أنطوان سعد
تستغرب أوساط مارونية بارزة في مجالسها المقفلة «عدم الحماسة» الظاهرة لدى بعض الأحزاب والشخصيات المسيحية المنضوية إلى قوى 14 آذار حيال مسألة تأليف حكومة وفاق وطني تتمثل فيها الكتل البرلمانية ذات الغالبية المسيحية، وتعرب عن أملها ألا تكون خلفية هذه المواقف مرتبطة بحسابات تنازع النفوذ السائد منذ فترة طويلة داخل الساحة المسيحية، محذرة من تضييع فرصة إعادة الدور المسيحي إلى مؤسسة مجلس الوزراء التي لا يتمثل فيها الأقطاب المسيحيون في شكل عادل منذ سنة 1990. وترى هذه الأوساط، في هذا الإطار، أن من الضروري تسجيل الملاحظات التالية:
1 ــ إن مطلب إعادة التوازن إلى السلطة التنفيذية، كما إلى السلطة التشريعية وسائر مرافق الدولة الإدارية والأمنية، مطلب مزمن حملت لواءه كل القوى السياسية والمرجعيات الروحية المسيحية. ومن الملحّ جداً في الظرف الحالي الذي قد يخيّل فيه للبعض أن ثمة مناسبة متاحة لإعادة إنتاج معادلة سياسية جديدة، تأكيد جوهر اتفاق الطائف القائم على المناصفة الحقيقية بين المسيحيين والمسلمين، حتى إذا طرح هذا الموضوع على بساط البحث تكون السلطة التنفيذية قادرة على مقاربة الموضوع وبتّه.
2 ــ إن استمرار التشنّج وغياب أفق الحل السياسي سيدفعان حكماً في اتجاه إحياء التحالف الرباعي خياراً أسلم للبلاد من تفاقم الأزمة الحالية وارتدائها طابعاً أكثر خطورة. وإذا تم ذلك سيفوّت المسيحيون فرصة ثمينة لإعادة الأمور إلى نصابها داخل التركيبة اللبنانية، تماماً كما هي الحال إذا عجزت القوى المسيحية عن الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، برعاية سيد بكركي أو من دونها، الأمر الذي سيؤدي حكماً إلى قيام السعودية وإيران باختيار الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية لتجنب الفراغ الرئاسي الذي يعني وقوع لبنان مجدداً في الفوضى غير البنّاءة مطلقاً على ما دلت عليه تجربة عام 1988.
3 ــ لا يجوز مطلقاً اتهام جميع المسيحيين في المعارضة بأنهم على استعداد لتعطيل الحكومة العتيدة في حال طلب «حزب الله» منهم ذلك. وقد أثبتت مواقف «التيار الوطني الحر» وغيره من القوى المسيحية المعارضة، إضافة إلى موقف رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، أن ثمة حدوداً لا يمكن تجاوزها مراعاة لموقف «حزب الله»، أكان ذلك في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي أم في مسألة دعم الجيش لحسم الوضع الشاذ في مخيم نهر البارد.
ويزيد الرئيس العام السابق للرهبانية المارونية الأباتي بولس نعمان على ما سبق ذكره أعلاه أن تأليف حكومة الوفاق الوطني من شأنه أن يعزز فرص حصول استحقاق رئاسي سليم يؤدي إلى وصول رئيس توافقي إلى قصر بعبدا، يتمتع بدعم كل القوى السياسية اللبنانية، وبالتالي قادر على أن يدير العملية الديموقراطية في لبنان بسلاسة، من دون العقبات الكبيرة التي يمكن أن تعترضه في حال انتخابه بغير التوافق أو من دون توفير نصاب الثلثين في جلسة الانتخاب الذي درجت عليه كل الانتخابات الرئاسية في تاريخ لبنان. ويضيف: «بعد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في مجلس الأمن، يجب أن ينصبّ الاهتمام على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها والحؤول دون حصول فراغ، ولكن للوصول إلى هذا الهدف، من الضروري الاتفاق على تأليف حكومة تتمتع بصحة التمثيل تقوم بوضع تصور للبنان ما بعد الانتخابات الرئاسية ولبنان ما بعد الأزمة الخطيرة التي يجتازها، وتعمل على توفير انتخاب رئيس للجمهورية قادر على أن يحمل على عاتقه مهمة تنفيذ هذا التصور. إن الأحداث الأخيرة في مخيم نهر البارد، على مأسويتها، نتج منها إنجاز مهم للغاية زاد من ثقة اللبنانيين بأنفسهم وبجيشهم، وهو أنهم عندما يتفقون على أمر بإمكانهم تحقيقه بأفضل نتيجة».
كانت أجواء أمس إيجابية حيال إمكانية التوصل إلى تفاهم حول حكومة اتحاد وطني، وخصوصاً بعدما أُشيع أن سفيري الولايات المتحدة جيفري فيلتمان وفرنسا برنار إيمييه قد أخذا على عاتقهما أمر إقناع القوى المسيحية في تجمع 14 آذار بالسير في المسألة. وكشفت مصادر مطلعة على المفاوضات الجارية بعيداً من الأضواء لـ«الأخبار» أن «الأجواء جدية، وليست فقط إيجابية لأن ذهنية بعض المعنيين بالمسألة مختلفة تماماً عن السابق، وثمة إرادة دولية وعربية أكيدة لإنجاح هذا المسعى الذي ستبدأ خطواته العملية تتبلور ابتداء من العاشر من حزيران المقبل».