّلونه جزءاً من مسؤولية الموقف العدائي للشارع السنّي ضده، «فشبابه يستفزوننا بشكل كبير في الجامعات، ويستهزئون باستشهاد الرئيس الحريري؛ لا يمكن أن نقبل هذا».
ينتهي النقاش عند سؤالهم: هل يمكن أن تشكّلوا، حالة معترضة داخل التيار تبرز إعلامياً. يسكتون للحظات. يجيب أحدهم: «لا مقوّمات لهذا الأمر». فالعمل السياسي، برأيه، يحتاج إلى تمويل ومنبر إعلامي وهذا الأمر غير متوافر، كما أنّ بعضهم يعتمد على تأمين التيار العمل لهم في مؤسساته عند تخرّجهم. خيارهم اليوم، الابتعاد بشكل تدريجي عن النشاط في جمعية شباب المستقبل حتى لا يلاحظ أحد هذا الأمر «رغم أننا أكيدون أنه لا أحد يمكن أن يلاحظ شيئاً، فقيادة الجمعية تبدو منتشية بعدد المنتسبين لدرجة أنّها لا يمكن أن تلاحظ ابتعاد مجموعة نشيطة ولو كانت صغيرة».